المطالبة بمؤتمر لاستقلالية مراجعي الحسابات

سعود الأحمد   

TT

مهنة المحاسبة والمراجعة تعتبر صمام الأمان للاقتصاد الوطني. فمراجع الحسابات هو الذي يؤكد على سلامة إعداد القوائم المالية للمنشآت الاقتصادية. والتي تمثل اللبنات الفعلية لهيكل الاقتصاد الوطني. وبالتالي فإن أهمية مهنة المحاسبة والمراجعة تنبع من أهمية مصداقية وعدالة تمثيل البيانات المالية لهذه المنشآت. لكن واقع الحال لسوق المهنة السعودي أنه وعلى كبر حجم الاقتصاد السعودي، فإن عدد مكاتب المحاسبة الفعلي لا يتجاوز 120 مكتبا، وأنها تغطي قرابة 14 ألف شركة مرخصة ونحو 600 ألف مؤسسة. وأن معظم المكاتب المحاسبية تعاني للبقاء في سوق المهنة من العديد من التحديات. وعلى اثر ذلك فالبعض يخرج من السوق نهائيا جراء تكبده خسائر كونه لا يستطيع تغطية مصروفاته التشغيلية.. وليس بمقدروه رفع قيمة أتعابه، وفي الوقت نفسه لا يستطيع البقاء مع الوفاء بمتطلبات المهنة! أما بعضها فأصبح يعتمد على تقديم الاستشارات ويبقى في المهنة بالرغم من أنه يخسر في عمليات المراجعة. ناهيك من منافسة بضع شركات محاسبية كبيرة تستحوذ على معظم حجم السوق السعودي.

ومما يجدر الإشارة إليه أنه في مهنة المحاسبة والمراجعة هناك أمور فنية عديدة تخضع للتقدير والقناعة الشخصية. كما أن هناك خيارات بين طرق الفحص وأساليب اختيار العينات ونسب التدقيق يمكن لمراجعي الحسابات أن يأخذ ما يشاء من بينها. ويمكن للمهني استغلالها لإرضاء عملائه، وعلى حساب مبدأ الاستقلالية. ومن الطبيعي أنه إذا فقد مراجع الحسابات استقلاليته، فإن بياناته وتقاريره عن الأوضاع المالية للشركات المساهمة لن تكون صادقة ليعول عليها في تمثيلها للوضع الاقتصادي للبلاد. بل إنها ستكون مضللة لمستخدمي البيانات المالية. وبالتالي فإن هذه اللبنات المكونة للاقتصاد ليست بمأمن من مفاجآت وعواصف الانهيارات الفردية والجماعية. فمراجع الحسابات في أحسن حالاته يبقى بين المطرقة والسندان وهو يؤدي عمله. بل إن وضع مراجع الحسابات وطبيعة المهمة التي يقوم بها توحي بأنه بأمس الحاجة للحماية. فالمجتمع ينتظر منه أن يعطي رأياً صادقاً ونزيهاً عن أداء الشركة، وهو في الحقيقة أداء مجلس إداراتها. في وقت أن مجلس الإدارة هو المعني بدفع أتعابه، وهو الذي يقترح اسم مراجع الحسابات ليطرح على ملاك الشركة في اجتماع الجمعية العمومية للتصويت عليه من عدمه. ومهما يكن، فإذا لم تتعاون إدارة الشركة مع مراجع الحسابات وتوفر له البيانات التي يطلبها في الوقت وبالشكل المناسب، فإن مراجع الحسابات لن يستطيع بأي حال من الأحوال أن يؤدي مهمته على الوجه المطلوب. كما أن هناك تباعدا نظريا وعمليا بين مفهوم مراجع الحسابات ومفهوم إدارة الشركة من حيث طبيعة وهدف المهمة التي يقوم بها. فمراجع الحسابات يجد نفسه معني بتقييم أداء الشركة بصورة أو بأخرى (شاء أم لم يشاء)، خصوصاً فيما يكتبه في تقريره عن القوائم المالية، وما يضمنه فيه من ملاحظات وتحفظات وفي تقاريره عن مستوى نظام الرقابة الداخلية المعمول به التطبيق الفعلي له. في وقت ترى فيه إدارة الشركة (من منظورها) أن يأتي لخدمتها، لا لإظهار عيوبها وكتابة الملاحظات عليها. وهنا يتجلى الخلط بين المفهومين. وهنا يكمن محور تعارض المصالح.. ولذلك فإن مراجع الحسابات أو من يسمى بالمحاسب القانوني، يعيش حياته العملية بين معاناة وتحد! ومن جانب آخر.. الكل يلاحظ أن حجم السوق السعودي ينمو بشكل سريع ومضطرد، وبالأخص خلال الفترة الماضية القريبة. ودليل ذلك عمليات الاكتتبات في الشركات الجديدة ورفع رؤوس أموال بعض الشركات والمنح الرأسمالية للبعض الآخر من الشركات القائمة، وفي ذلك تثبيت لمفهوم عمق السوق وبناء قاعدة استثمارية تتلاءم وحجم الاقتصاد السعودي. وكلما ازداد حجم السوق، ازدادت الحاجة للتشريعات التي تضمن سلامته.

وعليه فإنني أدعو إلى المبادرة إلى عقد مؤتمر مهني سعودي أو خليجي عاجل.. بعنوان «كيف نضمن استقلالية مراجعي الحسابات».. نشخص فيه مشاكل المحاسب القانوني وأنسب المعالجات لها. على أن تركز الأوارق المقدمة فيه على كل ما يهدف إلى إبراز أهمية استقلالية مراجع الحسابات وأثرها على اقتصاد، والمواضع والحالات التي يؤتى منها مراجع الحسابات في الحياة العملية والمعوقات التي تواجهه ويعاني منها، والحلول المقترحة لمعالجتها.

* كاتب ومحلل مالي سعودي [email protected]