الاستثمار في مهنة الطب

TT

التوجه نحو الإنفاق الداخلي واستهداف المجالات التنموية منه يبدو واضحاً في سياسة حكومة المملكة وتؤكده أرقام اعتمادات الموازنة العامة للدولة. على أنه من الطبيعي أن يكون التعليم من أهم أبواب الإنفاق الحكومي، لكن الذي ينبغي التنبيه إليه في هذه المرحلة، ونحن نسعى جاهدين للاستغلال الأمثل للموارد.. أن نجعل من أوجه الإنفاق الاستثماري واحداً من أهم مداخل أهدافنا الاستراتيجية. الذي أقصده هنا، ليس الإنفاق لمواجهة متطلبات المجتمع التقليدية.. من خدمات التعليم والصحة وغيرها، ولكن الذي أعنيه هو الاستثمار في مجالات التعليم بأن تقوم الحكومة بتبني خطط استراتيجية لتطوير مهن بتخصصات طبية مطلوبة على المستوى العالمي. فتخصص مثل طب الاسنان أو طب العيون أو القلب لا شك أن الإنفاق عليه بقصد الاستثمار يعتبر توجهاً استراتيجياً تنموياً يستحق الدعم اللوجستي. كأن تقوم الحكومة بتخصيص مبالغ مالية تستهدف تأهيل أعداد كبيرة من الأطباء في مختلف المجالات الطبية، وبالأخص في مجال طب وجراحة الاسنان والعيون والقلب وفصل الاطفال السياميين بما يجعل من بلادنا مهوى أفئدة ومحط أنظار العالم، في هذه التخصصات. فالمملكة ولا شك تسعى لاجتذاب أنظار العام ورفع اسم المملكة في مختلف المجالات كالرياضة وغيرها. ففي تقديري أننا بلغنا مرحلة يجب معها ألا ننظر لهذه التخصصات بطاقة تكون بحدود اكتفائنا الذاتي وبما يلبي الحاجة الآنية. لأن المعطيات والمقومات تشجع على اتساع المدارك لتشمل آفاقاً أرحب. فالكل يعلم أن المملكة ومنذ أكثر من عشرين عاماً كانت قد وصلت سمعتها لمستوى يبعث على الفخر. ولعلنا نذكر ما وصل إليه مستوى مستشفى الملك خالد التخصصي لطب وجراحة العيون بمدينة الرياض.. ومستوى الخدمات التي كانت عليه حتى تضاءلت خلال العشرة أعوام الماضية!. وسؤالي هنا: ألا يمكن أن يحظى هذا المستشفى وهذا التخصص بالتفاتة من منظور استثماري، وإن لم يكن القصد هو الربح ولكن على الأقل لتحقيق إيرادات تغطي المصروفات التشغيلية. ومجال طبي آخر مثل طب وجراحة القلب، والمستوى الذي وصلنا إليه، والذي بصراحة يشجع على المضي قدماً للإنفاق عليه لتطويره. وبالأخص إذا نظرنا إلى المستوى الذي وصل إليه مركز الأمير سلطان لطب وجراحة القلب التابع لمستشفى القوات المسلحة بالرياض.. والذي كان ولا يزال يقدم أرقى خدمة وعلى أعلى مستوى. وسؤالي هنا: ألا يمكن أن يتطور هذا الصرح ليصبح مستشفى ضخما يستقبل الحالات من مختلف دول العالم مثله مثل المستشفيات العالمية التي يتم تشغيلها من إيراداتها.

وعن التخصصات الطبية التي قطعنا فيها شوطاً حتى وصلنا إلى مرحلة متقدمة فيه، لا ننسى المرحلة التي وصلنا إليها.. في مثل كلية طب الاسنان بجامعة الملك سعود بالرياض، والاعداد التي تخرجت منها من شباب وفتيات هذا البلد المعطاء. فلماذا لم تتطور فكرته، وما هي الاعداد التي تخرجت منه قبل عشرين عاماً، وما هو عليه الحال بعدد الخريجين بالعام الماضي. لماذا الطالب الذي يتخرج من الثانوية بتخصص علمي وبتقدير يفوق 95% ويرغب في أحد التخصصات الطبية يبتعث للخارج عوضاً عن ان نجد له مقعداً في جامعاتنا السعودية. فالمال متوفر وأساتذة الجامعات في مثل هذه التخصصات متوفرون في أنحاء العالم، وبمختلف المدارس... ومنهم من يجيد اللغة العربية ولديه الرغبة في العمل بالمملكة، بل إن بعضهم يتمنى الإقامة الدائمة بالمملكة والحصول على المواطنة.

وهناك دول أقل منا امكانيات، ومع ذلك حققت ما لم نحققه في مجالات تحتاج للعديد من الإمكانيات. ففي دولة مثل سورية الشقيقة تنتشر عيادات طب الاسنان وبكثرة وبشكل ملحوظ في المدن والأرياف، وعلى مستوى من الأداء المتطور. وعلى ضعف إمكانيات هذا البلد المادية! ألسنا ننتهز الفرصة لرفع اسم المملكة على مستوى العالم، وننفق لأجل ذلك وبسخاء المبالغ الطائلة. أليس التقدم في المجالات الطبية بتخصصات مثل الثلاثة التي سبق ذكرها، مجالا للتفوق على مستوى العالم... بما لدينا من معطيات، من عقول مؤهلة ومعدات وأموال يمكن لها أن تطور ما لدينا.

وختاماً... إنني أدعو إلى إجراء دراسة أسباب عدم تطور هذه المجالات الطبية. وإمكانية الاستثمار بجدوى اقتصادية مشجعة في مثل هذه المشاريع التنموية.

* محلل مالي سعودي [email protected]