المستثمرون العرب يبدون قلقا متزايدا حيال الوضع في لبنان

الراشد لـ «الشرق الأوسط»: لا انسحابات استثمارية بعد ولكن «القلق» هو المناخ الطاغي

TT

بين استمرار حال المراوحة في معالجة الأزمة السياسية على حدي التسوية او التصعيد، وبين عجز الحكومة عن فتح كامل القنوات امام انسياب مبالغ الدعم العربي والدولي المقررة في مؤتمر «باريس ـ 3» يدخل الاقتصاد الوطني في مأزق حقيقي ينذر بمضاعفات حساسة وخطيرة في المرحلة المقبلة.

ويرصد المحللون والمراقبون مؤشرات الاداء الرئيسية في نهاية الفصل الاول من السنة الحالية التي ستظهر جانباً مهماً من حجم الاخطار التي يواجهها الاقتصاد، بينما بدأ عدد من المستثمرين الخارجيين بالإفصاح عن قلقهم ومخاوفهم بعد تردد طويل يحكمه شعور التضامن مع لبنان وازمته.

وبحسب المعطيات الاحصائية المتوافرة للشهرين الاولين من السنة 2007، فان حصيلة الفصل الاول ستظهر علامات سلبية في مؤشرات وقطاعات حيوية نجحت، حتى وقت قصير، في معايشة الأزمة وتداعياتها، فيما تزداد الصعوبات امام القطاعات التي تتعرض للاستنزاف منذ بدء العدوان الاسرائيلي في 12 يوليو (تموز) الماضي ولم تشهد اي انتعاش ملموس بفعل الاوضاع السياسية الداخلية.

ويتصدر القطاع السياحي والخدماتي قائمة القطاعات المستنزفة مع تسجيل تراجع مطرد في أعداد السياح يمكن ان تصل نسبته الى 40 في المائة في نهاية الفصل الاول مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي. ومن تجلياته الظاهرة الشلل شبه التام في وسط بيروت التجاري والاقفال المؤقت او الدائم لمئات المؤسسات وتسريح ما يزيد على 20 الفاً من الايدي العاملة، وهي صورة متكررة، وإن بنسب متفاوتة، على الفنادق والمطاعم والمقاهي في انحاء البلاد.

وتساهم هذه الصور مع ما تتناقله وسائل الاعلام والفضائيات من مواقف سياسية متناقضة وتهويل مستمر بالتصعيد في تكوين مناخ طارد للاستثمار بدأت ملامحه تظهر الى العلن من خلال إلغاء او تأجيل مشاريع استثمارية نوعية وافدة الى قطاعات العقارات والسياحة والخدمات والمصارف، بالتزامن مع اشعارات متنامية يتلقاها سياسيون واقتصاديون تحذر من انسحابات استثمارية.

ويقول رئيس اتحاد الغرف السعودية، عبد الرحمن الراشد، في دردشة مع «الشرق الاوسط» خلال مشاركته في الاجتماعات الدورية لمجلس اتحاد الغرف العربية الذي استضافته بيروت نهاية الاسبوع الماضي:«ان القلق هو السمة الطاغية لدى معظم المستثمرين العرب عموماً والخليجيين خصوصاً إزاء الأزمة الحاصلة في لبنان التي تؤثر مباشرة في المناخ الاستثماري وتؤثر بالتالي في قرارات التوظيف».

ويضيف: «لا انسحابات استثمارية سعودية حتى الآن. ولا يزال تقويمنا بان لبنان يزخر بفرص استثمارية واعدة في معظم القطاعات وفي الاوراق المالية. لكن الاستثمار مشروط دوماً، وفي اي مكان في العالم، بالاستقرار اولاً وبالعوائد المرتقبة ثانياً. اما الهواجس والمخاوف فتشكل عاملاً طارداً في اي سوق». ويؤكد: «هناك فوائض مالية كبيرة في المنطقة. ولدى المستثمر السعودي او الخليجي وجهات مستقرة للتوظيف، سواء في دول مجلس التعاون او في الاردن ومصر اللذين يشهدان نمواً مثيراً في حركة الاستثمارات الوافدة».

وإذ بدا الراشد متحفظاً في توصيفه لتأثير الوضع القائم، فان المستثمر الاماراتي خلف الحبتور، الذي يستثمر مئات ملايين الدولارات في القطاعين السياحي والتجاري في لبنان، لم يتردد في الاعلان عن ان «الاستثمارات الوطنية والاجنبية تتعرض لاضرار فادحة نتيجة لحالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي سببتها تركيبة النظام السائد في لبنان، ولكون البلاد مصابة بحالة من الشلل نتيجة للتظاهرات والمسيرات الكبيرة المتكررة من جانب كل الفرقاء. وهذه بالقطع تصرفات تمنع تواصل الحياة الطبيعية وتزعزع الاقتصاد، وفشلت الدولة في السيطرة على هذا الوضع».

واضاف: «الاحتجاجات والتظاهرات والاعمال الارهابية تحدث في كل مكان وليس في لبنان وحده. لكن الفارق هو ان الدول الاخرى لا تدخل مرحلة من الجمود التام والمتاجر فيها لا تغلق ابوابها والفنادق لا تبقى خاوية بل تستمر الحياة». واشار الحبتور الى انه «بالنسبة الى النظام القضائي فان لنا تحفظات على تصرفات قضاة بعينهم. وقد تعرضت شركتنا لبعض الافعال التي تثير تساؤلات كبيرة رفعتها فور وقوعها الى علم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والنائب العام. غير ان احدا لم يتخذ اي اجراء في حق هؤلاء القضاة». وقال: «نتيجة لهذه البيئة غير المشجعة على الاستثمار في لبنان طلب مني عدد من المستثمرين العرب واللبنانيين ان ننضم اليهم لمقاضاة الدولة اللبنانية امام مفوضية الامم المتحدة لقانون التجارة الدولي (UNICITRAL) او المركز الدولي لفض النزاعات الاستثمارية (ICSID)، فتمنيت عليهم، بما لي من رصيد شخصي لديهم، ان يؤخروا اتخاذ مثل هذا الاجراء والانتظار لإيماني وقتها بان الامور ستتغير، ولكن بكل صراحة الى متى ساتمكن من فعل ذلك؟» وفي سياق متصل بحركة الاستثمار علمت «الشرق الاوسط» ان الكثير من المشاريع الكبرى في وسط بيروت التجاري يخضع حالياً لإعادة تقويم من قبل مستثمرين خليجيين افراداً ومؤسسات، على خلفية انشاء صناديق واجتذاب التمويل لهذه المشاريع التي اضطرتهم الازمة الحاضرة الى ارجائها.

كما علم ان مجموعة سعودية كبيرة صرفت النظر عن استثمار مصرفي كانت ستضخ بموجبه اكثر من 250 مليون دولار من خلال حيازة مصرف صغير عامل ورفع رأس ماله الى 200 مليون دولار كحد أدنى.

ولم يسلم القطاع المصرفي والمالي من انعكاسات الازمة الداخلية وتداعياتها، حيث تظهر المؤشرات الاساسية تباطؤاً صريحاً في الاداء، وتراجعاً في بنود مهمة من الميزانية المجمعة للمصارف في مقدمها الموجودات والودائع.