سوق الخادمات ينتعش في كردستان العراق وسط تكاثر العمالة الأجنبية

في ظاهرة غريبة وجديدة على الإقليم

TT

يؤكد خبراء الاقتصاد، وكذلك مشاهد الحياة اليومية، ان العراق يعاني من بطالة معلنة واخرى مقنعة، علاوة على التضخم الاقتصادي الذي يثقل كاهل الحكومة والمواطن في آن معا. وبالرغم من تفشي البطالة في كل أرجاء العراق بما فيها اقليم كردستان الذي يشهد استقرارا امنيا ملموسا ونموا في القطاع الاقتصادي، وبالرغم من توفر الأيدي العاملة المحلية في معظم مجالات العمل، إلا أن شركات أهلية متخصصة في استيراد الأيدي العاملة الأجنبية برزت أخيرا ونشطت بسرعة فائقة بل وغدت ظاهرة شائعة في محافظات الإقليم الشمالية، وتحديدا في محافظة السليمانية التي تعتبر العاصمة الاقتصادية للإقليم. شركة «أيفل» الأهلية التي يملكها رجل الأعمال الكردي فخر الدين محمد علي والتي تأسست مطلع شهر يوليو (تموز) الماضي في مدينة السليمانية نجحت خلال فترة وجيزة جدا في إثبات وجودها، واحتلال موطئ قدم واضح لها في سوق العمل، في مجال استيراد الأيدي العاملة الأجنبية وخصوصا الفتيات دون سن الثلاثين، وذلك من عدة دول أفريقية وآسيوية بالتعاون مع شركات مماثلة في عدد من دول الخليج العربية، وتشغيلهن في البيوت والمحال التجارية وصالات التجميل والمطاعم والفنادق وغيرها من المجالات وبرواتب شهرية متفاوتة تتراوح بين 150 ـ 500 دولار، حسب نمط العمل وخبرة العاملة المستوردة. مدير شركة «أيفل» شرح لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل وطبيعة عمل شركته قائلا: «إن استيراد الأيدي العاملة الأجنبية للعمل في إقليم كردستان تجربة حديثة، وغريبة بعض الشيء على المجتمع الكردي، الذي لم يألف في السابق تشغيل الأيدي العاملة المستوردة، لا سيما النساء» وأضاف أن شركته مرتبطة بفروع لشركات مماثلة في عدد من العواصم الخليجية وعمّان، وتتخصص في استيراد الخادمات، من دول عديدة مثل إندونيسيا والفلبين وتايلاند وإثيوبيا وبنغلاديش والهند وغيرها، وذلك حسب حاجة الشركة أو بناء على طلبات خاصة من العائلات والأسر الثرية التي تحتاج إلى خادمات أو المحال التجارية والمطاعم والفنادق الراقية التي تحتاج الى عاملات بمواصفات معينة، موضحا أن الشركة تتكفل بكل نفقات استيراد العاملات، التي تتراوح بين (2000 ـ 2500) دولار لكل عاملة، وهي نفقات تشمل أجور النقل واستحصال تأشيرات الدخول (الفيزا)، والمبيت وغيرها، إضافة إلى نفقات إقامة العاملات، لحين إيجاد فرص العمل لهن. وفيما يخص طبيعة تشغيل تلك العاملات، قال الحاج محمد علي إن رب العمل يتكفل بكل المصاريف المذكورة، مضافة اليها استحقاقات الشركة والتي تصل الى 2800 دولار عن كل عاملة، فور إبرام العقد القانوني لتشغيل عاملة او اكثر، مع التعهد بصرف راتبها الشهري في موعده، وتحمل نفقات الملبس والمأكل والمبيت والرعاية الصحية، وتكاليف الاتصال الهاتفي الشهري بذويها، والمحافظة على سلامتها وسمعتها وكامل حقوقها الأخرى المنصوص عليها في العقد، الذي يعطي الطرفين حق فسخ العقد في حال تعذر الانسجام بينهما، ويسمح لرب العمل استبدال العاملة بآخرى في تلك الحالة.

وأكد مدير شركة «أيفل» أن آفاق استيراد الأيدي العاملة في إقليم كردستان رحبة جدا، لأن الإقليم بحاجة ماسة الى مثل هذه الأيدي العاملة التي تتسم بالرخص والكفاءة في العمل، لا سيما أن المنطقة مقبلة على مشاريع اقتصادية كبيرة، مضيفا أن شركته تبرم في الشهر نحو عشرة عقود لتشغيل العاملات في مختلف مجالات العمل.

وروى أن أحد أرباب العمل طلب خادمة للعمل في منزله، كونه وزوجته منشغلين بإدارة سوق تجارية كبيرة تقع في الجهة المحاذية لمقر الشركة، وبعد أسبوع من إبرام العقد القانوني عادت الشغالة الإندونيسية إلى مقر الشركة، وهي تشكو من محاولة رب البيت الاعتداء الجنسي عليها، وقال إن شركته تولت تقديم شكوى قانونية ضد الشخص المذكور فتم تغريمه بمبلغ يعادل راتب الشغالة ومصاريفها لستة أشهر حسب بنود العقد التي تنص أيضا على استحصال رب العمل لشهادة طبية تثبت سلامة العاملة صحيا بعد انتهاء فترة عملها لديه.

العاملة الإندونيسية روزانا بنت باكي، 33 عاما، تحدثت بلغة عربية ركيكة، تعلمتها أثناء عملها ببعض دول الخليج العربية، قالت انها تعمل في مجال خدمة البيوت منذ عشر سنوات، وأنها فضلت المجيء الى كردستان العراق اعتقادا منها بأن فرص العمل في ذلك المجال متوفرة أكثر من أي بلد آخر. اما العاملة الإثيوبية وينشت زودة، 23 عاما، فقد قالت إنها تعيل عائلة من خمسة أفراد، وأنها اختارت المجيء الى كردستان بمحض إرادتها وتطمح في الحصول على فرصة عمل مناسبة في أحدى الأسواق التجارية، أو في بيت أحد الأثرياء. وفي الشأن ذاته، نقلت شركة أجنبية مائة وخمسين عاملا بنغالياً الى السليمانية قبل ثلاثة اشهر للعمل كمنظفين لدى بلدية المدينة. وقال المهندس رزكار احمد حسين، مسؤول قسم الخدمات في البلدية، لـ«الشرق الأوسط» ان استيراد العمال البنغاليين للعمل كمنظفين جرى بموجب عقد مع شركة أجنبية، ولمدة ستة اشهر اعتبارا من اول يونيو (حزيران) وحتى نهاية العام الجاري، كتجربة غير مسبوقة من قبل البلدية، ولاختبار مدى النجاح الذي يمكن تحقيقه في هذا المجال، لا سيما بعد أن عجزت البلدية عن الحصول على حاجتها من الأيدي العاملة المحلية التي تأبى العمل في هذا المجال، بالرغم من الأجور العالية التي تدفعها والتي تبلغ 400 الف دينار عراقي، أي ما يعادل 320 دولارا، في حين يتقاضى العامل البنغالي المستورد 150 دولارا فقط، ويؤدي العمل المطلوب على نحو ممتاز، وتتكفل الشركة المتعهدة بكل نفقات مبيت ومأكل العمال البنغاليين العاملين حاليا والبالغ عددهم 150 عاملا، موضحا أن نجاح هذه التجربة سيحض البلدية على استيراد المزيد من العمال لمختلف المجالات، خصوصا أنها لا تتحمل مطلقا أي مسؤوليات قانونية حيال هؤلاء العمال بخلاف الأيدي العاملة المحلية. استطلعنا رأي العامل البنغالي شهلوم ميا اسماعيل، 38 عاماً، أثناء العمل في أحد شوارع السليمانية، وهو من أهالي عاصمة بنغلاديش ـ دكا، فقال «أعمل في السليمانية، منذ ثلاثة أشهر، وأتقاضى شهريا 150 دولارا فقط، وهو مبلغ ضئيل جدا لا يكفي تغطية نفقات عائلتي المؤلفة من زوجتي وابني بالإضافة إلى والدي المسنين». أما العامل بابو حسين، 26 عاماُ، وهو من أهالي دكا أيضا، فقد شكا من سوء الاوضاع من حيث المبيت والمأكل، وقال بلغة عربية ركيكة، إن الشركة التي جاءت بهم الى السليمانية تعهدت بدفع 300 دولار لكل عامل شهريا، ولكنها تدفع الآن 150 دلارا فقط دون اي تدخل من جانب الحكومة المحلية. أما خليل ابراهيم، 25 عاماً، وهو طالب في كلية التأريخ بجامعة دكا، ويعمل مشرفا على 50 عاملا بنغاليا في السليمانية، فقد تحدث بلغة إنكليزية ركيكة عن أوضاع العمال التي وصفها بالمأساوية والصعبة، قائلا: «كنا نتقاضى من عملنا في دبي 250 دولارا في الشهر، لكن المتعهد الحالي لفرع الشركة، هنا في السليمانية، دعانا إلى العمل في إقليم كردستان، مقابل 300 دولار، لكنه نكث بوعوده لنا، بمجرد وصولنا الى السليمانية وصار لا يدفع سوى نصف المبلغ الذي اتفقنا عليه» لكنه اكد ان اوضاع العمال من حيث المأكل المكل والمبيت جيدة، واضاف ان معظم العمال لن يجددوا عقود عملهم مع الشركة المذكورة لو بقيت الاجور على حالها.