4 عوامل تفند فك ارتباط الريال السعودي بالدولار.. وسببان يستوجبان ذلك

شركة «جدوى للاستثمار» في تقرير تنشره «الشرق الأوسط» : توزيع عوائد النفط على المواطنين خيار أفضل لمواجهة التضخم

TT

في السعودية برز في الفترة الأخيرة رأي أصبح متناميا يشير إلى أن الوقت حان لتعديل سعر صرف الريال أمام الدولار الأميركي برفع قيمته والتخلي عن سياسة الربط مع العملة الأميركية والتي استمرت لأكثر من عقدين من الزمن. حيث يتم إلقاء اللوم على الدولار المتهالك على أنه وراء ارتفاع التضخم وجعل العطلات الصيفية في الخارج أكثر كلفة. إضافة إلى ذلك، تحوم أسعار النفط قرب أعلى مستوياتها على الإطلاق ويشهد الاقتصاد حالة ازدهار، ما يمثل ضغطا طبيعيا لتعزيز قوة الريال. شركة «جدوى للاستثمار» والمرخصة من قبل هيئة السوق المالية السعودية، أعدت تقريرا عن الآثار المتوقعة من فك الارتباط بين العملتين من خلال كبير الاقتصاديين ورئيس إدارة الأبحاث بالشركة براد بورلاند، الخبير الاقتصادي المعروف، الذي كان يشغل سابقا كبير الاقتصاديين في مجموعة سامبا المالية ـ البنك السعودي الأميركي. «الشرق الاوسط» حصلت على التقرير بالتنسيق مع «جدوى للاستثمار» وتنشره في ما يلي مع تعديلات محدودة بما يتوافق مع سياسة النشر الصحافي. إلى التفاصيل:

تكاليف تغيير سعر الصرف تفوق حسناتها كثيراً خصوصاً أن التضخم المستورد لا يشكل إلا قدراً ضئيلاً من موجة التضخم الحالية في السعودية، أما أكبر المتضررين من جراء رفع قيمة الريال فـ 4 جهات: هي الدولة ومؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) والمستثمر الأجنبي، وأخيرا الشركات المحلية. حيث تتسلم الدولة عائدات النفط بالدولار ومن ثم تحويلها إلى الريال للإنفاق على الميزانية. ومن شأن إجراء تعديل على سعر الصرف التسبب في إضعاف قيمة الريال وانعكاس ذلك على واردات النفط ما يؤدي بالتالي إلى خفض حجم الفوائض المالية للدولة وتسريع اليوم الذي تتراجع فيه الميزانية إلى خانة العجز. أما احتياطي الدولة من الموجودات الأجنبية المقوم بالدولار في معظمه، والذي يفوق حجمه حالياً 240 مليار دولار، فستنخفض قيمته بمجرد تحويله إلى الريال.

أما مؤسسة النقد «ساما» فقد أكدت مراراً أن لا نية لديها لتعديل سياسة ربط سعر الصرف مع الدولار والقائمة منذ 21 عاما. لذا ستتضرر مصداقية «ساما» وتتراجع الثقة بالعملة إذا ما تدهورت أسعار النفط أو ارتفع سعر الدولار. علاوة على ذلك، لا تحبذ البنوك المركزية في العادة إجراء تغييرات مفاجئة أو حادة في أسعار الصرف خصوصاً أن التعديلات الطفيفة قد لا تؤتي إلا أثراً محدوداً بالنسبة لمن تضرر من ضعف الدولار.

> المستثمر الأجنبي: إضافة عامل التخوف من تغيير سعر الصرف إلى الريال الأكثر كلفة ستثبط من همة الاستثمارات الأجنبية ويؤدي لتقويض مبادرة اقتصادية رئيسية.

> الشركات المحلية: ستشهد الشركات السعودية المصدرة ارتفاعاً في أسعارها في الأسواق الخارجية بينما تقل تنافسيتها. أما تلك التي تتنافس منتجاتها مع الواردات مثل المواد الغذائية ومواد البناء والأثاث فستعاني من الواردات الأقل تكلفة.

ربما يكون من الصواب إجراء تغيير في سياسة الربط مع الدولار على المدى الطويل وذلك عندما يتنوع الاقتصاد وتتضح حاجة مؤسسة النقد لتطوير أدوات سياسة نقدية أكثر استقلالية للتحكم في سعر الفائدة. لكن الوقت لذلك لم يحن بعد، كما أن تغيير سعر الصرف لمجرد ملاحقة تحركات الدولار يشكل سياسة قد تفوق سيئاتها حسناتها في هذا الوقت. والاحتمال الوحيد لتعديل سعر صرف الريال في ظل الظروف الحالية حسبما نعتقد ربما يأتي من الرغبة في توزيع أرباح عوائد النفط المرتفعة على المواطنين الذين تأثرت مداخيلهم من ارتفاع التضخم.

* سعر الصرف المستقر ظل ربط الريال السعودي عند معدل 3.75 مقابل الدولار سارياً منذ عام 1986. وكانت سياسة الربط هذه قد تم تبنيها بغرض الحفاظ على استقرار قيمة العملة داخلياً وخارجياً، وتم اختيار الدولار دون غيره باعتباره العملة المستخدمة في تقييد تعاملات تجارة النفط الدولية، الوضع الذي لا يزال قائماً حتى اليوم. ويهيمن النفط على السواد الأعظم من إيرادات الميزانية والصادرات عند مستوى 91 بالمائة و88 بالمائة على التوالي. وحتى تتمكن من دعم سياسة الربط تحتفظ «ساما» بموجب النظام برصيد كاف من العملات الأجنبية القابلة للتحويل إلى ذهب، وهي أدوات مالية قصيرة الأجل بالدولار من أجل تغطية كامل قيمة العملة الورقية المتداولة من الريال السعودي، أي ذلك الجزء من عرض النقود الذي يطلق عليه اصطلاحاً (ن ـ 0). وفي الواقع تحتفظ مؤسسة النقد اليوم برصيد من العملات الأجنبية يتعدى كثيراً ما هو مطلوب لتوفير التغطية الكاملة للعملة المحلية. وحتى اليوم فقد استوفى الربط أغراضه داعماً للأداء الاقتصادي في البلاد. ويستخدم التضخم في قياس مدى استقرار قيمة العملة داخلياً، حيث يؤدي ارتفاعه إلى تآكل القدرة الشرائية للريال. وقد راوح معدل التضخم في السعودية بين عامي 1986 و2006 عند مستوى 0.5 بالمائة في المتوسط. أما الاستقرار الخارجي فيتم قياسه باستخدام «سعر الصرف الساري الفعلي»، الذي يأخذ في الاعتبار قيمة الريال السعودي مقابل عملات الشركاء التجاريين الرئيسيين للمملكة. وحسب تقارير صندوق النقد الدولي ظل سعر الصرف الفعلي للريال مستقراً نسبياً باستثناء الفترات التي وهنت فيها قوة الدولار بصورة كبيرة بين عامي 1986 ـ 1987 وعامي 2002 ـ 2005.

وقد شكلت تطورات أسواق النفط ضغوطاً على سياسة الربط في بعض الأحيان، ففي عام 1993 أدى تضافر أسعار النفط المتدهورة مع المخاوف بشأن العجز في الميزانية والميزان التجاري إلى خلق موجة من المضاربات راهنت على انخفاض قيمة الريال في أسواق العملات. كما حدثت موجات مضاربة مشابهة في أواخر عام 1998 وأوائل عام 1999 تزامنت مع تراجع أسعار النفط والأزمة الاقتصادية في آسيا التي نتج عنها انخفاض كبير في أسعار صرف معظم العملات في المنطقة. وقد أصابت مؤسسة النقد حينها عندما تدخلت في أسواق العملات للحفاظ على استقرار الريال بتوظيف احتياطياتها الضخمة من الموجودات الأجنبية. أما الآن فإن الضغط لا يأتي من أسواق العملات بقدر ما يأتي من الآراء السائدة التي تدعو لرفع قيمة الريال أو حتى إنهاء سياسة ربط سعر الصرف.

* لماذا هناك ضغط من أجل التغيير؟

أحد الأسباب هو الاعتقاد السائد بأن علاقة العملتين قد اختلت، حيث أن الارتفاع المضطرد في سعر النفط، إضافة لحالة الرواج الاقتصادي، من شأنهما العمل على تعزيز قيمة الريال، لكن الدولار الضعيف يتسبب في تدهور قيمة الريال في الخارج، بينما يضعف التضخم من قيمته في الداخل. كما عملت العوامل العالمية والإقليمية على إذكاء حالة التخمينات بشأن تعديل سعر الصرف.

السؤال هو هل يعني ذلك أن إجراء تغيير على الربط بعد 21 عاما من ثبات سعر الصرف يعتبر سياسة سليمة؟

«نعتقد أن الإجابة بالنفي، على الأقل في الوقت الراهن. وكما تعلمت الدول الآسيوية التي تعتمد على الصادرات فإن العملة ذات القيمة المنخفضة نوعاً ما تدعم التنافسية والنمو من خلال تحفيز الصادرات، بينما تعمل على الحد من الواردات». عليه فإن الاقتصاد السعودي يعتبر مستفيداً من سعر الصرف الحالي. كما أن أسواق العملات تتحرك بسرعة أكبر من حركة صانعي السياسات الحكومية، لذا فإن إجراء تعديل منفرد في سعر صرف الريال بسبب ضعف الدولار قد يأتي بنتائج سلبية إذا ما اشتدت قوة الدولار فجأة. والآن وبعد عقود من ربط سعر الصرف فإن أي مبرر للتغيير ينبغي أن يرتكز على الحجج الاقتصادية الهيكلية وليس مجرد الحركة في أسواق العملات الأجنبية. ونتطرق في ما يلي إلى تلك الحجج:

* التضخم وسعر الصرف أحدى أكثر الحجج الاقتصادية تردداً في الوقت الراهن في ما يتعلق بتعديل سعر الصرف هي أن الريال الضعيف يتسبب في التضخم المستورد. وقد كان ذلك أحد أكبر المبررات التي طرحتها الكويت في سياق رفعها لسعر صرف الدينار.

وحدث أن هبوط الريال تزامن مع فترة من الارتفاع في التضخم في السعودية، حيث ارتفع التضخم من متوسط 0.3 بالمائة عام 2003 إلى 3.1 بالمائة بحلول يونيو (حزيران) 2007. لكن من شأن ضعف الريال أن يؤدي لارتفاع قيمة الواردات بالعملات الأخرى وليس بالدولار. وتواصل الحجة في أن رفع قيمة الريال سيؤدي لخفض فاتورة الواردات، ما يخفف بالتالي من التضخم المستورد. لكننا لا نعتقد أن للتضخم أية علاقة كانت أو ستكون بارتفاع الأسعار في السعودية للأسباب التالية: التضخم يتركز في قطاعات معينة لا علاقة لها في اغلب الأحيان بأسعار السلع المستوردة. رغم أن ارتفاع أسعار السلع عالمياً كان السبب وراء ارتفاع التضخم، إلا أن الاختناقات المحلية الناجمة عن النمو الاقتصادي المتسارع أضحت تشكل ضغطاً كبيراً لدفع الأسعار إلى أعلى.

وتأتي مجموعة الأغذية على رأس مصادر التضخم حتى الآن هذا العام، حيث أن أسعارها ارتفعت عالمياً ومحلياً، لكن لا علاقة لذلك مع سعر الصرف. كما أن الزيادة في أسعار المجوهرات ضمن مجموعة «المصاريف والخدمات الأخرى» ذات صلة بالارتفاع في أسعار الذهب والفضة، وكلاهما مقومان بالدولار ولا تتأثر أسعارهما كثيراً بالتغير في سعر الصرف. وكانت أسعار الذهب والفضة قد وصلت لأعلى مستوياتها طيلة 26 عاما السنة الماضية. وفي ما يتعلق بالإيجارات تسببت موجة من العاملين الأجانب الذين اجتذبتهم الطفرة الاقتصادية، إضافة لمعدل النمو السريع بين المواطنين من السكان، إلى دفع الأسعار إلى أعلى. وحيث أن بناء مساكن جديدة استجابة لحالة النقص يستغرق وقتاً، نتوقع أن تظل مجموعة الإيجارات تشكل المصدر الرئيسي للتضخم حتى العام 2010. وعموماً لا تتأثر الإيجارات بالتغير في أسعار صرف العملات.

وبإلقاء نظرة فاحصة على مؤشر تكلفة المعيشة يتضح أن أسعار الصرف ليست هي المشكلة في هذا الصدد، حيث يحتوي المؤشر على أسعار 14 سلعة مختلفة (بصورة عامة مواد غذائية ومشروبات وأثاث) تنتج محليا ويتم استيرادها في نفس الوقت. وقد اتضح لنا أن الأسعار المحلية لست منها ارتفعت بمعدل أعلى من أسعار مثيلاتها المستوردة؛ وكان العكس صحيحا في حال ست سلع أخرى بينما كان معدل التضخم السنوي شبه متطابق في حالة سلعتين. البيانات التجارية تقلل من أثر الدولار: قيمة الواردات المسعرة بالدولار أكبر بكثير من تلك التي يتم جلبها من الولايات المتحدة، حيث أن معظم التجارة السلعية الدولية مقومة بالدولار، كما أن الأسواق الناشئة ذات العملات المتذبذبة تميل إلى تسعير صادراتها بالدولار. وارتفع نصيب الصين من الواردات بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 2002 وتحولت إلى ثالث أكبر مورد للسعودية بحصة قدرها 9 بالمائة من إجمالي الواردات عام 2006 (ضعفا قيمة حصتها منذ 4 أعوام فقط). ويعكس ذلك بروز الصين كمركز للتصنيع منخفض التكلفة، ما كان له أثر في الحفاظ على التضخم متدنياً عالمياً بما في ذلك السعودية.

إضافة لكونه ليس الأسلوب اللازم، أو الأمثل، في مكافحة التضخم، ينضوي تعديل سعر الصرف السائد على عدد من التكاليف الأخرى، نورد منها ما يلي:

خفض قيمة الإيرادات الأجنبية والاحتياطيات: من شأن رفع قيمة الريال خفض قيمة واردات النفط، إضافة لقيمة الموجودات المقومة بالدولار عند تحويلها للعملة المحلية. فإذا تم رفع قيمة الريال بواقع 20 بالمائة، على سبيل المثال، تتراجع قيمة مشتريات الدولة بالريال من إيرادات النفط بواقع 20 بالمائة. ونتوقع أن تبلغ إيرادات النفط في ميزانية الدولة 135 مليار دولار عام 2007. وبناء على سعر الصرف الحالي توفر تلك الإيرادات ما يكفي لتمويل 505 مليارات ريال (134.66 مليار دولار) من المصروفات. لكن في حال رفع قيمة الريال بواقع 20 بالمائة فإن نفس المستوى من الإيرادات يكفي لاستيفاء 404 مليارات ريال (107.7 مليار دولار) فقط من الإنفاق الحكومي. وإذا لم يتغير مستوى الإنفاق فإن الإيرادات الأقل ستؤدي لظهور فائض في الميزانية يبلغ 1.4 بالمائة فقط من الناتج الإجمالي مقارنة بتقديراتنا الحالية البالغة 9.5 بالمائة من الناتج الإجمالي.

ونتوقع أن تتراجع الفوائض في ميزانية الدولة خلال الأعوام القليلة المقبلة تمشياً مع استقرار إيرادات النفط وتواصل الزيادة في الإنفاق. ونتوقع أن تتعادل كفتا الميزانية بحلول عام 2010. لكن القضاء على كل فوائض الميزانية سيأتي في تاريخ أقرب في حالة إجراء تعديل كبير في سعر الصرف.

وإذا افترضنا، في ما يتعلق بالاحتياطيات الأجنبية، أن مؤسسة النقد تمسك بما يعادل 75 بالمائة من أرصدتها بالدولار فإن من شأن رفع قيمة الريال بما يعادل 20 بالمائة أن يؤدي إلى خسارة تعادل 36 مليار دولار (أي 10 بالمائة من الناتج الإجمالي) عندما يتم تحويل تلك الأرصدة إلى الريال.

* التأثير على القطاع الخاص وسيتعرض القطاع المصرفي أيضاً إلى متاعب في ما يتعلق بقيمة موجوداته. وقد بلغ صافي موجودات البنوك التجارية من الأرصدة الأجنبية 89.6 مليار ريال بنهاية يونيو الماضي. وبما أن البنوك تعلن عن أرباحها بالريال فإن أية أرباح من موجوداتها الأجنبية تدفع بالدولار، مثل أرباح السندات أو الصكوك، ستكون ذات قيمة أقل عند تحويلها إلى الريال.

وهناك عدد كبير آخر من الشركات وقطاعات أخرى في الاقتصاد لديها موجودات كبيرة أو إيرادات كلاهما بالدولار. وبما أن الشركات المحلية تعد قوائمها المالية بالريال فإن أية موجودات ممسوكة بالدولار أو إيرادات مُتحصلة بالدولار ستتضرر في حال الإقدام على رفع قيمة الريال. ولا نعلم أي شركة سعودية قد تستفيد من حيث قيمة موجوداتها أو دخلها لأنها تمسك حساباتها أو تعد قوائمها المالية بالدولار.

التناقض مع السياسة الرسمية: عبرت مؤسسة النقد بوضوح وباستمرار عن التزامها بسياسة سعر الصرف القائمة وأن لديها السبل الكفيلة بالدفاع عنها ضد المضاربات على الريال. وقد بلغ إجمالي الاحتياطيات الأجنبية لمؤسسة النقد 243 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، أي ما يعادل 130 بالمائة من معيار الكتلة النقدية أو عرض النقود الشامل (ن ـ 3). بعبارة أخرى، تستطيع مؤسسة النقد بسهولة شراء آخر ريال متداول في السعودية إذا ما تعرضت سياسة الربط لأي ضغوط. وإذا ما حدث وقررت مؤسسة النقد أن تعديل سعر الصرف هو الصواب نعتقد أنها ستسبق تلك الخطوة بخطة إعلامية تُهيأ فيها الأسواق والجمهور بهدوء وبالتدريج. وبما أن ذلك لم يحدث نعتقد أن موقف مؤسسة النقد هو استمرار سياسة سعر الصرف الحالية كما هي.

الإضرار بالمصداقية: إدارة توقعات السوق باتجاه سعر الصرف أمر على قدر كبير من الأهمية للقائمين على السياسات المالية، وبدون تلك المصداقية يفقد المستهلكون والشركات ثقتهم بالعملة حيث تنتابهم حالة شك حول قيمتها واتجاهاتها، وينعكس ذلك سلباً على الاستثمار وعلى الأداء الاقتصادي بمجمله. وتتمتع السعودية حالياً بنظام سعر صرف يتصف بالقوة والمصداقية. فإذا ما تم تغيير الربط فجأة عقب ما يربو على الـ 20 عاماً من دورات أسواق النفط وأسعار الصرف فإن هذه المصداقية قد تتضرر. فإذا حان وقت تدهور، بل عندما تتدهور أسعار النفط، وترتفع قوة الدولار في الأسواق العالمية، فستكون هناك توقعات قوية في السوق بخفض قيمة الريال.

تقويض القوة التنافسية للقطاع غير النفطي: من شأن رفع قيمة الريال رفع أسعار الصادرات المقومة بغير الدولار في الأسواق الأجنبية وتخفيض أسعار الواردات المقومة بغير الدولار إلى السعودية. وأثر كلا الحالتين هو تقويض تنافسية السلع المنتجة محليا. ويعتبر تنويع الاقتصاد المحلي أحد أهم أركان السياسة الاقتصادية في السعودية، وأحد أهم عناصر هذه السياسة هو تشجيع الصادرات غير النفطية. وقد شكلت الصادرات غير النفطية (البتروكيميائيات بصورة أساسية) في 2006 ما يعادل 12 بالمائة من إجمالي الصادرات. ومن المؤكد أن يختل نمو الصادرات غير النفطية في حال رفع قيمة الريال بصورة كبيرة تؤدي إلى زيادة تكلفة الاستيراد على المشترين الأجانب.

في ما يتعلق بالواردات، كنا قد توقعنا سلفاً نموها بصورة حادة خلال الأعوام القليلة المقبلة عندما يدخل العمل في المشاريع الاقتصادية العملاقة مرحلة التنفيذ وتتحسن الثقة بالاقتصاد بصورة عامة. ومن شأن رفع قيمة الريال زيادة تدفق الصادرات. ونتوقع أن يتراجع الفائض في الحساب الجاري بصورة مضطردة على مدى الأعوام القليلة المقبلة من 95 مليار دولار العام الماضي إلى 37 مليار دولار عام 2010. كما نرجح أن يتسارع معدل التناقص في فائض الحساب الجاري في حال رفع قيمة الريال حيث تصبح الواردات أقل تكلفة وترتفع تكلفة الصادرات. ارتفاع درجة التذبذب: تركز أسواق العملات انتباهها على السعودية من وقت لآخر كمرشح محتمل لتذبذب أسعار الصرف بسبب اعتماد المملكة على صناعة النفط التي تتعرض بدورها لدورات حادة من الصعود والهبوط والتذبذب في الأسعار. وقد دافع القائمون على صناعة القرار في السعودية ضد محاولات المضاربة تلك من خلال الاحتفاظ برصيد ضخم من الاحتياطيات بالدولار والثبات على موقف الدفاع عن سياسة ربط سعر الصرف. ومن الأسباب الرئيسية لعدم تأهُل الريال بعد للتعويم الكامل في أسواق العملات أن ذلك إذا تم فقد يؤدي لحركة الريال في نفس اتجاه أسعار النفط العالمية التي تتصف بالتذبذب المرتفع. مثال ذلك تراجع أسعار النفط من 78 دولارا للبرميل إلى 52 دولارا للبرميل، أي هبوط قدره 33 بالمائة على مدى أشهر معدودة العام الماضي، ثم ارتدادها إلى 77 دولارا للبرميل منذ تلك الفترة بارتفاع نسبته 48 بالمائة. ونتيجة لمثل هذا التذبذب في أسواق النفط، والشعور في الخارج بأنه يتوجب أن يحدد النفط قيمة الريال في سوق العملات، فإن أي تغير في سياسة الربط تتوجب إدارته بتأنٍ وعناية من أجل احتواء إمكانية التذبذب الحاد. وقد طُرحت العديد من الحجج الاقتصادية لتبرير تعديل نظام سعر الصرف اشتملت على التالي:

ـ العملة الخليجية الموحدة: هناك خطط لتوحيد العملة الخليجية بحلول عام 2010. ورغم أن الإعداد لتلك المرحلة اصطدم بعدد من العقبات أخيرا لكن لم يتم المساس بالجدول الزمني. وحيث أن السعودية سيتوجب عليها تعديل سعر صرفها بصورة نهائية عند الانضمام إلى مشروع العملة الموحدة (على الأقل مع العملات الخليجية الأخرى أو مع الدولار أو سلة من العملات) فإن هناك تخمينات بأن تعديل سعر صرف الريال السعودي قادم في الطريق.

* الخيارات السياسية بالنظر إلى كافة الحجج المؤيدة، وتلك التي تعارض تعديل سعر الصرف، نعتقد أن أفضل خيار في الوقت الراهن هو عدم فعل أي شيء. لكن من الطبيعي أن يأتي يوم يكون فيه القرار الصائب بالنسبة للسعودية هو التخلي عن الربط مع الدولار. أما السببان الرئيسيان للجوء لذلك الخيار فهما، أولاً: أن يكون الاقتصاد قد تنوع بدرجة كبيرة تبعده عن نفوذ الدولار، وثانياً: أن الدولة تحتاج أدوات مستقلة لتحديد سعر الفائدة وذلك عندما ترتفع مديونية الشركات والأفراد بأعلى مما هي عليه. لكن لا نتوقع حدوث أي من تلك الشروط الأساسية لعدد من السنين، حيث أن تنويع الاقتصاد يعتبر عملية متدرجة ومن المرجح أن يظل سوق النفط مُقوما بالدولار لسنوات عديدة قادمة. قلما يتم التطرق إلى حاجة السوق للاستقلالية في تحديد أسعار الفائدة في نهاية المطاف، حيث أن سياسة الربط الحالية لا توفر لمؤسسة النقد المرونة الكافية في تحديد أسعار الفائدة خارج نطاق تلك التي يحددها البنك المركزي الأميركي، فإذا سمحت مؤسسة النقد لأسعار الفائدة بالانحراف عن الفائدة الأميركية نجد أن سماسرة أسواق العملات يقفزون مباشرة لاستغلال فرصة المراجحة الناشئة (فرصة لتحقيق أرباح بدون تحمل مخاطر بالاتجار في فروق أسعار الصرف) التي تنتج عن هذا الوضع، وبالتالي تعيد آلية السوق أسعار الفائدة إلى النطاق الذي يتمشى تقريبا مع أسعار الفائدة الأميركية. تمثل المقدرة على تحديد أسعار الفائدة الأساسية باستقلالية إحدى أهم أدوات السياسة النقدية في احتواء التضخم في الدول النامية. لكن، ولكي تأتي هذه السياسة بنتائج، لا بد أن يكون مستوى المديونية على الشركات والأفراد من الضخامة بحيث يمكن التحكم في عاداتهم الاستهلاكية والاقتراضية من خلال تعديل أسعار الفائدة. السعودية لم تصل إلى هذه المرحلة بعد، حيث أن مديونية الشركات والأفراد كنسبة من الناتج الإجمالي تقل كثيراً عن مثيلتها في الدول النامية. مثال ذلك تبلغ مديونية الأفراد في المملكة حوالي 12 بالمائة من الناتج الإجمالي بينما تبلغ في الولايات المتحدة 100 بالمائة من الناتج الإجمالي. ويبلغ إجمالي المديونية في السعودية 37 بالمائة فقط من الناتج الإجمالي. ومن شأن تعديل سعر الصرف في الولايات المتحدة أن ينعكس مباشرة على مستوى السيولة في الاقتصاد وعلى سلوك المستهلك. لكن الوضع في السعودية ليس على هذا المنوال بعد. لذا حتى وإن احتفظت السعودية بحرية كاملة في تحديد أسعار الفائدة الأساسية فلن يكون ذلك أداة مؤثرة على الإطلاق في السيطرة على التضخم. إضافة، وكما تطرقنا سابقا، فإن أسباب الضغوط التضخمية الحالية تعود إلى الاختناقات المحلية خصوصا في مجال العقار ولا علاقة لها بالسيولة. وعندما يحين الوقت للتخلي عن سياسة الربط مع الدولار ستتوفر لمؤسسة النقد الحرية في تعديل أسعار الفائدة حسبما تراه لائقاً بالنسبة للأوضاع الاقتصادية المحلية. ركزنا في هذا التقرير على أنه ليست هناك حجة اقتصادية مقنعة لإجراء تعديل في سعر صرف الريال. لكننا لا نستطيع استبعاد هذا الاحتمال كلية حيث يحتمل اللجوء لتعديل سعر الصرف لأسباب اجتماعية، كوسيلة لتوزيع الثروة الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط على المواطنين على وجه التحديد. وباعتبار أن معظم السلع الاستهلاكية (مثل السيارات والأجهزة الكهربائية) يتم استيرادها فإن من شأن رفع قيمة الريال تحقيق وفورات هائلة بالنسبة للمواطنين. وكانت الفكرة قد طرحت للمرة الأولى العام الماضي خلال فترة انهيار سوق الأسهم المحلي، والآن يضيف التضخم المرتفع زخماً إلى حجة الدعاة إلى التغيير.

أحد البدائل الأخرى هو ربط الريال مع سلة من العملات المرجحة تجارياً، بحيث يتحرك الريال بالتجانس مع عملات الشركاء التجاريين الرئيسيين، ما يؤدي للحد من مستوى التضخم المستورد ويوفر حيزاً لتحديد أسعار الفائدة بصورة مستقلة. وهذا هو الأسلوب الذي لجأت إليه الكويت التي تخلت في مايو الماضي عن سياسة الربط مع الدولار بعد أربعة أعوام واعتمدت أسلوب إدارة عملتها مقابل سلة عملات مرجحة تجارياً (يشكل الدولار وزناً كبيراً منها). لكن مساوئ هذا الأسلوب أن لا الأسواق ولا الجمهور يستوعبون بسهولة فكرة الربط مع سلة عملات، هذا عدا أن الكويت لم تكشف عن ماهية العملات ضمن سلتها أو الأوزان الترجيحية لها، ما يخفض من مستوى شفافية النظام وكفاءة الأسواق في فهم العملة والاتجار عليها. وقد لجأ البنك المركزي الكويتي إلى رفع قيمة الدينار 5 مرات منذ منتصف يوليو وخفضها 7 مرات حسب تحركات الدولار خلال تلك الفترة. ولا نعتقد أن الاقتصاد السعودي سيجني أي فائدة من اقتحام مثل هذا النوع من عدم الاستقرار والتذبذب.

إن تعويم العملة بحرية كاملة هو الهدف المنشود في النهاية من الناحية النظرية، حيث تتحدد أسعار صرف العملات مقابل بعضها البعض باستقلالية من خلال آلية السوق. لكن باعتبار علاقة الاقتصاد السعودي مع أسواق النفط والتذبذب، الذي هو صفة ملازمة لها، لا نعتقد أن ذلك سيكون عملياً أو إيجابياً على النمو الاقتصادي على المدى البعيد. ويتلخص رأينا في أن معدل سعر الصرف الحالي وآلياته تعمل بصورة جيدة في صالح السعودية في الوقت الراهن، لذا من الأفضل تركها في شأنها.