صناديق الاستثمار السيادية تثير مخاوف الدول الغربية

وسط مساع صينية وروسية وعربية لتملك شركات أجنبية

بلغ حجم الأصول المالية، التي تملكها الصناديق الاستثمارية السيادية نحو 2.6 تريليون دولار («الشرق الأوسط»)
TT

تثير الصناديق الاستثمارية الحكومية، التي تتمتع بسيولة وفيرة، قلق الساسة الأميركيين بدرجة تدفعهم للسعي لضمان عدم سيطرة الأجانب على شركات ذات أهمية للامن القومي.

ووفقا للبيانات التي أوردتها مؤسسة «مورغان ستانلي» العالمية، فقد بلغ حجم الأصول المالية التي تملكها الصناديق الاستثمارية السيادية أو الحكومية (SWF). مع نهاية شهر مارس (آذار) 2007 نحو 2.6 تريليون دولار. وتعتبر أصول هيئة الاستثمار في ابوظبي (ADIA) الأكبر في العالم حيث وصل حجمها إلى 875 مليار دولار، يليها في الترتيب صندوق سنغافورة (GIC)، في حين تبلغ الاستثمارات في عدة صناديق سعودية نحو 300 مليار دولار.

وتنبغي الإشارة هنا إلى ان الصناديق التابعة لكل من ابوظبي والسعودية والكويت تملك تقريبا نصف أصول الصناديق الحكومية في العالم، وهنا يتوقع ستيفن جين رئيس قسم أبحاث العملات عالميا في «مورغان ستانلي» والذي يعمل في لندن ان يرتفع حجم أصول تلك الصناديق إلى 12 تريليون دولار تقريبا بحلول عام 2015، وهو ما يعادل حجم الاقتصاد الأميركي في الوقت الراهن، مؤكدا ان حركتها ستسبب إشكاليات عديدة للاقتصاد العالمي. ويتابع جين قائلا: «اعتقد ان الصناديق الاستثمارية الحكومية، ستصبح ضخمة بحجمها، وبالتالي سيكون لها تأثير أو مضاعفات قوية على الأسواق المالية العالمية.. أنا اشعر بقلق متزايد حول العولمة المالية وتفاعلات تلك الصناديق معها أو في ردود فعلها». ولعل وجهة نظر جين ليست وحيدة في هذا الجانب، فقد حذر صندوق النقد الدولي أخيرا من نشاط صناديق الاستثمار السيادية وقال «إنها تدعو للقلق». وقال سيمون جونسون كبير الاقتصاديين في الصندوق «ان الصندوق لا يشعر بارتياح وتتصاعد لديه مشاعر القلق، مما يسمى بصناديق الاستثمار السيادية».

وفي هذا السياق طلب مجلس الوزراء الألماني طلب من الوزارات المعنية تقييم امكانية فرض قواعد جديدة تحمي الشركات المحلية من استحواذ مستثمرين أجانب عليها.

وتدرس الحكومة الألمانية سبل حماية الشركات المحلية من صناديق مفعمة بالسيولة، تملكها حكومات أجنبية خاصة من الصين وروسيا والشرق الأوسط، تتطلع بشكل متزايد لعمليات استحواذ. وتعتزم وضع مسودة قانون بحلول نهاية هذا العام.

وقد تم تكليف وزارتي الاقتصاد والمالية ببحث امكانية تطبيق اجراءات جديدة بما في ذلك فرض حدود مالية والزام الشركات الأجنبية بالكشف عن نواياها مسبقا. ووافق مجلس الوزراء الألماني على هذه الخطوة في اجتماع خاص استمر يومين في ميزيبرج قرب برلين بمناسبة بداية النصف الثاني من فترة حكم الائتلاف الحاكم التي تستمر أربع سنوات.

وقالت مصادر حكومية انه يجري بحث عدة مقترحات منها امكانية تأسيس صندوق لامتلاك أصول في شركات محلية.

ومن المقترحات كذلك مد نطاق قانون قائم يحدد قطاع الصناعات الدفاعية فقط باعتباره قطاعا استراتيجيا. ويقول بعض الساسة ان من القطاعات التي تحتاج للحماية البنية الأساسية والطاقة والاتصالات.

واقترح اثنان من أعضاء حزب المستشارة انجيلا ميركل طرح حق الاعتراض (الفيتو).

وقال رونالد وبفالا ورونالد كوخ في بيان «إذا كانت الدوافع السياسية تلعب دورا في استثمارات صناديق حكومية أجنبية وتظل الاعتبارات الاقتصادية ثانوية فإنه يتعين علينا دراسة (احتمال) طرح حق الاعتراض». وأثار هذا الجدل في المانيا مخاوف بين المستثمرين من اتباع سياسات حماية جديدة.

وتشهد الشركات الأميركية بالفعل اقبالا هائلا على تملك حصص فيها من جانب صناديق الثروات السيادية التي تتعامل في سيولة تبلغ حوالي تريليوني دولار من احتياطيات البنوك المركزية.

والهدف الذي تضعه الصناديق الاستثمارية نصب أعينها هو تحقيق عائدات أكبر.

لكن المشرعين الامريكيين يخشون أن تستخدم الصناديق نفوذها للفوز بموطئ قدم في صناعات رئيسية.

وهناك بالفعل مسودة تشريع يبحثها الكونغرس الأميركي تستهدف الصين بشأن ما يقول المشرعون انها ميزة تجارية غير عادلة تتمتع بها بكين بفضل اليوان المقوم بأقل من قيمته الواقعية والذي يجعل البضائع الصينية أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية.

ومع تكدس أموال كثيرة في صناديق حكومية تمتد من السعودية الى سنغافورة فقد ينشأ نوع أكثر تعقيدا من سيسات الحماية المالية يستهدف حماية قطاعات معينة من النفوذ الأجنبي.

وهنا يقول دونالد سترازهايم نائب رئيس شركة روث كابيتال في لوس انجليس «سيصبح الأمر مصدر قلق وقضية حقيقية. والسبب في ذلك هو أن الأرقام كبيرة للغاية، وخاصة في حالة الصين».

وفي مايو (أيار) اشترى صندوق تشاينيز ولث الصيني الجديد، حصة تبلغ عشرة في المائة وتقدر قيمتها بواقع ثلاثة مليارات دولار في مؤسسة بلاكستون غروب للاستثمارات الخاصة، مما دفع أحد المشرعين الأميركيين الى المطالبة علنا بإجراء تحقيق اتحادي في عواقب هذه الصفقة على الأمن القومي.

وتملك بلاكستون حصصا في كثير من شركات التكنولوجيا المتطورة. وأشار السناتور الاميركي جيم ويب الى وثائق تظهر أن بلاكستون تملك حصصا في شركات عسكرية وشركات متخصصة في تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية، وهي أصول يقول ويب انها يجب ألا تقع في أيدي الصين.

ولاحظ سترازهايم أن الصفقة لا تمثل سوى ما قيمته ثلاثة أيام من السيولة النقدية في خزانة الاحتياطيات الرئيسية الصينية، التي يبلغ حجمها أكثر من تريليون دولار.

وتوقع أن تضاعف الصين عمليات التملك الخارجية التي تقوم بها خلال السنوات القليلة المقبلة الى 50 مليار دولار في عام 2008 من حوالي 25 مليارا هذا العام، ثم الى 100 مليار دولار في عام 2009. وبلغ متوسط عمليات التملك والاندماج الخارجية التي قام بها العالم النامي 81 مليار دولار سنويا في الفترة بين عامي 1996 و2005.

وفي حين استحوذ الفائض التجاري الصيني المتزايد على معظم الاهتمام في الآونة الأخيرة، فإن أكبر مصدر لأموال صناديق الثروات السيادية، هو حقول نفط الشرق الاوسط.

وكشفت خدمة ار.جي.اي مونيتور أن أصول الصناديق الحكومية التي تديرها دول مصدرة للنفط تصل الى خمس احتياطيات البنوك المركزية العالمية البالغة 5.3 تريليون دولار.

ومثل الصندوق الحكومي الصيني اجرت هيئة أبوظبي للاستثمار، وهي ربما أكبر صندوق استثماري سيادي في العالم محادثات لتملك حصة أقلية في صندوق امريكي للاستثمارات الخاصة.

ولم تكن الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي ثارت فيها المخاوف فقد توقف وزراء المالية الأوروبيون ايضا عند تنامي نفوذ الصناديق السيادية.

وقال الائتلاف الحاكم في المانيا الشهر الماضي، انه يتوقع وضع مسودة قانون هذا العام لحماية شركات ألمانية معينة من عمليات التملك الأجنبي. وتضغط الخزانة الأميركية على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإصدار قائمة بأفضل الممارسات التجارية لصناديق الاستثمار السيادية.

وفي الأسبوع الماضي وتحت ضغط من مشاعر الحماية التجارية في الكونغرس الأميركي وقع الرئيس جورج بوش على مشروع قانون يعزز اجراءات الفحص والتدقيق في عمليات التملك الأجنبية في شركات أميركية.

ويلزم القانون لجنة الاستثمار الاجنبي في الولايات المتحدة المكلفة تحديد ما اذا كانت عمليات التملك الأجنبية ستضر بالأمن القومي الأميركي بتخصيص وقت أطول لفحص الصفقات. وفي العام الماضي درست اللجنة 113 صفقة تزيد قيمتها عن 95 مليار دولار بزيادة 73 في المائة عن العام السابق.

والسياسة الحمائية مكروهة منذ وقت طويل في حي المال الاميركي وول ستريت. لكن هذا الموقف تغير الآن.

وفي هذا الاطار يقول بوب دول مدير الاستثمارات في مؤسسة بلاك روك كابيتال، ان تهديد السياسة الحمائية لم يبلغ بعد من القوة ما يجعله يؤثر على سوق الاسهم أو يدفع المستثمرين الأجانب للابتعاد عن الأصول الاميركية.

ويعتقد كثير من المحللين أن مزيدا من عمليات التملك الأجنبية لشركات أميركية هي الخطوة المنطقية التالية في ضوء الثروات الهائلة في الخارج وهبوط الدولار.

وربما يكون هذا الأمر منطقيا، لكنه ليس بالضرورة سهلا. ففي العام الماضي أثار بيع أصول في ستة موانئ أميركية كبرى لشركة موانئ دبي العالمية عاصفة سياسية عاتية جادل فيها مشرعون امريكيون بأن الصفقة ستعرض الأمن القومي للخطر.

وقال اندرو كارولي استاذ التمويل في جامعة اوهايو «هناك دائما خطر أن يشعر الناس بأنهم مهددون من احتمال تملك وكالات حكومية أو شبه حكومية، حصصا مالية كبيرة في مؤسسات خاصة». لكنه أضاف «لست واثقا بأن هناك ما يمكن عمله حيال الأمر بسبب القوة الحتمية للعولمة هنا».