منتدى الرياض يستبق إعلان «الميزانية» بمطلب تكوين أذرع استثمارية جديدة

في ظل جدل حول مفهوم الفوائض المالية وطريقة تقديرها وأساليب توظيفها

جموع من المشاركين في منتدى الرياض الاقتصادي في دورته الثالثة
TT

استبق منتدى الرياض الاقتصادي إعلان الحكومة السعودية للموازنة العامة لهذا العام المترقبة خلال هذه الأيام بدعوته إلى ضرورة توجه الحكومة إلى استثمار الفوائض المالية في الميزانية عبر تكوين أذرع استثمارية جديدة غير السائدة حاليا في سبيل توظيف أمثل لهذه الفوائض وإيجاد إدارة محترفة تساهم في تطوير أساليب الاستفادة من فوائض المالية.

وبرزت أهمية المحور الأول في فعاليات منتدى الرياض الاقتصادي الذي انطلق أمس لمعاودة مصطلح الفوائض المالية الظهور والتداول بعد تنفيذ ميزانية عام 2004 وما ظهر فيها من زيادة الإيرادات الفعلية على المصروفات الفعلية بفارق بلغ 107.1 مليار ريال، كما بلغ الفائض خلال العام 2005 ما قوامه 217.9 مليار ريال بينما وصل أعلى مستوى له حتى الآن في ميزانية عام 2006 بمبلغ 280 مليار ريال وهكذا بلغت فوائض السنوات 2003 حتى العام 2006 الفعلية مجتمعة مبلغ 650.7 مليار ريال (173.5 مليار دولار).

وكشفت فعاليات اليوم الأول من المنتدى عن حقائق وإحصائيات تاريخية مهمة في سيرة الميزانية العامة السعودية حيث أشارت إلى الفائض المتحقق خلال 33 عاما منذ 1973 وحتى نهاية العام 2006 المنصرم ما قوامه 1012.9 مليار ريال (270.1 مليار دولار) جاءت في 13 ميزانية تمثل معدل سنوي قوامه 77.9 مليار ريال 20.7 مليار دولار، بينما بلغ العجز في الميزانيات العامة الفعلية في ذات الفترة ما مجموعه 897.4 مليار ريال على مدى 20 ميزانية بمعدل 44.9 مليار ريال سنويا 11.7 مليار دولار.

وبحسب الخبراء الاقتصاديين الذين شاركوا في فعاليات المنتدى تبرز أهمية إدارة الفوائض المالية وأساليب توظيفها بطريقة مثلى نتيجة تراكم الفوائض المالية الكبيرة وتحديدا منذ العام 2003 بفضل التفاضل بين الإيرادات الوفيرة التي نجمت عن زيادة الإيرادات النفطية وبين النفقات المقدرة في الميزانيات العامة، الأمر الذي أوجب البحث عن أفضل السبل لتنمية هذه الفوائض وتحديد رؤية مستقبلية واضحة لكيفية توظيفها.

ويؤكد منتدى الرياض الاقتصادي حيال هذا المحور إلى أهمية تعيين المجالات التي يترتب استثمارها فيها، وكذلك إعادة النظر في الجهات العامة المكلفة حالياً بتوظيف هذه الفوائض وتقييمها وهيكلة مهامها، والسعي للاستفادة في هذه المجالات من تجارب الدول الأخرى بما يتلاءم مع ظروف واحتياجات البلاد لتحقيق مزيد من الكفاءة في استخدام هذه الفوائض وبما يخدم بشكل أفضل تطور الاقتصاد والمجتمع في السعودية.

وأفادت الجلسة التي قدمها المهندس أحمد بن سليمان الراجحي عضو الفرق المشرفة على دراسات المنتدى وشاركه الحوار الدكتور عبد الله بن صادق دحلان عضو مجلس الشورى، والدكتورة ناهد طاهر رئيسة بنك (جلف ون)، أن الدين العام يشكل أبرز نتائج الاختلال بين الإيرادات والمصروفات الفعلية مفيدة أن هذا تطور يصل إلى مستويات بالغة الخطورة حيث سجل أعلى مستوى له عام 2001 إذ شكل مـا يعادل 93.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي قبل أن يوجه بدءا من عام 2003 جزءا من فوائض الميزانية لسداد الدين العام ليصل في نهاية عام 2006 إلى أدنى مستوياته عند 366 مليار ريال تمثل نسبة 28 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي.

ولفت المشاركون إلى أن هناك إيجابيات واضحة لاستخدام الفوائض المالية حيث أشاروا إلى توجيه جانب كبير من الفوائض لإصلاح الاختلال الاقتصادي البارز المتمثل في الدين العام الذي اضطرت الدوائر المالية للدولة للجوء إليه حيث استخدم جزء من الفوائض في خفض مستوى سداد الدين العام وإزاحته وتوالى هذا الخفض عدة سنوات حتى وصل إلى مستوى مأمون لا يتجاوز 28 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وزادوا أن من بين الإيجابيات هو توجيه جانب آخر من الفوائض لدعم الصناديق المتخصصة وبشكل خاص صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية العقارية وصندوق التنمية الصناعية لتمكينها من زيادة رؤوس أموالها وتقديم المزيد من الخدمات التمويلية للمنشآت الإنتاجية والخدمية.

في المقابل، أبرز المشاركون جملة من السلبيات في إدارة فوائض الميزانية كان في مقدمتها غياب المفهوم المحدد للفوائض المالية، إذ لم يوضع أي تعريف أو قاعدة أو حتى إجراء محدد تسير عليه وزارة المالية في التعامل مع الفوائض وظل الفائض مجرد الفرق بين الإيرادات الفعلية والنفقات الفعلية حيث ترافق ذلك مع تعاظم الإنفاق الجاري عاماً بعد آخر محققاً زيادة بمقدار 43 في المائة في الفترة من عام 2000 إلى عام 2005 عن الفترة 1993 حتى 1999 مستنفذا نسبة 76.2 في المائة من إجمالي نفقات الميزانية و76.8 في المائة من الإيرادات النفطية بحيث لم يترك الإنفاق الجاري سوى 23.84 في المائة من الإيرادات النفطية لكل من الإنفاق الرأسمالي والفوائض المالية مجتمعين.

وثاني تلك السلبيات غياب وجود طريقة محددة لاحتساب أو تقدير الفائض وعدم توفر قواعد تلزم مثلا أن لا يتجاوز الإنفاق الجاري ضعف أو ضعفي الإيراد غير النفطي أو لا يتجاوز الإنفاق الجاري نسبة محددة من الإيرادات النفطية أو أن تكون هناك قاعدة تحول نسبة محددة من الإيرادات النفطية للإنفاق الرأسمالي لتمويل المشاريع أو أن تعامل كفوائض مالية، في حين تركز السلبية الثالثة على أسلوب التوظيف حيث تقوم وزارة المالية بتوظيف الجانب الأعظم من هذه الفوائض عن طريق مؤسسة النقد وصندوق الاستثمارات العامة ليقوما باستثمارها.

وجاءت السلبية الرابعة في أن معظم الفوائض المالية المتاحة الموضوعة تستمر تحت تصرف مؤسسة النقد في ودائع في بنوك خارجية أو شراء أوراق مالية خارجية، وهناك مؤشرات أن معظم الدول التي تستثمر فوائضها في مثل هذه الاستثمارات وخصوصاً سندات الخزينة الأميركية إلى تدني العائد من هذه الاستثمارات بحيث تتراوح بين 3 و5 في المائة عدا ضعف الآثار الإيجابية للاستثمارات الخارجية في الاقتصاد السعودي، بينما أتى أخيرا غياب الإستراتيجية الواضحة المحددة للتعامل مع الإيرادات النفطية والإيرادات غير النفطية وللتعامل مع الإنفاق الجاري والرأسمالي وبقاء الفوائض المالية حصيلة لما يفيض من الإيراد الفعلي عن الإنفاق الفعلي دون أي اعتبار آخر.

ولمح الخبراء المشاركون في فعاليات محور إدارة الفوائض المالية إلى أهمية التحرك الفعلي نحو زيادة الأذرع الاستثمارية والهياكل التي يمكنها أن تدعم في توجيه الفوائض بشكل إيجابي ونافع يرتد بالفائدة على الدخل العام للبلاد، إذ تحدثت الورقة الرئيسية بإسهاب عن تجارب الدول الناجحة كان أبرزها ما قامت به دولة الكويت من تكوين «صندوق الأجيال القادمة»، وإمارة أبوظبي عبر ما أطلقت عليه «جهاز أبوظبي للاستثمار» فيما أنشأت النرويج صندوقاً أطلقت عليه اسم «صندوق بترول النرويج»، وذهبت حكومة سنغافورة لتأسيس شركة باسم «شركة حكومة سنغافورة للاستثمارات الخاصة المحدودة»، في حين أنشأت حكومة ماليزيا «شركة الخزانة الوطنية»، في وقت توجهت الصين مؤخرا لتأسيس شركة مشابهة لسنغافورة تحت مسمى شركة تيماسك.

ولخصت الدراسة من تجارب هذه الدول إلى أن المصرف المركزي لا يعمل عادة كذراع استثماري للدولة ولا تقوم الإدارات أو المنظمات التي تدار بالأسلوب الحكومي بإدارة هذه الاستثمارات، حيث أن النموذج الأكثر تطبيقا هو تأسيس شركات وفق النظام السائد في البلد على أن تعمل مثل باقي الشركات الأخرى باستثناء تملك الدولة لكامل الأسهم، لتقوم بدور الجهاز الاستثماري للدولة والقوة الموجهة للاستثمار، على أن تخضع للعلنية والشفافية وحوكمة الشركات وتدقيق الحسابات الخارجية وإدارة الاستثمار وفق قواعد الاستثمار التجاري البحت.

إضافة إلى ذلك عدم قيام شركة واحدة فقط بمسؤولية إدارة موارد الدولة بل يتم تأسيس شركة استثمارات في الوسائل والمنتجات المالية وشركة استثمارات في إدارة الأصول وتملكها، بالإضافة إلى تأسيس الشركات الجديدة، مشيرين إلى أنه ليس هناك من تناقض بين ملكية الدولة لكامل رأسمال الشركة الاستثمارية الحكومية إضافة إلى تعيين مجلس إدارتها شريطة أن يكونوا من الخبراء والمتفرغين وبين انطلاق هذه الشركة في السوق المحلي والسوق العالمي باحثة عن الفرص الاستثمارية.

ولفتت الدراسة إلى أهمية أن تتم معاملة مسؤولي ومديري ومجلس إدارة هذه الشركات باعتبارهم موظفي قطاع خاص وأن يحصلوا على مكافأة مجزية لأعمالهم حتى ولو كانت نسبة بسيطة من الأرباح كما تعمل الشركة وفقا لآليات القطاع الخاص، موضحة إلى ضرورة أن تشكل هذه الشركات من خلال عوائد الاستثمار الذكي مصدرا دائما وقويا لتغذية الميزانية العامة.

وأوضحت الدراسة أن تلك الشركات ـ المفترضة ـ لا بد أن تكون أداة قادرة على إنشاء شراكات اقتصادية مع شركات اقتصادية عملاقة ورائدة في مجالها على المستوى العالمي، ملمحة إلى تجربة الصين التي دلت بوضوح على أن الاستثمار في سندات الخزينة ليس هو الطريق الأفضل بل ربما كان هو الطريق الأقل جدوى استثماريا.