أثر أزمة الرهن العقاري على السوق والاقتصاد

سـعود الأحمد

TT

كنت قد ذكرت في مقال سابق بعنوان «الجانب المحاسبي في أزمة قروض الإسكان العالمية» أن الأزمة ستبقى إلا إذا نجحت السياسة الأميركية في بحثها عمن يدفع الفاتورة نيابة عن الاقتصاد الأميركي. وهنا ينبغي التفريق بين الأثر المتمثل في خسائر الشركات والصناديق العقارية بالأسواق المالية العالمية وبين تداعيات هذه الخسائر على اقتصادات العالم. وهنا وإن كان الرابط بين الاثنين لا بد أن يحدث على الأمد الطويل. إلا أن الأثر المباشر يحدث للأسواق بسبب نقص السيولة، مما يؤدي إلى زيادة عرض الأصول (أسهم وسندات وغيرها) يقابله نقص في الطلب فيحدث ركود في الأسواق المالية. والحكومات عندما تتدخل ممثلة في بنوكها المركزية، ليس ذلك بدافع حماية المستثمرين في الشركات العقارية أو في الأسواق ولا حتى حماية للمؤسسات المالية ومساهمي البنوك. ولكن خوفاً من شبح تداعيات الأزمة على اقتصادات الدول العظمى من الركود الاقتصادي العالمي، ورغبة في حماية الاقتصاد الكلي العالمي ولضمان استقرار النظام المالي العالمي. ففي مقال للكاتب مارتن وولف بعنوان «لا يجدر بالبنوك المركزية أن تنقذ الحمقى من حماقتهم» ذكر فيه أن الحمقى ثلاثة؛ الأول: المدين الذي اقترض فوق طاقته لشراء المسكن، والثاني: المستثمر أو الصندوق الاستثماري الذي اقتنع بشراء هذا القرض، والأحمق الثالث: هو الشعب (دافع الضرائب) الذي يقبل أن يدفع ثمن حماقة الاثنين السابقين. ولذلك، فإن التدخل لا يعقل بحال من الأحوال أن يصل إلى أن تشتري البنوك المركزية هذه القروض. ولا مناص بأن من خسر في سوق الرهن العقاري سيدفع ثمن خسارته، لكن الأسواق المالية ستبقى تنعم بالنشاط ما دامت البنوك المركزية تُصرح بأنها تقف على أهبة الاستعداد لضخ المزيد من السيولة.

ولذلك ذكرت في مقال سابق بالنص «أنه في هذه المرحلة لا أحد يستطيع تقدير حجم هذه الأزمة وعدد المؤسسات التي ستطالها ودرجة تأثر كل منها». وهو رأي استند فيه إلى معطيات لا خلاف عليها بين المتخصصين. لأن النتائج المالية بنهاية العام الميلادي هي التي ستكشف مدى التأثر الفعلي للمستثمرين في الأسواق العالمية بأزمة الرهن العقاري.

وكنت ولا زلت أعتقد أن السوق المالي السعودي غير مرتبط بالأسواق العالمية بالقدر الذي يجعله يتأثر باحتمال ذي بال أو بالصورة التي نراها لحجم تأثر الأزمة بالأسواق الإقليمية المرتبطة أكثر بالأسواق العالمية. والأمر لا يحتاج إلى فلسفة بقدر ما يحتاج إلى تأصيل فكرة. فالسوق الإمارتي والمصري أكثر تأثراً بما يحدث من أزمات للأسواق العالمية، فعلى سبيل المثال أن التأثير سيكون مباشرا على مساهمي شركة إعمار العقارية الاماراتية كونها اشترت العام الماضي شركة «جون لينج» الأمريكية المتخصصة في نشاط العقار الفاخر. ولا أقول إن هذه الأسواق مفتوحة تماماً، لما نعرفه عن محددات العمل والتنظيمات الداخلية في كل بلد. وإذا كان هناك مستثمر يركز نشاطه في الشركات العقارية الأمريكية، ويضارب في أسهمها بالاعتماد على قروض وتسهيلات مصرفية، مستنداً على فرضية أن هذه الأسواق آمنة من الأزمات، أو أنها تحمي أصولها من الخسائر بالتأمين عليها، أو بمخصصات احتياطات الديون المشكوك فيها.. فمثل هذا المستثمر قد يفلس بسبب أزمة الرهن العقاري الأمريكي، وإن كان في حياته لم تطأ قدماه أرض السيد سام. وخلاصة الأمر.. أن المشكلة ببساطة مشكلة رهن عقاري أدت إلى انخفاض السيولة والذي من الطبيعي أن يؤثر على نشاط أسواق المال العالمية. والذي يحدث هذه الأيام، من تدخل القادة السياسيين وفي مقدمتهم الرئيس بوش. هو مجرد إعطاء مسكنات للأسواق المالية العالمية ولامتصاص الأثر النفسي عن طريق تأمين السيولة، حتى لا تنهار أسعار الأسهم والسندات والأصول الأخرى. والهدف من وراء ذلك أنه ليس من مصلحة الحكومات حدوث مثل هذه الأزمة لأنها ستتسبب (في النهاية) في تحرك جماهيري ومظاهرات تهزم الأحزاب الحاكمة وتطالب بتغيير رموز وساسة الاقتصاد والسياسة معاً.

* كاتب اقتصادي سعودي [email protected] ء