السعودية: حملة «غير رسمية» تتبنى التوقف عن شراء الألبان بسبب رفع الأسعار

تصادف انطلاقة اليوم الوطني لـ«شرب الحليب».. والشركات تؤكد: أسعارنا الأرخص والتكاليف ترهقنا

يتصادف اليوم الحملة غير الرسمية لمقاطعة شركات الألبان وانطلاقة اليوم الوطني لـ«شرب الحليب» («الشرق الأوسط»)
TT

ينتظر أن تستقبل شركات الألبان في السعودية صفقة بيعية بخسارة 27 مليون ريال (7.2 مليون دولار) خلال الأيام الستة المقبلة هي المدة الزمنية المحددة لحملة «شعبية» بمقاطعة شراء منتجات الألبان نتيجة قرار تلك الشركات مؤخرا برفع سعر منتجاتها من الألبان.

ووفقا لأنباء تواترت خلال اليومين الماضيين في السعودية، ينتظر أن تنطلق اليوم السبت حملة مقاطعة غير رسمية من قبل جمهور المستهلكين ضمن مواجهة ارتفاع أسعار الألبان ضد الشركات المنتجة للألبان تذمرا من واقع قرار التسعيرة الجديدة للألبان، إذ اتخذت هذه الحملة شعارا شعبيا هو: «دعوها تخيس»، وهي العبارة التي تعني «دعوا تلك المنتجات تعفن».

وبحسب مصادر كشفت لـ«الشرق الأوسط» أنه في حال تفعيل تلك الحملة على الواقع وتوقف المستهلكين عن الشراء فإن شركات الألبان التي يقدر عددها في السعودية بـ12 شركة تقريبا، معرض لتكبد خسائر يومية قوامها 4.5 مليون ريال (1.2 مليون دولار) تشكل قيمة 1.5 مليون طن من الألبان الطازجة تنتجها 120 ألف بقرة حلوب يوميا تمثل الكمية المباعة في يوم واحد بمختلف أنحاء السعودية.

وأفصحت المصادر العاملة أن هذه الحملة ربما لن تؤثر في قرار الشركات القاضي برفع سعر اللتر بمعدلات متفاوتة بين 15 و20 في المائة كنسبة مئوية تعادل نحو ريال سعودي، جراء ارتفاع إجمالي تكاليف الإنتاج، كاشفة أن الوضع لا يتحمل خفض الأسعار أو إبقاءها على وضعها حيث أن هناك بعض الشركات تتحامل على ذاتها لتسيير تشغيلها بتكلفة الإنتاج الحالية وحتى بعد رفع السعر. من جهته، أكد محمد أنور جان رئيس اللجنة الوطنية لمنتجي الألبان أن التكاليف ارتفعت على المنتجين بشكل لافت جدا، موضحا أن الأمر يبدأ من إنتاج الحليب الخام حتى عملية التوزيع. ووصف جان الحملة بأنها عبارة عن سلوك انفعالي وردة فعل جراء ارتفاعات بعض المنتجات السابقة، وقال لـ «الشرق الأوسط» إن هناك أسباب تكاليف قوية دعت الشركات لرفع الأسعار تبدأ من إنتاج الحليب الخام وشراء الأعلاف الخشنة كالحشائش أو الأعلاف المستوردة المركزة كالذرة وفول الصويا والشعير وخلافه حيث ارتفعت أسعارها بين 80 و100 في المائة، مؤكدا أن البدائل لهذه الأغذية كالفيتامينات والأملاح ارتفعت أسعارها بنسبة 150 في المائة لبعضها. وأضاف جان أنه بخلاف صعود أسعار إنتاج الحليب الخام هناك في المقابل ارتفاع أسعار الأدوية البيطرية وأجرة العمالة المتخصصة بجانب ارتفاع النقل الذي بدأ يتعرض لأزمة في عدد السيارات، مبينا أن التكاليف شملت عملية التصنيع من بينها ارتفاع سعري مهول في أسعار العبوات التي ارتفعت في عام 2005 بواقع 5 في المائة، تليها ارتفاع آخر في عام 2006 بواقع 14 في المائة، وحتى العام الماضي 2007 صعدت أسعارها إلى 20 في المائة.

وزاد جان: هناك ارتفاع ملموس في أسعار الآلات وقطع الغيار المستخدمة في العملية التصنيعية من بينها المستلزمات الفنية وكذلك عملية الصيانة الاضطرارية أو الدورية خاصة أن معظم الآلات والأجهزة المستخدمة أوروبية في وقت يشهد فيه اليورو ارتفاعا في قيمته، مبينا أن هناك ارتفاعا في تكلفة التوزيع مع صعود تكلفة النقل.

وكانت السعودية قد شهدت خلال الأسبوع الماضي اجتماعا مغلقا مهما بين وزير التجارة والصناعة والمنتجين على خلفية قرار الشركات برفع أسعار منتجاتها من الألبان، حيث صدر بيان متحفظ أوضح فيه الوزير ضرورة أن تعيد الشركات المنتجة للألبان النظر في قرارها رفع الأسعار والعودة إلى ما كانت عليه قبل الزيادة. ووصف البيان أن الشركات وعدت بدراسة الوضع وإعطاء طلب الوزير جل اهتمامهم، مقدرين في الوقت نفسه دعوة الوزيرة وحرصها على توازن السوق ومصلحة المستهلك.

وذهبت حملة المقاطعة المزعومة إلى الترويج عبر رسائل قصيرة (إس إم إس) على الهواتف المتنقلة ومن خلال منتديات الإنترنت والبريد الإلكتروني، إلا أن أمر تفعيلها لا يمكن البت فيه أو توقعه بالكلية نتيجة أن الحملة غير رسمية ولا يوجد لها ناطق باسمها إلا أن التوقيت المحدد يصادف حملة رسمية أخرى تتبناها وزارة الصحة وهو حملة اليوم الوطني لشرب الحليب ابتداء من يوم السبت.

وتضع هذه المناسبة الوطنية خيار تأثير المقاطعة المباشر بخسائر فادحة في مأزق إذ لن تتضح معالم تلك الآثار إلا بدءا من يوم الأحد نتيجة أن الشركات المنتجة لمشتقات الألبان تكفلت لوزارة الصحة بتوزيع قرابة 7 ملايين عبوة مجانا.

من ناحيته، ذهب المهندس أحمد السماري وهو رئيس اللجنة الزراعية في الغرفة التجارية الصناعية بالرياض إلى أن توجه شركات الألبان لرفع الأسعار يمثل «حقا مكتسبا» ـ على حد وصفه ـ. إذ أفاد أن الشركات تتكبد مصاريف كبيرة في عملية شراء المواد حتى بدء استخراج الحليب الخام، مشددا في الوقت ذاته على أن "حملة المقاطعة" تعملقت على شركات وطنية منتجة في حين هناك شركات تقوم باستيراد منتجات غذائية من الخارج وارتفعت أسعارها ولم تتم عليها مقاطعة شعبية.

ويعود السماري إلى التاريخ تأكيدا بأن سعر لتر اللبن منذ زمن أعلى من هذا السعر وتحديدا عند 5 ريالات للتر الواحد، مشيرا إلى أن مبادرات الشركات العاملة لخفض سعر منتجات الألبان للتخفيف على المستهلكين هو ما أدى إلى أن يكون سعر بيع اللتر هو «أخفض» سعر موجود على الأسواق العالمية من بينها الدول المجاورة، رافعا راية التحدي بمن يخالف ذلك.

ويوافق السماري، محمد أنور جان بالإشارة إلى أن سعر لتر اللبن في أوروبا يتجاوز 5.20 ريال، وفي أميركا بنحو 4.30 ريال وفي دول عربية وخليجية يباع بأكثر من ذلك منها مصر التي يصل سعر لتر اللبن بنحو 7 جنيهات.

واتجهت شركات الألبان خلال الفترة الماضية بل بدأت فعليا خلال هذا الأسبوع برفع الأسعار بشكل متفاوت نسبيا، حيث صعدت بعض الشركات من أسعار نصف اللتر إلى 2.5 ريال (66.6 سنت) بدلا عن ريالين، بينما ذهبت بعض الشركات إلى رفع سعر اللتر الواحد من 3 ريالات إلى 4 ريالات (1.06 دولار).

وتعمل في السعودية 12 شركة منتجة للألبان ومشتقاتها وتصنف على أنها من الشركات الضخمة والقادرة على التصدير وتزويد السوق بكافة احتياجاته ليس فقط من اللبن بل بمنتجات الأخرى منها الحليب والزبادي والقشطة واللبنة والزبدة، في حين تتواجد في السعودية مصادر أخرى للألبان ومشتقاتها ولكن أقل درجة من أنها تصنف باسم شركات كبرى، وهي ما يصطلح على تسميتها بالمزارع حيث يوجد نحو 20 شركة تقوم بإنتاج الألبان وبعض المشتقات فقط، بينما يصل حجم مبيعات تلك المصانع والشركات نحو 3 مليارات ريال (800 مليون دولار) في أقل التقديرات.

من جهته، أكد الدكتور خالد ميرغلاني وهو المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة في السعودية عدم وجود أية اعتذارات أو تراجعات من قبل الشركات الملتزمة بيوم شرب الحليب الذي يبدأ اليوم (السبت)، إذ أفاد بأن شريحة الصغار والشباب والطلاب المستهدفين سيكونون في قائمة من سيشرب الحليب.

ولفت ميرغلاني إلى أن حملة المقاطعة التي روج لها عبر رسائل الجوال وخلافه، وجهت برسائل عكسية كان من بينها المبنية على الأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على شرب اللبن بما فيها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من أطعمه الله طعاما فليقل: اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيرا منه، ومن سقاه الله لبنا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإني لا أعلم ما يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن»، وذلك لما تمثله القيمة الغذائية والصحية المضافة فيه، مبينا أن شرائح المجتمع كافة مدعوة للمشاركة في شرب الحليب.