حوار توظيف

علي المزيد

TT

يعد العنصر البشري عنصرا مهما في عجلة الإنتاج في القطاع الخاص وغيره، ولكنه في القطاع الخاص يحسب بعناية إذ يقدر بمقدار إنتاجيته، وحتى يقوم القطاع الخاص بتوظيف العنصر البشري فإنه يشترط تواؤم هذا العنصر مع متطلبات العمل.

وفي الحوار الوطني الذي عقد نهاية الأسبوع الماضي في مدينة أبها السعودية تمت مناقشة التوظيف وسوق العمل، وأجمع المشاركون في الحوار على عدم تواؤم مخرجات التعليم مع سوق العمل. ولن نذهب بعيدا في الاستدلال على أمر من هذا النوع فشواهدنا لن تكون رجما بالغيب ولن تكون من باب التجني فرغم أن عمر التعليم ينوف عن خمسين عاما والصناعة المصرفية تقترب من ذات العمر إلا أن بنك الإنماء الذي تأخر افتتاحه كان بسبب نقص الكوادر المؤهلة للعمل في القطاع المصرفي. وهذا ليس من جعبتي وإنما تصريح من محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» حمد السياري. كما أن عدم مواؤمة مخرجات الجامعات مع سوق العمل أمر واضح للعيان فهي تخرج في أغلب أقسامها علوما نظرية لا تطبيقية ولعل أفضل نقد وجه إليها هو من المدير الجديد لجامعة الملك سعود، الدكتور عبد الله العثمان والذي قال وبكل شجاعة إن الجامعة تعتمد على التلقين لا إكساب المهارة وهذا في رأيي خطوة أولى نحو التغيير. في مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في أبها دار ذات الأمر في عدم موائمة مخرجات التعليم مع سوق العمل فما الذي جعل مخرجات التعليم لا تتسق مع متطلبات سوق العمل في رأيي أن هناك عدة أمور أهمها ما يلي: ـ تناقض السياسات فالمعنيون بالتوظيف يطالبون الجامعات بخريجين متوافقين مع سوق العمل بينما الجامعات ترى أن هدفها التعليم والتعليم فقط وأنها غير معنية بسوق العمل وأن على طالب الجامعة أن يختار بين التخصصات ما يحتاج فإن كان يحتاج للعلم يذهب إليه وإن كان يحتاج إلى تخصص يؤهله في سوق العمل فليذهب إليه أيضا وهذا خلق تناقضا بين سياسات التعليم وسياسات التوظيف مما يستدعي التنسيق بين السياستين وعلى مستوى الدولة. ـ الأنظمة البيروقراطية فالجامعات لا يمكنها أن تقفل قسم أو تفتح قسم إلا بصعوبة وبعد وقت زمني يكون متأخرا عن حاجه السوق.

ـ عدم وضوح الأهداف في الجامعات فما زالت الجامعات تعمل وفق أهداف الكتاتيب مع التأكيد أن أهداف الكتاتيب نجحت لأنها خرجت من يفكون الحرف في وقت كان المجتمع بحاجتهم بينما الجامعات فشلت في إكساب المهارة وما زالت تخرج من يفكون الحرف فقط مع تجاوز المجتمع لهذه الحاجة وطلبه لحاجات أخرى لم تلبها الجامعة. ـ عدم قدرة الجامعات الحكومية على التكيّف عكس الكليات الأهلية التي تتكيف مع حاجات المجتمع بسرعة شديدة على سبيل المثال سوق العقار موجود منذ 50 عاما ولم نر جامعة افتتحت قسما له، وسوق التأمين حاجة حديثة ولم نر في الجامعات الحكومية قسما للتأمين أو العقار، بينما كلية اليمامة الأهلية التي لم تنشأ إلا منذ عامين افتتحت قسما للعقار وآخر للتأمين وتعاونت في ذلك مع الشركات فنجد أن الشركة التعاونية للتأمين تقوم بالصرف على الطالب الذي يرغب في دراسة التأمين وتوافق على اختياره الشركة شرط أن يعمل لديها. في رأيي أن الحوار الوطني والخاص بالتوظيف قد حقق أهدافه عبر خلق حوار وطني والتفكير بصوت مسموع ولعل أهم ما أعجبني هو الطلبة الذين حضروا كطالبي وظائف وعبروا عن آرائهم بكل حرية وصراحة، فلعل ذلك يخلق تحركا سريعا يحاول بطريقة أو بأخرى تحريك عجلة التعليم الراكدة لدينا ويجعلها مرتبطة بحاجات سوق العمل. وإن كنا لن نصغي لصوت الحوار الوطني فلعلنا نصغي لصوت ابن عبد ربه في العقد الفريد الذي قال منذ قرون طويلة العلم إن هناك علمين علم يحمل وعلم يستعمل فقليل من العلم يستعمل خير من كثير من العلم يحمل وهذه نصيحة نقدمها لجامعاتنا لعلها تركز على العلم المستعمل.

* كاتب اقتصادي [email protected]