خبراء لـ «الشرق الأوسط»: الأهم من خصخصة أسواق المال العربية دمجها

بعد تجربة سوقي دبي وفلسطين.. أسواق أخرى في المنطقة قد تلحق بالركب

TT

هل باتت خصخصة الأسواق المالية حاجة ملحة اليوم؟ أم أنها معبر او ممر لا بد منه لتطوير هذه الاسواق وانفتاحها؟ فبعد تجربة السويد في المجال عام 93، أخذت مجموعة من الدول نفس الاتجاه من هونغ كونغ الى سنغافورة وبريطانيا وكندا وغيرها.. وفي عالمنا العربي أخذت سوق دبي هذا المنحى وكذلك السوق الفلسطينية، فهل تتبعهما أسواق عربية اخرى؟

ولكن على الرغم من استكمال عدد كبير من البورصات العالمية لمسيرة تحولها إلى شركات مساهمة عامة وتداولها في البورصات المختلفة، إلا أن الأسواق الناشئة عامة ما زالت في الكثير من الدول النامية خاضعة لسيطرة الحكومات. وفيما يطرح الكثير من التساؤلات حول مبررات اللجوء الى الخصخصة وخاصة في الوقت الذي يكون فيه أداء السوق جيدا، يقول الخبراء انها تمكن السوق من الوصول إلى مصادر مالية لم تكن متاحة سابقاً ومن الاستثمار في الجوانب التقنية والإدارية، وإدخال منتجات جديدة، وتوسيع قاعدة الملاك والمستثمرين، مما يعزز من فرصها في المنافسة. ولقد كانت تجربة الاكتتاب ومن ثم التداول في اسهم سوق بورصة دبي جيدة من مختلف المقاييس حتى الآن؛ فقد جمع السوق 435 مليون دولار في طرحين خاص وعام للأسهم في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث باعت حكومة دبي في الطرح نسبة 20 في المائة أي ما يعادل 1.60 مليار سهم، وقد عُدلت قوانين هيئة الأوراق المالية في الإمارات لإلغاء قصر الشكل القانوني لأسواق المال في الدولة على المؤسسات العامة والسماح بتأسيسها شركات مساهمة عامة، مما سهل عملية التحول القانوني للسوق من مؤسسة حكومية إلى شركة مساهمة عامة وطرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام، وبالتالي إدراج أسهمها في السوق للتداول ونقل الملكيات. هذه الخطوة يدرجها مدير قسم الأبحاث في شركة شعاع كابيتال وليد الشهابي في إطار التحول الحاصل مؤخرا للخصخصة، حيث ان كل الشركات التي كانت تقليديا ضمن نطاق ملكية الحكومة وهي شركات البنية الاساسية للدول مثل المرافئ والكهرباء والأسواق المالية وغيرها تجري خصخصتها حاليا، ولكن قد لا تكون الخصخصة كاملة دائما بمعنى أنه قد تجري خصخصة جزء من أسهم الشركة للقطاع الخاص، ولكنه لا يكون مسوؤلا عن إدارتها تماما. ويقول الشهابي في حديث «الشرق الاوسط» «إن الخصخصة في سوق دبي هي بهدف ادخال القطاع الخاص كمستثمر في السوق، بينما نجدها في سوق فلسطين تتجه نحو إدخال شركاء استراتيجيين اليها سيكون لهم رأي في توجهاتها العامة مستقبلا». ويعتبر «ان هذا الامر ممكن ان يكون له تأثير ايجابي على عمل السوق ككل، وخاصة لناحية تكبير وتحسين أداء السوق وزيادة عدد الشركات المدرجة فيه وزيادة حجم التداول، وبالتالي كل هذا سيؤدي الى تكبير نطاق عمل السوق وتحسين أدائه. ولكن في الوقت عينه لا تعني الخصخصة بالضرورة أن السوق أصبحت أفضل، فهناك أسواق عدة أداؤها جيد على الرغم من بقائها تحت ملكية الدولة».

وفي المقابل يشير لـ«الشرق الأوسط» المحلل المالي في شركة الخدمات المالية جمال عبد الجبار، الى أن «من اهم نتائج الخصخصة على المدى الطويل زيادة معدلات الشفافية والرقابة والإفصاح على عمليات السوق، وهذا بالضبط ما تحتاج اليه أسواقنا العربية». ويقول يمكن للسوق ان تستمر في الاضطلاع بمهامها التنظيمية بعد الخصخصة، وفي هذه الحالة لا بد من توفر الضمانات الكافية بأن السوق ستقوم بكل الإجراءات الممكنة لتأمين بيئة التداول العادل والشفاف، بما فيها فرض العقوبات الإدارية والمادية على المخالفين من الشركات المدرجة والأعضاء والمتداولين، على الرغم من أنهم يشكلون جزءا مهما من مواردها.

وفي هذا الاطار يقترح عدد من الخبراء لجوء السوق إلى فصل مهامها التنظيمية عن نشاطاتها الربحية عبر تشكيل جسم يتمتع باستقلالية نسبية للاضطلاع بمهام الرقابة والتنظيم، وبذلك تتجاوز قضايا تضارب المصالح، وقد طبقت «ناسداك» هذا الإجراء. كما يمكن للسوق أن توكل طرفا ثالثا بمهامها التنظيمية والرقابية لتجنب ما قد ينشأ من اعتقاد بتضارب المصالح، وقد طبقت الولايات المتحدة هذا الإجراء أيضا. ولكن يرى الشهابي «انه على الرغم من أهمية خطوة خصخصة الأسواق المالية في منطقتنا، حيث من الممكن أن نرى أسواقا أخرى تلحق بهذا الركب مستقبلا، إلا أن الأهم من هذا هو دمج هذه الاسواق ومن ثم خصخصتها». ويقول «إذا ما كانت للقطاع الخاص نسبة مقررة ومشاركة فعلية في الاسواق، فان هذا سيؤدي طبعا الى شفافية أكبر في السوق. كما انه من الافضل ألا تكون الملكية للحكومة، ولكن مع بقاء السلطة الرقابية لها». ويضيف الشهابي قائلا «تجربة سوق دبي ناجحة، حيث بينت اهتماما من المستثمرين أن يستثمروا ويساهموا في ربحية السوق المالية، ولكن برأيي لم تتطور هذه الخطوة بعد ولم تصل هذه المساهمة الى مرحلة المشاركة في اتخاذ القرار، وهذا ما يجب ان تكون عليه الخطوة التالية».

وفي المقابل يلفت عبد الجبار الى ان أكثر من دراسة أجريت حول أداء الأسواق بعد خصخصتها وإدراجها، وقد بينت تحسنا جوهريا في النسب المالية الأساسية لهذه الشركات بعد إدراجها للتداول، بما في ذلك تسجيل نمو لسهم الشركة يفوق نمو المؤشر العام للسوق، ويفوق أداء الأوراق المالية للشركات الأخرى المدرجة في ذات السوق. كما أن من شأنها ان تلعب دورا كعامل مساعد لجذب رؤوس الاموال والاستثمارات الاجنبية الى هذه السوق وتعزيز ثقة المستثمرين. ومن شأن زيادة الثقة في كفاءة وحوكمة السوق تعزيز قدراتها على الدخول في شراكات وتحالفات دولية والعمل في اقتصاديات إقليمية ودولية. وفي النهاية يتفق الجميع على أن خصخصة الأسواق المالية لا تستهدف فقط نقل ملكية تلك الأسواق من الملكية العامة لملكية القطاع الخاص، بل تستهدف أيضاً حزمة كبيرة من التغييرات والإجراءات الإصلاحية يأتي في مقدمتها تحسين الهيكل المالي والإداري والقانوني للسوق.