توقعات بتشكل خارطة جديدة لصناعة الحديد في مصر

التراخيص المرتقبة ورسم الصادر أبرز عوامل التغيير

شكل النمو العمراني الذي تشهده مصر طلبا متزايدا على الحديد (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

تترقب الأوساط الاقتصادية المصرية قرب تشكيل خارطة جديدة لصناعة حديد التسليح وتسويقه محليا، ينتظر أن تؤثر في ملامحها العديد من العوامل التي يأتي في مقدمتها الإعلان عن منح عدد من التراخيص لإقامة مصانع جديدة الأسبوع المقبل بنظام المزايدة لأول مرة، فضلا عن قرب صدور تقرير جهاز المنافسة وحماية الاحتكار في ما يتعلق بمخالفات شركات الحديد بالسوق المصري.

ولا تقتصر العوامل المؤثرة على واقع صناعة الحديد ومستقبلها في مصر على هذين العاملين وإنما تمتد إلى بدء العمل بالأسعار الجديدة للطاقة لمصانع الحديد وللمصانع الأخرى كثيفة الاستخدام لها أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بجانب فرض رسم صادر على حديد التسليح بواقع 160 جنيها للطن.

وساهم قرار الحكومة المصرية إحالة جميع شركات الإسمنت العاملة في السوق قبل نحو أسبوعين إلى النائب العام للتحقيق معها بشأن اتباعها ممارسات احتكارية، بناء على تقرير من جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار، ليزيد من حالة الترقب التى تنتاب مصنعي الحديد والمتشابكين مع هذه الصناعة لقرب حسم الجهاز نفسه ملف الحديد أيضا، وسط مخاوف من أن يتم إدانة الشركات العاملة في هذا المجال أيضا.

ويزيد من تعقيد ملف الحديد في مصر أن أكبر منتج في البلاد وهو رجل الأعمال احمد عز عضو الأمانة العامة للحزب الحاكم وعضو أمانة السياسات التى يرأسها نجل الرئيس مبارك. حيث يتهم أحمد عز بأنه وراء ارتفاع أسعار الحديد بسبب وضعه الاحتكاري، إذ تسيطر مجموعته على نحو 60 في المائة من سوق الحديد على الرغم من نفيه ذلك.

وقال عز لـ«الشرق الأوسط» إن الاتهام بالاحتكار لا أساس له من الصحة، لأن الجمارك ببساطة «صفر» على الواردات ويستطيع أي شخص أن يستورد ويبيع بأسعار أقل، وبالتالي يضطر المنتجون المحليون إلى تخفيض الأسعار أو إغلاق مصانعهم.

وأوضح أن أسعار الحديد تحدد طبقا للعرض والطلب في الأسواق الدولية، مضيفا أن تأثير العوامل المحلية على الأسعار محدود للغاية وأن من يريد أن يحتكر لن يرفع الأسعار ولكنه يخفضها ليصيب الآخرين بالعجز عن مجاراته فيخرجون من السوق.

ولم يعلق عز على إحالة شركات الإسمنت إلى النائب العام أو احتمال اتباع نفس الخطوة مع شركات الحديد والتحقيق في احتمال قيامها بممارسات احتكارية.

من جانبه، توقع عبد العزيز سلامة رئيس شركة الحديد والصلب المصرية تأثر صناعة الحديد وأسعاره بارتفاع أسعار الطاقة وفرض رسم صادر عليه، خاصة في ظل زيادة الأسعار العالمية، محملا المنتجين والتجار مسؤولية الزيادات الأخيرة تحقيقا لهامش ربح مرتفع.

وقال سلامة إن السعر العادل لطن الحديد يجب ألا يزيد على 3000 جنيه (541.5 دولار)، مشيرا إلى إن منح تراخيص بإقامة مصانع جديدة للحديد من قبل وزارة التجارة والصناعة لن يحل مشكلة ارتفاع الأسعار والممارسات الحالية من قبل الشركات القائمة نظرا لزيادة احتياجات السوق عن القدرة على الإنتاج نتيجة توافر أراض للبناء وإلزام الدولة لأصحاب هذه الاراضي بالبناء الفوري بما يقلل من توقعات انضباط السوق.

وطالب بضرورة اتجاه الحكومة لتحديد التكلفة لضبط السوق، بما لا يتعارض مع قوانين السوق الحر، لافتا الى أن الولايات المتحدة تفرض نحو 35 في المائة رسما على واردات الحديد حماية لأسواقها. ورغم توقع العديد من الخبراء بتغير ملامح خريطة صناعة الحديد في مصر مستقبلا بفعل العوامل السابقة، إلا أن مسؤولين بهذا القطاع استبعدوا تأثر الصناعة بشكل كبير، خاصة في ظل النمو المتزايد على حركة العمران في مصر والمنطقة العربية ودخول الشركات المصرية بقوة كمنافس قوى للعديد من الكيانات في السعودية والإمارات التي تسعى لزيادة طاقاتها الإنتاجية من الحديد نتيجة نمو حركة العمران في دولها.

وفي هذا السياق، رأى محمد حنفي، مدير غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، أن خارطة سوق الحديد في مصر يحددها العرض والطلب بعيدا عن العوامل التي برزت أخيرا كأسعار الطاقة ومنح التراخيص الجديدة.

وأشار إلى أن الطفرة العمرانية التي تشهدها مصر وعدد من الدول العربية كالجزائر، وليبيا، والإمارات، والسعودية، وقطر، وعمان دفعت ببعض المنتجين المصريين إلى التوسع إقليميا لتلبية الطلب المتزايد على الحديد خلال العشر سنوات المقبلة.

وأوضح حنفي أن المنطقة العربية تخطط لزيادة طاقتها الإنتاجية من الحديد خلال العشرة أعوام المقبلة لترتفع من 20 مليون طن حاليا إلى 40 مليون طن.

وقال إن مصر تنتج حاليا نحو 5.5 مليون طن ومنح التراخيص وضبط السوق سيحسن من اقتصاديات الطاقة المتاحة لتصل إلى 8 ملايين طن حتى عام 2017 وذلك بإقامة أربعة مصانع لإنتاج البيلت والحديد الإسفنجي المنتظر منح تراخيصها يوم الأحد المقبل للحد من استيراد خامات معدنية تتحكم فيها بورصة الأسعار وتعوض بإنتاج خامات محلية.

واستبعد أن يشهد سوق الحديد نوعا من المضاربة كما حدث قبل ستة أشهر مع بداية فرض رسم الصادر، نتيجة لتوقف بعض المصانع عن الإنتاج وعدم قدرتها على زيادة الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار الخامات التي شهدت ندرة في السوق.

وأوضح أن سعر طن الحديد وقتها كان يقف عند 3400 جنيه (613.7 دولار) ارتفع مع زيادة الأسعار العالمية ليصل إلى 3800 جنيه (675.9 دولار) ليتناقص مع رسم الصادر ليصل إلى 3650 جنيها للطن (658.8 دولار).

واعتبر حنفي أن صناعة الحديد في مصر تتمتع بمقومات جيدة تحافظ على قدرتها على التصدير للأسواق الخارجية تتمثل في توافر الخامات اللازمة للصناعة وفي العمالة إلى جانب الغاز الطبيعي الذى تستورده بعض دول الخليج، مما يزيد من تكلفة المنتج وهو ما يرجح فرصة زيادة الصادرات إلى دول الخليج التي تنمو إنشاءاتها بمعدل أسرع من نمو صناعة الحديد.

وأشار إلى أنها لا تزال قاصرة عن تلبية احتياجات هذه الأسواق، خاصة مع تزايد الطلب العالمي على الحديد المصرى من دول أوروبا والولايات المتحدة الأميركية بعد تخلصها من بعض الصناعات الملوثة للبيئة.

وأضاف أن قرب المسافة بين مصر ودول المنطقة مع تركز المصانع الجديدة في منطقة خليج السويس على البحر الأحمر يشكل عامل جذب للاستيراد من مصر، متوقعا أن تعيد الحكومة النظر في رسم الصادر المفروض على الحديد بعد تحرير أسعار الطاقة ومنح تراخيص للمصانع الجديدة.

من جانبه، أبدى إبراهيم محلب، رئيس مجلس إدارة شركة المقاولون العرب المصرية، تفاؤلا بمستقبل الحديد في بلاده، خاصة أن شركته الحكومية تعد أكبر مستهلك للحديد في مصر، حيث تستهلك نحو 200 ألف طن سنويا، منها 80 في المائة حديد تسليح. إذ أشار محلب إلى استقرار سوق العقارات وعدم تأثر حركة البناء كثيرا خلال الفترة الماضية نتيجة تذبذب أسعار الحديد.

وأكد محلب أن أسعار العقارات احتفظت بثباتها منذ بداية العام الحالي وحتى الآن مع استقرار سعر الحديد عند 3650 جنيها للطن، مشيرا إلى أن السوق في النهاية يخضع لقانون العرض والطلب.