خبير اقتصادي يدعو السعودية لإنشاء صندوق سيادي لإدارة فوائض السيولة

زيادة العوائد وتنويع الأصول ونقل المعرفة أبرز أهداف الصندوق

د. سعيد الشيخ
TT

دعا خبير اقتصادي سعودي إلى إمكانية النظر في إنشاء صندوق سيادي يتولى استثمار فوائض السيولة الوطنية التي تزايدت على نحوٍ ملحوظ في السنوات الثلاث الماضية على ضوء ارتفاع أسعار النفط، كما قدر حجم احتياطات السعودية بنحو تريليون ريال (266.6 مليار دولار). وقال الخبير الاقتصادي الدكتور سعيد الشيخ كبير اقتصاديي البنك الأهلي التجاري السعودي، إن الصندوق المقترح ينبغي أن يتطلع لتحقيق أهداف رئيسة في مقدمتها زيادة العوائد الناتجة عن مجرد استثمار معظم الفوائض الحكومية في سندات الخزانة الأميركية كما هو الحال في الوقت الحاضر، وتنويع الأصول الاستثمارية للحكومة في أدوات ودول وعملات مختلفة لتقليل المخاطر وزيادة الربحية.

وبين الشيخ أن الصندوق سيساهم في اكتساب الخبرة الدولية اللازمة لإدارة الاستثمارات مع نقل التقنية والمعرفة، فضلا عن التأثير على توجهات الشركات المُستثمر فيها لاتخاذ قرارات تصب في مصلحة السعودية، كما أن العوائد المتوقعة للصندوق السيادي يمكن الاستفادة منها في تعويض أي عجز مستقبلي في حالة تراجع أسعار النفط عن المستويات التي وصلت إليها حتى الآن.

يشار إلى الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية السعودي قد أوضح في وقت سابق أن بلاده لا تشعر بضرورة ملحة لتأسيس ما أصبح يعرف بـ«صناديق الثروة السيادية» على غرار ما يتم في بعض الدول التي تعاني من صغر حجم اقتصاداتها الوطنية أو إيرادات تصدير الموارد الطبيعية لا تشكل مصدرا أساسيا للميزانية.

ولفت العساف في كلمة أثناء افتتاح منتدى الرياض الاقتصادي خلال الشهر الماضي، إلى أنه برغم القناعة في جدوى وفعالية الأسلوب المستخدم لإدارة الاستثمارات، والذي سيستمر ويكثف، إلا أن هناك تفكيرا جديا في الأساليب الأخرى التي تضمن تحقيق الاستقرار في الإيرادات العامة وتعزز ربط القطاعات المحلية بمثيلاتها الدولية وتساعده على نقل التقنية وتخفف من تأثير التقلبات الخارجية على الاقتصاد الوطني.

من جانبه، قال كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي إن الانخفاض المستمر لأسعار الفائدة على الدولار مع استمرار تراجع سعر صرفه من شأنهما أن يقلصا العوائد التي تحققها الاستثمارات السعودية في الخارج، ومع استمرار نمو التضخم فإن العوائد الحقيقية تصبح أقل وقد تكون مهدده بالتلاشي. ولفت الشيخ إلى أنه قد آن الأوان لإعادة النظر في استمرار ارتباط الريال السعودي بالدولار الأميركي شريطة أن يتم ذلك بشكل متدرج مع الأخذ في الاعتبار عدم إلحاق الضرر بالأرصدة الرسميه والتي معظمها مقوَّم بالدولار. وأشار إلى أن الصندوق السيادي المقترح سيمثل أداه استثماريه تتزايد الحاجة إليها في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. وأورد بعض الأمثلة الناجحة لصناديق مماثله منها هيئة أبوظبي للاستثمار الذي تقدر أصوله بنحو 875 مليار دولار وصندوق الكويت للأجيال بنحو 250 مليار دولار، وكذلك بعض صناديق الدول الناشئة كسنغافورة الذي تقدر أصوله بنحو 330 مليار دولار والصين بنحو 200 مليار دولار. وذكر في هذا الصدد أن نصيب الفرد من عوائد استثمارات صندوق النرويج تبلغ نحو 35 ألف دولار في العام، كما تقدر إجمالي استثماراته بنحو 341 مليار دولار. ولفت كبير اقتصاديي البنك الأهلي إلى أن الأوضاع الاقتصادية الدولية الراهنة تمثل مناخاً ملائماً لإطلاق صندوق سعودي سيادي نظراً لأن الاقتصاد الأميركي يمر بفترة ركود مرشحة للارتفاع خلال العام الحالي نتيجة لأزمة الرهن العقاري وكذلك آثارها التي امتدت إلى أوروبا، الأمر الذي أدى إلى توفر فرص للاستثمار في أصول إنتاجيه في الولايات المتحدة وأوروبا بتكلفه أقل لم تكن متوفرة قبل أزمة الرهن العقاري.

وأضاف أن بعض الصناديق السيادية الدولية قد أحسنت الاستفادة من هذا الوضع مثل صندوق سنغافورة الذي نجح في الاستحواذ على نسبة 9% في بنك UBS السويسري في صفقة قدرت قيمتها بـ 9.75 مليار دولار، كما نجح صندوق الثروة السيادي التابع لهيئة أبوظبي للاستثمار في الاستحواذ على ما نسبته 4.9% بقيمة 5.7 مليار دولار في سيتي غروب أكبر البنوك الأميركية. وحول التحفظات التي ترددت في الآونة الأخيرة حول مخاطر محتملة لإنشاء الصندوق السيادي المقترح، أوضح الشيخ أنه يجب الأخذ في عين الاعتبار الانتقادات التي تم الترويج لها مؤخراً في بعض الدول الصناعية بشأن عدم الترحيب بالصناديق السيادية الأجنبية في تلك الدول وتنامي التوجس منها بدعوى تأثيراتها المحتملة على سياسات تلك الدول وضرورة إخضاعها للمزيد من الشفافية والإفصاح.

وأضاف أنه يُمكن مواجهة مثل تلك المخاوف والتحفظات بمبادرات إلى عقد اتفاقات ثنائية مع الدول المُرشحة لاستقبال الاستثمارات السعودية عبر الصندوق المقترح، وكذلك العمل من خلال منظمة التجارة العالمية على إبرام اتفاقات دولية تُضفي المزيد من الاطمئنان والتنظيم على آليات العمل الخاصة بتلك الصناديق وتكفل المزيد من الحماية لأصولها وتطبيقها أعلى معايير الشفافية والإفصاح والحوكمة عليها.

وفي معرض تعليقه على الآراء القائلة بعدم وجود حاجة لإنشاء صندوق سيادي في ظل قيام أكثر من شركة وجهاز حكومي بإدارة فوائض السيولة الوطنية في الخارج، ذكر الشيخ أن المرحله الراهنه تتطلب المزيد من التنظيم والاحترافية في إدارة الموجودات والسيولة الفائضة. وتشكيل جهة قوية للتفاوض مع السلطات المالية الأجنبية واقتناص الفرص الاستثمارية الجيدة وفق رؤية استراتيجية تضع نصب عينها أهمية تنمية ثروت الأجيال القادمة والحد من الاعتماد على مداخيل النفط عبر تنويع مصادر الدخل الحكومي تحسباً ليوم آتٍ لا محالة ستتراجع فيه أهمية الوقود الأحفوري كمصدر رئيس لإمدادات الطاقة في العالم. كما أوضح الدكتور سعيد الشيخ أن الرأي الداعي إلى استبدال الصندوق السيادي المقترح بزيادة حجم الاستثمارات الحكومية الموجهة لداخل السعودية بأنه قد لا يعكس بالضرورة توجُّهات السياسة الاقتصادية للمملكة والتي اتضح جلياً خلال السنوات الماضيه تفضيلها المزيد من الاعتماد على القطاع الخاص الوطني مع سن التشريعات المُشجعة له لزيادة إسهاماته في تبنِّي وتنفيذ المشاريع التنموية التي تحتاجها البلاد مع التوجه التدريجي لتركيز الأداء الحكومي على القطاعات والجوانب السيادية كالدفاع والأمن والسياسة الخارجية.

وعلى صعيدٍ ذي صلة، أعرب الشيخ عن أمله بأن تقوم الدوله باتخاذ المزيد من الإجراءات التي تحد من تأثُّر المواطن بنمو نسبة التضخم وتراجع القيمة الشرائية للريال لاسيما وأن التأثير السلبي للتضخم امتد ليشمل شريحة الطبقه الوسطى بعد أن كان قاصراً على ذوي الدخل المحدود من الموظفين والعمال والمتقاعدين والمستفيدين من الضمان الاجتماعي.

واختتم كبير اقتصاديي البنك الأهلي حديثه بالإجابة على تساؤل حول ماهية الإجراءات المطلوبة للحد من أثر التضخم بالقول إن ثمة العديد من البدائل تأتي في مقدمتها إعادة تقييم سعر صرف الريال مقابل الدولار وبالتالي خفض كلفة الواردات، إلى جانب تعديل الأجور على نحو يوازن الزيادة في نسبة التضخم، وذلك أسوة بما تم اعتماده في العديد من الدول الخليجية المجاورة، بالإضافة إلى إقرار إعانات إضافية للسلع الرئيسية وتفعيل مراقبة الأسواق وإعفاء المواطنين من بعض الرسوم الحكومية التي أقرت سابقاً في ظل ظروف اقتصادية مختلفة.