عن أهمية التحقيقات الصحفية

سـعود الأحمد *

TT

في مقال سابق تحدثت عن ماذا ينقص صحافتنا المحلية، وأشرت إلى أهمية التحقيقات الصحفية ... وأجد أن الحديث عن مثل هذا الموضوع يحتاج إلى شيء من التفصيل. من منطلق أن المقصود ليس التحقيقات الصحفية بحد ذاتها، بل الأهم هو آلية عمل هذه التحقيقات.

فالمفترض أن الصحافة تمثل الرأي العام بما تحمله الكلمة من معنى. والأمر من وجهة نظري ممكن ومتاح. فيستطيع المحرر الصحفي أن يستلهم مواضع وقضايا التحقيقات الصحفية، من متابعته لما يسطره كتاب الأعمدة الصحفية في مقالاتهم التي تملأ الصحف اليومية. وما يلحق بهذه المقالات من تعليقات على مواقع الصحف على شبكة الانترنت. ولا ننسى ما تعج به الصفحات الورقية للصحف اليومية من مراسلات وتعقيبات القراء، والتي من الطبيعي أنها الوعاء المناسب لملاحظات وشكاوى أفراد المجتمع.

فما على المحرر الصحفي إلا أن يحدد المواضيع التي يرى أهمية طرحها. ويجمع ما يمكن جمعه من إحصائيات وأحداث لها علاقة بالموضوع، ويتصل بالأشخاص المعنيين ليسمع تعليقاتهم على الموضوع، ومن ذلك يمكنه تحديد محاور التحقيق الصحفي. وعندها يصبح بإمكانه أن ينزل للشارع بما حدده من محاور وما جمعه من إحصائيات عن الموضوع ... ويعرض كل ذلك على عينة مختارة من الجمهور، ويحصل منهم على آرائهم وملاحظاتهم وتعليقاتهم على الموضوع. ومن ثم يعرض القضية على شخص أو شخصين من المنظرين الأكاديميين المستقلين ومثلهم من المهنيين الممارسين بالقطاع الخاص. ولا بأس من تدعيم كل ذلك برأي قانوني لشخص مستقل، إذا كان للموضوع مجال للرأي القانوني أو التنظيمي ... ثم يعرض كل ما توصل إليه على الجهة أو الجهات الرسمية المعنية بالتنظيم والرقابة على هذا الموضوع. بهذا الأسلوب نكون قد فتحنا المجال لمشاركة الرأي العام على الوجه المطلوب .. وعندها يمكن لنا أن نحصل على مختلف الآراء التي تمثل الرأي العام (بحق). ولتصبح صحافتنا ساحة لتلاقح الآراء المختلفة. ونعطي للمجتمع دفعة تمهيدية قوية للأمام.. على طريق مشاركة العامة في القرارات التنظيمية والتشريعية.

فمهما فتح المجال للكُتاب الصحفيين .. ومنحوا نوعاً من المساحة الحرة للتعبير عن آرائهم، إلا أن الكتاب أنفسهم لهم مصالح وقيود ومحددات خاصة، بخلاف ما يعتقده البعض من قيود صحفية تقليدية؛ فالكاتب في معظم الحالات، إما موظف أو أستاذ جامعي أو مستشار أو محلل مالي في إحدى الجهات الحكومية أو الهيئات المختلطة أو الشركات. وبالتالي لا ينتظر منه أن يتمتع بكامل الحرية في طرحه للقضايا العامة. فكل موضوع يدخل فيه يجده بصورة أو بأخرى يمس الجهة التي يعمل بها. ناهيك من أن معظم ما يحصل عليه الكاتب من معلومات، يأتي له بحكم عمله .. وهنا مأزق قانوني. فقد تستخدم هذه الثغرة على أنها إفشاء لأسرار تم الحصول عليها بالصفة الوظيفية.

ولذلك ... فإن التحقيقات الصحفية تتميز على المقالات بأن المتحدث فيها يكون في غاية الاستقلال. كونه يتحدث وهو متحرر من أي ضغوط أو محاذير كالتي يحسب لها المحرر أو الكاتب الصحفي. وهنا تكون ساحة الراوي أو المحرر الصحفي بريئة لأنه في هذه الحالة يصبح ناقلا لوجهة نظر الرأي العام. وعليه فقط مسؤولية أمانة النقل والتوثيق لكل ما ينقل ... باعتباره شخصا مهنيا مكلفا ومعرضا للمساءلة عن مصدر المعلومة.

ختاماً ... لا تفوتني الإشادة بالعديد من البرامج التلفزيونية التي تبرز رأي المواطن في بعض المواضيع، لكن ذلك لا يغني عن قول المهنيين الممارسين والأكاديميين في المجال، للرد على رأي الجهة المعنية. حتى تكتمل الصورة لدى المشاهد ليتمكن من الوصول إلى قناعة كافية عن الموضوع.

* كاتب سعودي