قلق أميركي من «صناديق الاستثمار السيادية» العربية

تخضع لشركات مملوكة للحكومات

زادت أسعار النفط المرتفعة من حجوم صناديق الاستثمار السيادية للدول المنتجة («الشرق الأوسط»)
TT

جمعت الحكومة الليبية، ذات الثروة النفطية الكبيرة، مليار دولار وعلى استعداد لاستخدامها في وول ستريت. وحصلت الصين أخيرا على نسبة كبيرة في واحد من اكبر الأسماء في الشركات المالية الأميركية. بينما تضيف قطر الصغيرة مليار دولار أسبوعيا لاستثماراتها وتحاول شراء السوبر ماركت الرئيسي في بريطانيا.

وتجمع الدول النامية، ولا سيما في آسيا والشرق الأوسط، واحدة من أضخم التجمعات في مجال الاستثمارات في التاريخ. وهذه الكمية الضخمة من النقد التي يطلق عليها صناديق الثروة السيادية، لا تخضع لشركات مملوكة للدولة ولا المستثمرين الخواص بل للحكومات. والعديد من هذه الاستثمارات تساوي، بل هي أضخم من اكبر صناديق التقاعد أو صناديق الاستثمار في الولايات المتحدة، والعديد منها ذات نشاطات سرية. فهيئة استثمارات دبي لديها 875 مليار دولار للاستثمار، بينما اول صندوق صيني للثروة السيادية، الذي بدأ نشاطه في الشهر الماضي، لديه 200 مليار دولار. واكبر شركة استثمار خاصة لديها استثمارات قيمتها 90 مليار دولار.

وتجدر الإشارة الى ان صناديق الاستثمار السيادية موجودة منذ عدة عقود. ولكن حجم تلك الصناديق ارتفع مع ارتفاع اسعار النفط الذي بلغ 93.53 دولار للبرميل الواحد أول من أمس ، والهوة التجارية بين الولايات المتحدة واسيا، بمعدلات كبيرة. وقد أدى ذلك الى قلق السياسيين الأميركيين والمنظمين، وعقد البعض منهم سلسلة من الاجتماعات حول الموضوع هنا في الشعر الماضي. وفي الوقت نفسه ذكر البعض في وول ستريت ان ازدياد أهمية تلك الصناديق يعني نقلة أساسية في القوة المالية بعيدا عن الدول الغربية.

واوضح اليكس باتليس رئيس الاقتصاديات الدولية في ميريل لينش «هذا دليل واضح على ظهور دول العالم النامي كقوة اقتصادية كبيرة وانتقال السلطة بعيدا عن الولايات المتحدة».

وفي الماضي، كانت تلك الصناديق تهتم اهتماما اكبر بالحفاظ على استثمارات آمنة ذات عائد بسيط مثل سندات الخزانة الأميركية. أما الآن مع توقع انخفاض عائدات الخزانة الأميركية لعدة سنوات قادمة. وضعف الدولار الأميركي، بدأت تلك الصناديق في السعي لتحقيق عائدات اكبر ومواجهة أخطار اكبر.

فالبعض يشتري نسب في صناعات رئيسية في الولايات المتحدة أوروبا، بما في ذلك المصارف والموانئ وأسواق البورصة وشركات الطاقة. بينما يسعى البعض الآخر الى ما وراء الفرص في الغرب، حيث يدعمون المصارف الآسيوية ويشيدون البنية الأساسية في أفريقيا.

وأدت استراتيجية الاستثمار الحازمة الى إثارة المشاعر الوطنية حول العالم. فألمانيا تشعر بالقلق من تحرك روسيا للحصول على نسبة في خط أنابيب وشركات المنافع. وتعارض نيوزيلندا جهود المستثمرين في دبي لشراء مطار رئيسي.

وفي الولايات المتحدة حدث رد فعل قوي ضد شركة صينية مملوكة للدولة التي حاولت السيطرة على شركة نفط اميركية في عام 2005 وعلى شركة في دبي أرادت شراء موانئ أميركية في العام الماضي. الا ان رد الفعل على صناديق الاستثمار السيادي كان مختلطا.

فلم يهتم احد عندما دفعت دبي 825 مليون دولار لشركة ملابس بارنيز الأميركية في شهر يونيو، وتبعتها بشراء 19.9 في المائة من سوق «ناسداك» للأوراق المالية في الولايات المتحدة. وذكر رئيس هيئة السندات الأميركية كريستوفر كوكس في خطاب أمام جامعة هارفارد في الأسبوع الماضي ان ظهور صناديق الاستثمار السيادي، يتحدانا لمعرفة ما اذا كانت فوائد الأسواق والملكية الخاصة ستتعرض للتهديد اذا ما أصبحت الملكية الحكومية في مجال الاقتصاد اكثر أهمية. الا ان المسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية يشعرون بالقلق من ردود الفعل العاطفية للاستثمارات الأجنبية يمكن ان تقنع الممولين الأجانب بإنفاق أموالهم خارج الولايات المتحدة. وقال كلاي لوري مساعد وزير الخزانة للشؤون الدولية «ليس سرا انه ليس في مصلحة الولايات المتحدة ان تبقى مفتوحة في مجال الاستثمارات».

ويبدو مديرو تلك الصناديق على استعداد لجعل الصناديق أكثر شفافية والالتزام بقانون للممارسات يطوره صندوق النقد الدولي.

واوضح مارتن سكانكي، المدير العام لإدارة الأرصدة في وزارة المالية النرويجية التي تدير صندوقا قيمته 350 مليار دولار ان هذه الصناديق «مثل العديد من المستثمرين الاخرين، تنتقل من الموجودات ذات المخاطر المنخفضة الى موجودات ذات مخاطر عالية لزيادة عائداتها».

وتجدر الإشارة الى ان نصف دستة من الدول أسست صناديق استثمار سيادي، بما في ذلك إيران والإمارات العربية المتحدة وسنغافورة والكويت واستراليا وروسيا. وفي الوقت الذي يصعب فيه الحصول على المعلومات الدقيقة بخصوص الصناديق، فإن معظم المحللين في وول ستريت يتفقون على ان قيمة الصناديق قد بلغت تريليوني دولار ومن المتوقع زيادتها خمسة مرات بحلول عام 2012. وتستخدم العديد من الدول الغنية بالنفط بما في ذلك النرويج والكويت والإمارات العربية المتحدة، بل كندا تستخدم صناديق الاستثمار السيادي لتحقيق محافظ استثمارية تدعم سكانها في حالة انخفاض عائدات النفط. فهيئة الاستثمار الكويتي وهي من المستثمرين القدامى في كرايزلر وهيئة استثمار أبوظبي يحظيان باحترام بسبب فطنتهم وبسبب حجمهم طبقا لهؤلاء الذين يعرفون نشاطاتهم. فصندوق النرويج، يعتبر نموذجا للشفافية، ومديروه يقدمون النصح لعديد من الدول بما فيها تيمور الشرقية وبوليفيا ونيجريا وروسيا التي بدأت في تشغيل صندوق سيادي.

ومصدر الأموال الصينية هو فائض الميزان التجاري مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول. وفي الماضي كانت الصين تضع كل فائضها الذي يقدر بـ1.3 تريليون دولار في سندات الخزانة الأميركية. الا انها الآن تسعى الى عائدات اعلى. ففي 29 سبتمبر الماضي سحبت 200 مليار دولار من هذا العائد وأسست صندوقا للاستثمار السيادي.

كما بدأت الصناديق الأخرى في الظهور في الأسواق وتستخدم مديري تمويل أميركيين لمعرفة كيفية إدارة مثل تلك الصناديق بأفضل طريقة. وقد اكتسبوا خبرة في الاستثمار في الغرب. وقال مونتي برم، المدير التنفيذي ل«ستيبستون غروب» التي تقدم النصائح الى مديري صناديق الاستثمار السيادي «ننصحهم بالحذر في كيفية توجيه استثماراتهم ذات الحساسية السياسية».

ومع زيادة المشاعر الوطنية حول العالم، بدأت العديد من صناديق الاستثمار السيادي في دفع الأموال لمديرين أميركيين وتركهم لتحديد الاستثمار. ففي الشهر الماضي استثمرت ابوظبي 1.35 مليار دولار في كارلايل غروب، وهي شركة استثمار خاصة، وهو ما يمثل 7.5 في المائة من قيمة الشركة. ولكنها وافقت على التخلي عن أي دور إداري. وبالمثل اشترت الصين 9.9 في المائة من بلاكستون غروب وتخلت عن حق التصويت.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»