السعودية تلجأ إلى سياسة نقدية «انكماشية» لاحتواء سيولة تفوق 19.6 مليار دولار

رفعت نسبة احتياطي رؤوس الأموال لدى البنوك إلى 9% وقلصت الفائدة مع دول خليجية تزامناً مع الخفض الأميركي

TT

أعلنت السعودية أمس والكويت والبحرين والإمارات وقطر خفض الفائدة على عملاتها للحد من جاذبية المراهنات على رفع قيمة عملاتها المرتبطة بالدولار بعد أن خفض مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الاميركي) تكلفة الاقتراض ربع نقطة لتصبح 4.5% عائدا بالفائدة الاميركية إلى مستواها في يناير (كانون الثاني) 2006. لكن السعودية التي تعتبر أكبرَ الأسواق العربية زادت عن مثيلاتها برفع مؤسسة النقد (البنك المركزي) نسبة احتياطي رؤوس الأموال لدى البنوك الى 9 في المائة صعودا من 7 في المائة. وتوصف هذه الخطوة بأنها تهدف إلى احتواء عملية الإقراض لكي لا يؤدي خفض الفائدة الى ارتفاع عمليات الإقراض وتفاقم التضخم الذي بلغ في أغسطس (آب) أعلى مستوى في سبع سنوات عند 4.4 في المائة، إذ تسعى السعودية إلى اتباع سياسة نقدية انكماشية من خلال خفض مستوى السيولة الموجودة في النظام الاقتصادي. ووفقا لبيانات مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، فإن حجم النقد (المتداول خارج المصارف والموجود لدى البنوك) بلغ في أغسطس الماضي 73.6 مليار ريال (19.6 مليار دولار) منها 65.6 مليار ريال (17.49 مليار دولار) خارج المصارف.

ووصف جون سفاكياناكيس، كبير الاقتصاديين لدى البنك السعودي البريطاني (ساب) وفقا لرويترز، «هذا يعني أن البنوك ستضطر الى الاحتفاظ بقدر أكبر من الأموال في خزائنها بدلا من إطلاقها في النظام (المصرفي)».

وتؤثر خطوة «ساما» على البنوك من حيث تقليل التوسع في عمليات الإقراض، وبالتالي من الممكن أن تنعكس سلبا على مستوى أرباح القطاع البنكي في الفترة المقبلة. لكنها قد تنعش سوق الأسهم المحلية الذي لا زال يعاني من الانهيار الذي عان منه العام الماضي، والذي يدور خلال العام الجاري في مستويات تراوحت بين 7000 نقطة و9000 نقطة، بعد أن كان قد بلغ في فبراير (شباط) عام 2006 أعلى مستوى له على الإطلاق والبالغ أكثر من 20.9 ألف نقطة.

وتوصف الخطوة التي اتبعَها البنك المركزي السعودي بأنها رسالة موجهة للأسواق تفيد أن «ساما» لا زالت محافظة على سياسة ربط الريال بالدولار مع تأكيدها بأنها تتبع خطوات لمعالجة التضخم. وانخفض أمس سعر صرف الريال السعودي الى أدنى مستوى في ثلاثة أسابيع بعد قرار «ساما» خفض سعر الريبو العكسي ربع نقطة مئوية إلى 4.5 في المائة، مما قلص التكهنات برفع قيمة العملة بينما ترك سعر إعادة شراء الأوراق المالية بدون تغيير عند 5.5 في المائة. كما خفضت الكويت والبحرين والإمارات وقطر بعض أسعار الفائدة.

وقال سايمون وليامز، خبير اقتصاد المنطقة لدى «اتش.اس.بي.سي» في دبي وفقا لرويترز «إذا ثبت أن هذه هي نهاية دورة تيسير السياسة النقدية فسيكون هذا محل ترحيب من صناع السياسات في الخليج»، مضيفا «لكن أسعار الفائدة لا تزال منخفضة بالقيم الاسمية والحقيقية في وقت كان ينبغي أن ترتفع».

وتعكس معظم التحركات المخاوف من ارتفاع التضخم المحلي. فقد تركت الكويت والسعودية أسعار الفائدة الأساسية بدون تغيير. وخفضت الإمارات الأسعار الرئيسية بما يصل الى 20 نقطة أساس. وكانت البحرين هي الوحيدة التي أعلنت خفضا مماثلا للخفض الاميركي البالغ ربع نقطة مئوية. وقال ماريوس ماراثفتيس، الرئيس الإقليمي لقسم الأبحاث في ستاندرد تشارترد، «انهم يقومون بالحد الأدنى مما يتعين عليهم عمله بسبب ربط عملاتهم بالدولار». وخشية تفاقم التضخم المحلي، فضل البنك المركزي السعودي تجاهل الخفض السابق للفائدة الاميركية في 18 سبتمبر (أيلول) الماضي، مما آثار تكهنات السوق برفع رسمي وشيك لسعر صرف الريال ودفع العملة السعودية الى الارتفاع الى أعلى مستوى في 21 عاماً.

وعقب خفض الفائدة السعودية، تراجع سعر الشراء على العملة السعودية الى 3.7430 ريال مقابل الدولار لتسجل أدنى مستوى منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وأبقى البنك المركزي رسميا سعر الريال مستقرا عند 3.75 ريال للدولار منذ يونيو (حزيران) 1986، ولكن في السوق بلغت العملة في العاشر من أكتوبر أعلى مستوى في 21 عاما عند 3.7290 ريال للدولار. وتعكس معضلة السعودية ما تواجهه البنوك المركزية الأخرى في المنطقة التي تشعر بالانقسام بين الحد من ارتفاع العملة والسيطرة على التضخم في اقتصادات تشهد طفرة في النمو بفضل ارتفاع أسعار النفط الى أربعة أمثالها منذ عام 2002. ورغم أن تلميحات صدرت من البنك المركزي الأميركي أول من أمس إلى احتمال عدم خفض الفائدة في الاجتماع المقبل نهاية الشهر الجاري إلا أنه في حال الإقدام على خطوة بالخفض أن يضع البنوك المركزية الخليجية في موقف صعب لا سيما في محاولاتهم محاربة التضخم المتصاعد في الدول الست.

وخفضت الإمارات أسعار الفائدة على كل شهادات الإيداع بما يصل الى 20 نقطة أساس. ولا يطبق البنك المركزي الإماراتي سعر فائدة أساسيا. وتستخدم البنوك شهادات الإيداع لتحديد أسعار الفائدة بين البنوك. كما خفضت الكويت سعر الريبو بواقع 25 نقطة أساس ليصل الى 4.5 في المائة ولكنها تركت سعر الخصم الرئيسي بدون تغيير عند 6.25 في المائة. وخفضت قطر سعر الفائدة على تسهيلات الإيداع 25 نقطة أساس. وقام مصرف البحرين المركزي بخفض سعر الفائدة على تسهيل الإيداع لمدة أسبوع بمقدار 25 نقطة ليصل إلى 4.75%. كما خفض المصرف سعر الفائدة على تسهيل الإيداع لمدة يوم واحد بواقع 25 نقطة ليصل إلى 4.25% وكذلك سعر الإقراض وسعر إعادة الشراء بواقع 25 نقطة ليصلا إلى 5.25%.

وكان الخليجيون قد رفضوا مطلع الأسبوع الجاري نصيحة تقدم بها مدير صندوق النقد الدولي اقترح فيها عليهم اتباع سياسة نقدية تواكب ربط عملاتهم بالعملة الأميركية. وجاء الرفض على لسان محافظي البنكين المركزيين السعودي والعماني اللذين شددا بعد اجتماع عقد في جدة (غرب السعودية) على أن من يحدد هذه السياسات هو الوضع الاقتصادي المحلي، حيث أكد حمد السياري محافظ مؤسسة النقد السعودي أن بلاده ستقرر ما تراه مناسباً حيال التعاملات مع تغييرات الفائدة على العملة الأميركية، وفق ما يتناسب مع سياساتها النقدية المناسبة لاقتصادها. واتفق حمود سنجور الزدجالي، محافظ البنك المركزي العماني، مع ما ذهب إليه السياري من أن دول الخليج العربية ستقرر استجاباتها لتخفيضات أسعار الفائدة الاميركية وفقا للظروف المحلية.