بريطانيا: الحاجة تزداد لإعادة النظر في أنظمة الإقراض العقاري بعد الأزمة الأميركية

إسترداد المؤسسات المالية للمساكن ارتفع بنسبة 30% عن العام الماضي

الحكومة البريطانية ستتخذ خطوات جديدة لحماية السوق العقاري من الإنهيار («الشرق الاوسط»)
TT

كانت سوزان ويتكر تشعر باليأس. فقبل 4 سنوات اشترت اول شقة لها في بلدة روتشستر، التي تبعد اقل من ساعتين عن لندن. كان سعر الفائدة قد بدأ في الارتفاع آنذاك، ولم يعد دخلها من المحل الذي تديره مع شريكها يكفي لتغطية اقساط القرض ذي الفائدة المتغايرة. وخوفا من استرداد الشركة المقرضة للمنزل لجأت لترتيبات تزداد شعبية هنا معروفة باسم «البيع والاستئجار مرة اخرى».

ويعمل هذا النظام كما يلي: تشتري شركة خاصة منزلها وتسمح لها بتجنب الاستيلاء على البيت، ثم تؤجر الشركة المنزل لها ولشريكها وبالتالي لا يضطران الى الانتقال.

والنقطة التي يجب الانتباه اليها ان الشركة دفعت لهما ثمنا اقل من قيمة الشقة في السوق.

ومثل هذه المعاملات ليست مألوفة في الولايات المتحدة، ويقول سماسرة القروض شراء المساكن انهم لا يشجعون مثل هذه المعاملات بسبب امكانية استغلال المقرضين غير الامناء اصحاب البيوت الذين يمرون بظروف صعبة.

الا ان الظروف الصعبة تحتاج الى اجراءات صعبة. ففي الوقت الذي يخشى فيه الاميركيون انتشار وباء استيلاء المقرضين على المساكن، بسبب انهيار سوق الاقراض للاشخاص الذين لا يتمتعون بوضع مالي جيد، فإن بريطانيا تعاني من مثل ذلك الوباء.

فإسترداد المؤسسات المقرضة للمساكن وصل الى اعلى رقم له منذ 8 سنوات، فقد استردوا 14 الف مسكن في عام 2007، بزيادة قدرها 30 في المائة عن العام الماضي، طبقا لمجلس مقرضي قروض الاسكان. كما يوجد 125 الف بيت متأخر في دفع اقساط القرض.

كما ان حالات الافلاس الشخصية وصلت الى اعلى درجة لها، بسب زيادة انهيارات قروض الاسكان. وقد وصل الموقف الى درجة صعبة ـ مثل التهديدات باستغلال اصحاب المنازل ـ مما دفع حكومة رئيس الوزراء الجديد غوردون براون الى محاولة تغيير اساسيات نظام الاقراض الاسكاني.

هل ستنجح الحكومة؟ سؤال مفتوح، ولا سيما اهتمام البريطانيين بملكية المساكن، والقروض الاسكانية ذات سعر الفائدة المتغاير والقروض الشخصية. وتجدر الاشارة الى ان المستهلك البريطاني هو اكثر شخص مواطن مدين في مجموعة الدول السبع، وبرامج التلفزيون الخاصة بالعقارات وتقديم النصائح فيما يتعلق بالديون هي من بين اكثر البرامج شعبية في البلاد.

وتوضح فرانسيس ووكر من خدمة استشارات ديون المستهلك «نعيش في مجتمع نشجع فيه الناس على الاقتراض، وهناك الكثير من الضغوط لدخول عالم ملكية المساكن، الذي اثبت انه استثمار جيد بالنسبة للبعض».

وفي الوقت الراهن يحصل 5 في المائة فقط من مشتري المساكن في بريطانيا على قرض اسكاني بسعر فائدة ثابت. والامر الاعتيادي هنا هو الحصول على قرض اسكاني بسعر فائدة ثابت للعامين الاولين، ثم الحصول على قرض بسعر فائدة متغاير باقي الفترة.

ولكن سعر الفائدة على القروض المتغير ارتفع ارتفاعا كبيرا مع رفع مصرف انجلترا سعر الفائدة الاساسية ـ خمس مرات في 12 شهرا بحيث وصل الى 5.57 في المائة وهو اعلى سعر فائدة منذ عام 2001.

واضف الى ذلك ارتفاع تكلفة الاشياء الضرورية، مثل الطعام والمنافع، فيجد المستهلك البريطاني نفسه محاصرا. ويقول خبراء الاقراض هنا ان ذلك هو السبب وراء لجوء مزيد من اصحاب البيوت هنا الى بيع بيوتهم وإعادة استئجارها. وقد اثار انتشار هذا السوق غير الخاضع للتنظيم قلق المشرعين لخوفهم من ان اصحاب البيوت يبيعون بيوتهم بقيمة تصل الى 75 في المائة فقط من قيمة السوق، بدون ضمانات بالسماح لهم بالبقاء في تلك البيوت بعد 6 اشهر وهو الحد الادنى لفترة الاستئجار.

ويحاول المشرعون الآن اكتشاف طريقة لتشجيع المزيد من اصحاب البيوت للحصول على قروض بإسعار فائدة ثابتة، الا ان ذلك لن يساعد هؤلاء الذين يوجهون استرداد المقرضين على بيوتهم، او منع تهديدات القروض ذات اسعار الفائدة الباهظة.

واذا كانت هناك نقطة جيدة في بريطانيا فهي انها، على العكس من الولايات المتحدة، لا تزال اسعار البيوت ترتفع، بعد زيادتها ثلاث مرات منذ عام 1997. فزيادة اسعار الفائدة الاخيرة لم تؤد الى وقف الزيادة. وفي الواقع فإن اتحاد الاسكان الوطني تكهن بارتفاع اسعار الفائدة بنسبة 40 في المائة في الخمس سنوات القادمة، مما يرفع متوسط سعر البيوت، التي تكلف 11 مرة متوسط الاجر السنوي في بريطانيا الى 302400 جنيه استرليني.

وما دامت اسعار البيوت ترتفع يمكن لأصحاب البيوت الذين يتعرضون لمشاكل بيع بيوتهم والحصول على مبلغ كاف لدفع القرض ـ نظريا. وفي الواقع فإن بيع العقار هنا يمكن ان يستغرق عدة اشهر، وهو ما يعني ان العديد من اصحاب البيوت سيواجهون استرداد شركات الاقراض للبيوت قبل الانتهاء من البيع.

كما ان ارتفاع اسعار البيوت يمكن ان يحول دون شراء بعض الاشخاص لعقارات، ولكن البعض الآخر سيحصل على قرض اسكاني اكبر. والجدير بالذكر ان شراء بيوت متأصل في الشخصية البريطانية لدرجة ان معظم المستهلكين يفضلون الحصول على قرض اضافي بدلا من الاستئجار، حتى اذا لم يتمكنوا من رده.

وقد حذر بعض المستشارين في مجال الاقراض من ان زيادة الطلب على القروض يمكن ان يؤدي الى زيادة في التساهل في منح القروض ودفع مزيد من الناس لإعلان افلاسهم، وهو الامر الذي يمكن ان يؤدي بالاضرار بنفقات المستهلكين ويتسبب في ابطاء النمو الاقتصادي.

وقد دفع ذلك حكومة براون الجديدة الى التقدم بمبادرتين تهدف الى التأكد من ان سوق الاسكان البريطاني المزدهر لن ينهار. وتهدف تلك الاجراءات الى بناء 240 الف بيت سنويا بحلول عام 2016 لطرح بيوت ذات اسعار يسهل الحصول عليها وتشجيع المقرضين على تقديم قروض بأسعار فائدة ثابتة لمدة 25 سنة. ويقدر خبراء قروض الاسكان ان مليوني قرض اسكاني ستدفع سعر فائدة اعلى في الـ18 شهرا القادمة. وقروض الاسكان ذات سعر الفائدة الثابت تحد من مخاطر زيادة اسعار الفائدة، الا ان التفكير قصير المدى بين المقترضين البريطانيين والافتقار الي سوق سندات يغطى تلك القروض في بريطانيا منع قروض الاسكان ذات سعر الفائدة الثابت من الانتشار هنا. وسوق القروض الاسكانية في الولايات المتحدة يمول عبر اسواق رأس المال ـ وهي السبب وراء بعض المشاكل التي يعاني منها السوق الان ـ الا ان سوق القروض الاسكانية في بريطانيا فهو سوق يمول عبر ودائع الادخار في المصارف. ويدرس الستر دارلينغ وزير الخزانة البريطاني، عدة خطط لخلق اطار قانوني للسماح للمصارف وغيرها من المقرضين بإصدار سندات تغطية، وجعلها جذابة للمستهلك، لكي تساعد المقرضين على خلق رأسمال يمول قروض الاسكان ذات سعر الفائدة الثابت على المدى الطويل.

الا ان هذه المهمة يمكن ان تصبح اكثر صعوبة الآن اذا ما وضعنا في الاعتبار مشاكل سوق القروض العقارية في الولايات المتحدة. لقد ادى تحرير سوق العقارات في بريطانيا في الثمانينات في عهد مارغريت ثاتشر الى ازالة بعض القيود، كما يعترف المقرضون الذين يقدمون القروض الاسكانية بإسعار فائدة تنافسية على المدى القصير. وضعفت شعبية قروض الاسكان ذات سعر الفائدة الثابت في التسعينات عندما وصلت سعر الفائدة الى 15 في المائة.

وفي مارس (آذار) اصبح «ناشونوايد» وهو ثالث اكبر مقدم للقروض الاسكانية في بريطانيا بعد «اتش بي او اس» و«آبي»، اول شركة كبرى تقدم قرضا اسكانيا بسعر فائدة ثابت لمدة 25 سنة. وقال ستورت برناو المدير التنفيذي لناشون «اذا ما اصبح ذلك جذابا، فالوقت قد حان الآن.

الا ان بعض المحللين يبقون متشككين. فقد اوضح جيمس كوتون مستشار شؤون القروض الاسكانية في مؤسسة «لندن اند كونتري» للقروض الاسكانية «الناس لا يشعرون بالراحة وهم يقيدون انفسهم لتلك الفترة الطويلة، ويتجنبونه بسبب العقوبات» الخاصة بالدفع قبل انتهاء المدة. الا ان الحكومة لا يمكنها اقناع البريطانيين بتغيير عاداتهم في الاقراض. ويحذر الخبراء من ان البلاد تواجه ازمتها الخاصة فيما يتعلق بالقروض المقدمة للاشخاص الذين لا يتمتعون بسمعة طيبة، حيث يجد المستهلكون الذين لديهم مشاكل مسبقة تتعلق بالقروض ان الشركات المتخصصة في هذا المجال هي الوحيدة التي على استعداد للعمل معهم.

* خدمة «نيويورك تايمز»