مصر مؤهلة لتصبح «هند الشرق الأوسط» في صناعة التعهيد

تتطلع لتوفير 50 ألف فرصة عمل بحلول 2010.. والخليج يشكل 29% من قيمة كافة المشاريع المصرية

TT

بدأت سياسة وزارة الاتصالات المصرية في الترويج لمصر كمركز لصناعة «تصدير الخدمات أو الحلول» المعروفة باسم «صناعة التعهيد»، تؤتي ثمارها، فيما أكدت عدة تقارير دولية أن مصر باتت مؤهلة لاحتلال مكانة متقدمة على مستوى الشرق الأوسط، تماثل المكانة التي تحتل إن مصطلح «تصدير الخدمات أو الحلول» كثيراً ما يقترن ببلدان مثل الهند والصين وروسيا، ولكن يشهد العالم حالياً بروز لاعب قوي جديد في هذا المجال والذي بات يُعرف بقدراته المتطورة لتصدير خدمات وحلول تكنولوجيا المعلومات.

وقد جاء في تقرير صدر أخيراً عن «مجموعة يانكي»، أن مصر تمتلك كل المقومات والكفاءات التي تمكنها من أن تصل إلى المركز الذي وصلت إليه الهند لتصبح «القوة الجديدة في تصدير الخدمات أو الحلول في المنطقة العربية». فقد قطعت مصر شوطاً كبيراً في سعيها لكي تنضم إلى مصاف كبار المنافسين في قطاع تصدير خدمات تكنولوجيا المعلومات وخدمات إجراءات الأعمال، إذ أنها تُصدّر حلول تطوير البرمجيات وحلول مراكز الاتصال ليس إلى بلدان تقع في منطقتها فحسب، ولكنها أيضاً قد بدأت تتوغل بشكل متزايد في القارة الأوروبية المجاورة.

وقد أدى هذا الإقبال المتنامي من دول منطقة التعاون الخليجي لتوريد الخدمات من مصر عوضاً عن اللجوء إلى الهند أو أوروبا إلى استحواذ مصر على حصة كبيرة من أعمال تصدير الخدمات إلى منطقة الخليج بحيث باتت هذه المنطقة تشكل 29 في المائة من قيمة كافة المشاريع التي تنفذها مصر، وذلك وفقاً لمرصد مشاريع الاستثمار الشرق أوسطية.

وأشار التقرير إلى أن الهند تحصل حاليا على 60 في المائة من إجمالي حجم السوق العالمي لخدمات التعهيد، ووصلت عائداتها من قطاع الخدمات الاقتصادية العابرة للحدود إلى 6 مليارات دولار، فيما بلغت عائداتها الكلية من خدمات التعهيد إلى 22 مليار دولار.

وعلى الرغم من أن الهند تسبق مصر في مجال خدمات التعهيد بحوالي 15 إلى 20 سنة، إلا أن المؤشرات الرئيسية تؤكد أن البنية التحتية في قطاع تكنولوجيا المعلومات في مصر أقوى من نظيره الهندي. فعدد مشتركي التليفونات، ومستخدمي الإنترنت في مصر يصل إلى 3 أضعاف المشتركين في الهند.

ويؤكد تقرير «المؤشر العالمي لأفضل الدول التي توفر خدمات عالمية» الصادر عن شركة «إيه تي كيرني» الدولية أن مصر تتمتع بمجموعة من العوامل التي تؤهلها لمزيد من النمو، حيث تحتل موقعا أعلى من دول أخرى في أوروبا الشرقية وأفريقيا. بالإضافة إلى أن الشركاتَ متعددة الجنسيات مثل سيسكو، وغوغل، وآي بي إم، ومايكروسوفت، وأوراكل، وأورانج منحت ثقتها الكاملة لمصر، وبدأت تستفيد من إمكانياتها في تقديم الخدمات العابرة للحدود.

وفي هذا السياق يؤكد د. طارق كامل وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصري أكد أن أمام مصر فرصة كبيرة لتصبح مركزا عالميا لخدمات التعهيد حيث تتمتع بمميزات فريدة، خصوصا بعد قيام الحكومة المصرية بوضع خطط وأهداف طموحة للحصول على حصة لا تقل عن 1.1 مليار دولار من سوق التعهيد العالمي بحلول 2010، بزيادة أربعة أضعاف حصتها عام 2005 (250 مليون دولار)». كما أن نجاح هذه الخطط سيوفر لمصر حوالي 50 ألف فرصة عمل بحلول 2010 منها 25 ألف فرصة عمل متخصصة للمهندسين والإداريين.

وأشار كامل إلى أن مصر تتمتع بالعناصر الخمسة الجاذبة للشركات العالمية لنقل عملياتها إلى مصر. وأول هذه العناصر الرخص النسبي للأجور حيث تتراوح المرتبات ما بين 350 و450 دولارا شهريا.

كما أن مصر تتمتع بوجود المهارات العالية والمؤهلة حيث يتخرج من الجامعات المصرية نحو ربع مليون خريج سنويا، وهو ما يتيح فرصا عالية وتنوعا في توفير خدمات التعهيد. ويعتبر الدعم الذي تقدمه الحكومة لصناعة تكنولوجيا المعلومات وتوفير المناخ اللازم للعمل عنصرا ثالثا في عملية جذب الشركات للحصول على خدماتها عبر البوابة المصرية. وتتطلع الشركات في المقام الرابع إلى توافر تعددية لغوية لخدماتها، وهو ميزة تتيح لمصر احتلال مكانة متقدمة حيث تتوافر خدمات التعهيد بنحو 9 لغات، مما يشجع الشركات على تجميع عملياتها في منطقة واحدة بدلا من توزيعها على عدة وكلاء في مناطق مختلفة. أما الميزة الخامسة فتتمثل في الموقع الجغرافي الاستراتيجى لمصر حيث تربط بين القارات، وتقع في توقيت عالمي متوسط يؤهلها لخدمة أي منطقة في العالم على مدار الأربع وعشرين ساعة.

وأوضح المهندس محمد عمران، الرئيس التنفيذى لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (ايتيدا)، وهي الهيئة التي نشأت بقرار من د. أحمد نظيف، رئيس وزراء مصر إبان قيادته لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أن من ضمن أهداف تأسيس الهيئة النهوض بالصادرات المصرية في قطاع تكنولوجيا المعلومات.

ومنذ تأسيسها نجحت في جذب عشرات الشركات للعمل في مصر. فعلى سبيل المثال تؤكد الأرقام أن الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 2006 إلى يوليو (تموز) 2007. شهدت دخول 11 شركة عالمية جديدة للاستثمار في مصر، حيث أن استثماراتها المبدئية ستسهم في تشغيل نحو خمسين ألف مهندس وإداري مساعد حتى بداية 2010.

ومن بين تلك الشركات شركة «فاليو» الأوروبية التي وقعت مذكرة تفاهم مع وزارة الاتصالات في 4 ابريل (نيسان) الماضي للاستثمار في مجال أبحاث وتطوير البرمجيات المدمجة وأنظمة صناعة السيارات.

وأضاف عمران قائلا إن الشركة كانت تخطط ـ حسب مذكرة التفاهم ـ لتوظيف 100 موظف بحلول 31 مايو (أيار) 2008، إلا أنها وظفت حتى الآن 120 موظفا، منهم 112 مهندسا و8 إداريين، وذلك بسبب التوسع السريع في حجم أعمالها في هذه الفترة الزمنية البسيطة. وأوضح عمران أن الشركة ستقوم بتعيين 80 آخرين قبل نهاية العام الحالي. ومع هذا النجاح غير المتوقع، والذي تجاوز الأهداف الأولية التي وضعتها ، قامت الشركة بإصدار قرار بإغلاق مراكز التطوير الخاصة بها في اسبانيا وفرنسا وألمانيا، والاعتماد على مصر كبديل.

كما أن شركة « تيلى بيرفورمانس» العالمية المتخصصة في مجال مراكز الاتصال، والتي تملك 263 مركز اتصال في 42 دولة، تخطط بموجب مذكرة التفاهم التى وقعتها أخيرا مع الهيئة لتوظيف حوالي 1000 مهندس وإداري مصري خلال العام التشغيلي الأول، على أن يرتفع عدد الموظفين إلى 2250 بحلول عام 2010. وأشار عمران إلى أن بعض الشركات الهندية مثل «ويبرو»، و«ساتيام»، و«تاتا» تخطط لإنشاء مراكز اتصال، ودعم فني، وتعليم، وتدريب في مصر. وذلك بموجب مذكرات التفاهم التي تم توقيعها خلال الجولة الترويجية التي قام بها وفد مصري برئاسة د. كامل للهند قبل شهور.

ويؤكد عادل دانش، رئيس مركز اتصالات «إكسيد» الذي يعتبر أكبر مركز اتصالات في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب أوروبا، ومقره في القرية الذكية، ويقدم خدمات الدعم الفني لشركات عالمية مثل جنرال موتورز، ومايكروسوفت، وأوراكل من خلال 1200 نقطة اتصال، أن حوالي 70 في المائة من عمليات المركز الحالية تتم لصالح شركات محلية. ومن المتوقع أن تنعكس هذه النسبة بحلول 2010 حيث ستصبح 65 في المائة لخدمة شركات من خارج الحدود و35 في المائة للشركات المحلية.

وأضاف دانش قائلا: «نحن في وضع تنافسي جيد، فالهند على سبيل المثال تقدم خدمات للناطقين بالإنجليزية، والمغرب يقدم خدمات للناطقين بالفرنسية، ولكن مصر توفر سلة متنوعة من اللغات من بينها اليابانية وبلسان طلق من دون أي عيوب في النطق، ومع تصنيف اللهجة المصرية ضمن اللهجات المحايدة التي لا تؤثر مخارج حروفها ولا لهجتها على نطق اللغات الأخرى، فإن المصريين يستطيعون نطق الإنجليزية على سبيل المثال من دون أن يشعر العميل الأجنبي أنه يتحدث مع شخص موجود في دولة أخرى.

ونوه الخبير المعلوماتي، أمين خير الدين، المسؤول عن فريق متابعة الاستراتيجية المصرية للنهوض بتكنولوجيا المعلومات إلى وجود بعض أوجه التشابه بين التجربتين المصرية والهندية في هذا المجال. فكلا البلدين يسمح بالملكية الأجنبية في مجال تكنولوجيا المعلومات.

وفي الوقت الذي تسمح فيه الهند بملكية أجنبية لا تزيد على نسبة 75 في المائة، تسمح مصر بالتملك بدون حدود، وتمنح امتيازات وإعفاءات ضريبية لمدد تصل إلى 10 سنوات، مما يؤثر إيجابيا على معدلات الناتج المحلى في البلدين.

كما أن البلدين يتطابقان من الناحية الديموغرافية، فمتوسط الأعمار في الهند 23 عاما، بينما متوسط الأعمار في مصر 24 عاما، وهو ما يوضح أن العمالة في كلا البلدين من الشباب القابل للتدريب. إلا أنه من المتوقع أن تواجه الهند التي تقوم بتخريج 400 ألف متخصص في مجال تكنولوجيا المعلومات سنويا، عجزا قد يصل إلى 500 ألف فني متخصص بحلول عام 2010، بسبب نقص التدريب والخبرة في إدارة المشاريع، بالإضافة إلى ارتفاع الأجور سنويا بنسب تتراوح ما بين 10 في المائة إلى 15 في المائة.

وتؤكد التقارير الدولية أن نجاح مصر في الدخول بقوة إلى سوق خدمات التعهيد يتوقف على مدى قدرتها على التغلب على المشاكل الهيكلية والإدراكية المترسبة في أذهان الأسواق العالمية. فالعديد الشركات الأمريكية والأوروبية ما زالت تتردد في إرسال أعمالها لمناطق جديدة وغير مختبرة. وتفضل تلك الشركات أن تكون تعهد بتقديم خدماتها لشركات تقع في منطقة جغرافية قريبة أو على الأقل من خلال شركات لها حضور عالمي. إلا أن الجيد أن معظم هذه الشركات ترى أن مصر بموقعها المركزي في منطقة الشرق الأوسط تتمتع باستقرار سياسي، ومناخ استثماري مزدهر يرشحها للحصول على نصيب أكبر من الكعكة العالمية.