استيراد المديرين بين المسؤولية الإدارية والمسؤولية الأدبية

حسين العويد

TT

لو قارنا الكلفة التي تتحملها بعض الشركات الخليجية لـ«اصطياد» بعض الكفاءات من الخارج وبين الكلفة التي يمكن ان تتحملها في اعداد وتدريب الكوادر الوطنية أو حتى بعض الكوادر المقيمة في المنطقة، لوجدنا ان هذه الشركات تتحمل أعباء مالية باهظة، هي في غنى عنها ولا ضرورة لها.

فبعض الشركات تتكلف بالاضافة الى الرواتب العالية التي اصبحت تتجاوز المليون دولار في السنة، كلفة سكن فاخر ومصاريف تنقل واجازات بمئات الآلاف، كما ان الشركات تدفع ما يعرف برسم التوقيع مع المدير الذي تتعاقد معه والتي تتجاوز راتب عام في بعض الأحيان، بالاضافة الى انها تلتزم بدفع تعويضات في حال فسخ التعاقد تصل الى رواتب عامين أو اكثر. ومع الأخذ بخصوصية كل تجربة وعدم التوسع في الاجتهاد الى حد التعميم، فإن الملاحظ ان منطقة الخليج غدت قبلة لكثير من (اصحاب الياقات البيضاء) الذين لا يملكون خبرة حقيقية أو أن خبراتهم لا تتناسب مع الهالة التي اعطيت لهم عند التعاقد معهم.

وفي احسن الاحوال فإن تجربتهم الميدانية اثبتت أنهم غير قادرين على التكيف مع بيئة الاعمال الجديدة، وغير قادرين على استيعاب شروطها وظروفها بالشكل الذي يمكنهم من ابتكار البرامج والخطط التي تعولها الشركات ومساهميها عليهم. ولو حسبنا كلفة واحد من هؤلاء بالقلم والورقة، لوجدنا ان ما يدفع لهم على شكل رواتب وامتيازات، خلال مرحلة التكيف التي قد تمتد الى اكثر من سنتين، يمكن ان تكون كافية لتدريب بعض الكفاءات المحلية في أرقى المعاهد والجامعات مع ضمان ان هذه الكفاءات ستكون رصيدا دائما لا ضيفا عابرا جاء الى البلاد بدافع التغيير أو هروبا من الضرائب التي كانت تأتي على نسبة كبرى من دخله. ان لجوء بعض الشركات الخليجية الى التعاقد مع مديرين ورؤساء على شكل (وصفات جاهزة)، وبناء على سير ذاتية براقة في ظاهرها، هو في الواقع جزء من ثقافة تحتاج الى مراجعة.

فالمدير الناجح ليس بالضرورة هو المدير الأجنبي، خاصة بعد ان اثبت ابناء المنطقة نجاحا مشهودا في ادارة مؤسسات خاصة وعامة، حققت نتائج باهرة حتى بالمقاييس العالمية. كما ان المدير الناجح ليس مجموعة شهادات أو عدد من سنوات الخبرة، بل هو مجموعة العلاقات التي ينسجها في الميدان. ومثل هذه العلاقات تحتاج بالاضافة الى الوقت والخبرة والمعايشة الى نوع من الرغبة في الانخراط في النسيج الاجتماعي والتفاعل مع معطياتة الاقتصادية والقانونية له، بحيث يتمكن ذلك المدير من تقديم رؤى واقتراحات قابلة للنجاح والتطبيق. كما ان مراجعة هذه الثقافة تتطلب النظر الى الادارة باعتبارها مفهوما مرنا وليست قواعد عمل جامدة.

فالشركات الخليجية في معظمها شركات جديدة، ونطاق عمل الكثير منها ما زال محدودا، والعوامل المؤثرة على نشاطها تختلف عن تلك التي تؤثر في نشاط الشركات في الدول الاخرى، وبالتالي فإن اسلوب العمل الذي اعتاد عليه بعض المديرين في اماكن اخرى من العالم، قد لا يكون ناجحا في هذه المنطقة، فضلا عن ان بعض المشاريع التي نجحت في تلك الاماكن قد يصعب اعادة انتاجها او استنساخها من جديد في مكان آخر. ان ظاهرة استيراد المديرين من الخارج تحتاج الى وقفة. فالمدير في العادة يتحمل بالاضافة الى مسؤوليته الادارية مسؤولية ادبية تجاه المجمتع الذي يعمل به. ومثل هذه المسؤولية لا يشعر بها الا من كان لديه شعور بالانتماء الى البيئة المحلية، ومثل هذا الشعور لا يبنى اذا ظل ذلك المدير يعيش على اطلال نجاحات غابرة أو وراء مكتب تمتلئ جدرانه بشهادات في منطقة، اثبتت ان الشهادة الحقيقة هي النجاح في الميدان.

* الرئيس التنفيذي لشركة نور للخدمات المالية الإماراتية