أعمالنا الخيرية: هل تنتظر فرض ضريبة؟!

سليمان محمد المنديل

TT

تجتهد مطبوعات عالمية سنوياً، وتحاول تحديد قائمة أثرى أثرياء العالم، وفي الواقع أن بالسعودية تحديداً، وفي منطقة الخليج بشكل عام، أثرياء قد تتجاوز ثرواتهم تلك الأسماء المنشورة سنوياً في تلك المطبوعات، ويساعد في معرفة ثروات الآخرين، وجود نظام ضريبي يتطلب درجة كبيرة من الإفصاح، وإلا تعرضوا لملاحقات قانونية، في حين أنه لا توجد متطلبات إفصاح في منطقة الخليج. ولكن، ولو قبلنا جدلاً بأن أغنى رجل في العالم هو بيل غيتس، المالك الرئيسي لشركة مايكروسوفت، وثروته تتجاوز اليوم 55 مليار دولار، وهي مهيأة للزيادة سنوياً، فقد قرر هذا الرجل، وزوجته ميليندا، أن يخصصا أغلب ثروتهم لأعمال الخير، خصوصاً مكافحة الأمراض. أما ثاني أغنى رجل في العالم، وهو وارين بفت، وتقدر ثروته بحوالي 48 مليار دولار، فلم يكن في خطته أن يتبرع بثروته إلا بعد وفاته، ولكن لأنه صديق لغيتس، فقد أعجب بما سمعه من صديقه عن مؤسسته الخيرية، وقرر توجيه أغلب ثروته إلى جمعية غيتس الخيرية لإدارتها، بحيث أن تلك الجمعية الخيرية مهيأة لأن تتجاوز أصولها أكثر من 100 مليار دولار. ولا بد من التذكير بأن النظام الضريبي في أغلب دول العالم يفرض ضريبة عالية على دخل الأثرياء، وعلى الإرث، يدفع لمصلحة الضرائب عند وفاة المالك، ولكن ذات النظام الضريبي، يسمح لمالك الثروة أن يوجه ثروته إلى غرض خيري يرتاح له، وبذلك لا تستحق عليه ضريبة، طالما أن ذلك التبرع هو لأحدى وجهات الخير المعفاة لدى مصلحة الضرائب، مثل قطاع التعليم، والطب، والمتاحف، والفن، والثقافة، والجمعيات الخيرية المختلفة، وأعمال الخير الدينية. وهذا ما يفسر الاستثمارات الضخمة التي تكونت لدى جامعات مثل هارفارد، أو بعض المتاحف العالمية، التي تشتري أفضل وأغلى المقتنيات الفنية، من مواردها الذاتية، أو قدرات بعض المنظمات الدينية في نشر أعمالها التبشيرية، أو مساعداتها الطبية حول العالم، وهذا الحافز الضريبي هو سبب أساسي في نشر الأعمال الخيرية بشكل واسع. هنا في السعودية، و بسبب عدم وجود ضريبة على الدخل، أو الإرث، ومن ثم لا إعفاء محفّز، فإن أعمال الخير التي يقوم بها الأثرياء، هي متروكة لأريحيتهم. وفي حين أن كثيراً منهم يتبرعون بصمت، إلا أنه يمكن الجزم بأن أغلب تلك التبرعات هي نقدية، ولأفراد أو عوائل، كمساعدات إنسانية ومعيشية، ومن ثم فإن خيرها لا يتجاوز المستفيدين مباشرة منها، ومن ثم لا تعم فائدتها المجتمع. إلا أن هناك نوعين آخرين من الأثرياء، أحدهم يتخفى وراء موضوع السرية لكي لا يتبرع، وهناك النوع الآخر من الذين يتبرعون مباهاة فقط، عندما يكونون في مناسبة بها إحدى الشخصيات الهامة، ويتبرعون بشكل نمطي، بحيث يركزون على نشاط، على حساب نشاطات أخرى أهم مطلوبة، ولكنهم لا يلتفتون لها، وسأورد هنا مثالين مختلفين، وأترك للقارئ تحديد رأيه حولهما:

المثال الأول: هو المتبرع الذي يأتي إلى مساحة معينة محدودة من حي سكني، به مسجد أو أكثر متقاربة، ويقرر بناء مسجد ثان أو ثالث. والسؤال الذي يطرح نفسه، هو إن كانت لذلك المحسن أرض في الحي، وبه مسجد قائم، فلماذا لا يتبرع بعمل مكمل، مثل مستوصف، أو مكتبة، أو حديقة، أو ملعب لشباب الحي، أو مركز للدفاع المدني؟ أو أن يستطلع رأي وزارة الشؤون الإسلامية، عن حي يحتاج إلى مسجد، وينقل تبرعه إلى ذلك الحي؟ المثال الثاني: مجموعة عبد اللطيف جميل، وهي تساهم بجهد متميز في بناء مراكز تدريب هدفها حل مشكلة البطالة، بتسليح الشباب بمهن محددة (وربما لها نشاطات خيرية أخرى لا أعرفها)، وإضافة إلى ذلك، عندما قرروا التبرع لتحسين وضع جناح التراث الإسلامي في متحف فيكتوريا وألبرت V&A في لندن، ثارت زوبعة في صحافتنا المحلية، احتجاجا على ذلك التبرع، ولو زار أحد ذلك المتحف قبل أعمال التبرع، وبعده، لشعر بالفخر، كسعودي أولا، وكمسلم، لما قام به آل جميل، للمحافظة على جزء من تراثنا الإسلامي، هو مع الأسف، ليس بين ظهرانينا اليوم، ولكن ربما لا حاجة للتأسف، لأنه لو كان عندنا، لما وجد العناية التي يلقاها اليوم هناك، وربما أتلف تحت ذريعة «سد باب الذرائع»! وبهذه المناسبة أطرح تساؤلاً على عائلة عبد اللطيف جميل الكريمة، وبحكم علاقتهم بمتحف V&A، ألا يمكن عمل عرض متجول لبعض مقتنيات المتحف الإسلامية، التي ساهموا بالمحافظة عليها، إلى السعودية، وبعض الدول الإسلامية الأخرى، لإطلاع من قد لا تتاح له فرصة زيارة المتحف، على نماذج الحضارة الإسلامية؟! نحن أحوج ما نكون إلى التكافل والتعاون، ولكن ثقافة العطاء، والتبرع، والعمل الخيري لدينا، ما زالت بدائية، ونمطية، إلى أبعد الحدود، فهل ننتظر فرض ضريبة لكي نتحرك؟

* اقتصادي سعودي [email protected]