«المركزي الأميركي» يخفض الفائدة في خطوة غير عادية.. وأسواق أوروبا والولايات المتحدة تتفاعل إيجابيا

خبيرة دولية لـ «الشرق الأوسط» : «إذا عطست أميركا ليس بالضرورة أن يصاب الاقتصاد العالمي بنزلة برد» >الخنيزي: أسواق الخليج أصبحت أكثر انكشافاً على الظروف الاقتصادية

متعامل في بورصة فرانكفورت وتبدو عليه ملامح الاجهاد نتيجة اضطراب الاسواق (رويترز)
TT

خفض مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الاميركي) أمس أسعار الفائدة الاساسية ثلاثة أرباع نقطة مئوية دفعة واحدة في خطوة غير عادية وذلك لدعم الاقتصاد الاميركي الضعيف في مواجهة الاضطرابات المتزايدة في أسواق المال العالمية.

وقرر المجلس أيضا خفض سعر الخصم ثلاثة أرباع النقطة المئوية الى أربعة في المائة، في اول تخفيض طارئ منذ احداث سبتمبر (أيلول) عام 2001 والأكبر من نوعه منذ عام 1990، بعد أن هبطت اسواق الاوراق المالية من هونغ كونغ الى لندن وسط تصاعد بوادر الركود في الولايات المتحدة.

وتأتي هذه الخطوة من جانب المجلس كإشارة على رغبة المجلس في دعم الثقة في أسواق المال الأمريكية في ظل الفوضى التي تجتاح أسواق المال في العالم على خلفية أزمة النظام المصرفي الأمريكي.

وانعشت الخطوة الاميركية الاسواق في اوروبا والولايات المتحدة فقد أغلقت الاسهم الاوروبية مرتفعة أمس بعد جلسة تداول مضطربة قادت فيها الشركات المالية السوق للصعود بعد انحسار مخاوف المستثمرين بعد ان قرر البنك المركزي الاميركي خفضا كبيرا مفاجئا لاسعار الفائدة.

وأنهى مؤشر يوروفرست 300 القياسي جلسة التداول مرتفعا 1.92 في المائة عند 1304.37 نقطة بعد خمس جلسات متتالية من الخسائر. وأعطى خفض الفائدة دفعة لاسهم الشركات المالية وأغلق مؤشر البنوك الاوروبية مرتفعا 5 في المائة.

وقال احد المتعاملين «الامل معقود على ان خفض الفائدة سيساعد في استقرار عمليات البنوك.... لكن الحذر مازال يهيمن على الصورة على المدى الطويل».

وفي البورصات الرئيسية في اوروبا.. في لندن أغلق مؤشر فاينانشال تايمز المؤلف من اسهم مئة شركة بريطانية كبرى مرتفعا 2.9 في المئة فيما أغلق مؤشر داكس لاسهم الشركات الالمانية الكبرى في بورصة فرانكفورت مستقرا وصعد مؤشر كاك لاسهم الشركات الفرنسية الكبرى في بورصة باريس 2.5 في المائة.

وهوت الاسهم الاميركية في بداية التعاملات في وول ستريت امس ليكتمل هبوط حاد في البورصات العالمية بفعل المخاوف من ركود في الولايات المتحدة. وسارع المستثمرون الى بيع الاسهم رغم القرار المفاجئ من مجلس الاحتياطي الاتحادي بخفض اسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة اساس.

وفتح مؤشر داو جونز الصناعي لاسهم الشركات الاميركية الكبرى منخفضا 441.72 نقطة أي بنسبة 3.65 نقطة الي 11657.58 نقطة فيما تراجع مؤشر ستاندرد اند بورز الاوسع نطاقا 50.10 نقطة أو 3.78 في المئة الي 1275.09 نقطة.

وهبط مؤشر ناسداك المجمع الذي تغلب عليه اسهم شركات التكنولوجيا 103.00 نقاط أو 4.40 في المئة الي 2237.02 نقطة. وقلصت المؤشرات الثلاثة خسائرها في وقت لاحق من التعاملات.

لكن سرعان ما عوضت الاسهم الاميركية خسائرها وعوض مؤشر داو جونز الصناعي اكثر من نصف خسائره ليرتفع الى 11957.2 نقطة.

ورفض البيت الابيض أمس التعليق على تراجع البورصات العالمية مؤكدا انه لا يتوقع انكماشا اقتصاديا في الولايات المتحدة. وقالت المتحدثة باسم البيت الابيض دانا بيرينو للصحافيين «نحن لا نعقب على التذبذبات اليومية» للبورصات، مضيفة «لا نتوقع انكماشا. لكن يوجد تباطؤ واضح».

من جهتهم عبر وزراء المالية الاوروبيون عن قلقهم أمس مع تراجع أسواق الاسهم لليوم الثاني على التوالي مدفوعة بالمخاوف من حدوث ركود في ظل عدم وجود تأكيدات تذكر بأن أوروبا ستخرج سالمة من عاصفة قادمة من الولايات المتحدة.

من ناحيته قال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون امس ان بريطانيا في وضع جيد يسمح لها بالخروج سالمة من الاضطرابات الحالية في أسواق المال العالمية.

وفيما تواجه الحكومة وابلا من الانتقادات بسبب ادارتها للاقتصاد ، قال المتحدث باسم براون ان الاضطرابات الحالية ظاهرة عالمية نشأت في الاصل في الولايات المتحدة.

وتأتي هذه التصريحات في وقت انهت اسواق المال الآسيوية أمس جلساتها على انخفاض كبير بعدما سجلت خسائر جسيمة وسط مخاوف من انكماش اقتصاد الولايات المتحدة المستورد الرئيسي للسلع الآسيوية، وانعكاساته على الاقتصاد العالمي.

فقد اختتمت الأسهم اليابانية تعاملات أمس في بورصة طوكيو للأوراق المالية بتراجع كبير على خلفية المخاوف من تداعيات أزمة قطاع التمويل العقاري الأمريكي على السيولة النقدية في العالم.

تراجع مؤشر نيكي القياسي بمقدار 752.89 نقطة أي بنسبة 5.65% ليصل إلى 12573.05 نقطة وهو أدنى مستوى له منذ سبتمبر (أيلول) 2005. في الوقت نفسه تراجع مؤشر توبكس للاسهم الممتازة بمقدار 73.79 نقطة أي بنسبة 5.7% إلى 1219.95 نقطة وهو أدنى مستوى له منذ أغسطس (آب) 2005. من ناحية أخرى أبقى البنك المركزي الياباني اليوم على سعر الفائدة عند مستوى 0.5% دون تغيير. وعلى صعيد اسواق المال والصرف العالمية انخفض الدولار وفقا لبيانات رويترز الى 105.63 ين ليسجل أدنى مستوى منذ عامين ونصف العام. وبلغ انخفاض العملة الاميركية هذا الشهر نحو خمسة في المائة ويبدو أنها ستسجل أكبر هبوط شهري منذ عام 2001.

وانخفض اليورو الاوروبي الى 152.12 ين مسجلا أدنى مستوى منذ خمسة أشهر على نظام اي.بي.اس الالكتروني بينما هبط الجنيه الاسترليني الى 204.90 ين ليسجل أدنى مستوى منذ ابريل (نيسان) عام 2006.

وحول تأثيرات تطورات الاسواق العالمية على اقتصادات الخليج أكد قصي بن عبدالمحسن الخنيزي المحلل الاقتصادي أنه في الوقت الذي يوفر فيه الاندماج في الاقتصاد العالمي فرصاً للنمو ورفع معدلات الرفاه، فإنه في ذات الوقت يرفع من معدلات المخاطرة نتيجة للمخاطر النظامية العالمية وارتفاع معامل الارتباط مع العائد والمخاطرة في الأسواق العالمية. ودلل الخنيزي على ذلك بتأثر الأسواق الخليجية والعربية بصفة عامة بما حدث من هبوط في الأسواق العالمية، مفيدا أن أسواق الخليج أصبحت أكثر انكشافاً على الظروف الاقتصادية والأسواق المالية العالمية في ظل الترابط أو التأثر بهذه الأسواق سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر. إلا أنه أشار إلى أنه من المهم الإشارة إلى أن درجة التأثر بتباطؤ الاقتصاد الأميركي تتفاوت بالنسبة للشركات المدرجة في الأسواق الخليجية تبعاً لدرجة اعتمادها على دورة الأعمال العالمية ودورة أعمال الدول الصناعية. وأبان أن الشركات التي تعتمد على دورة الأعمال المحلية حتى وأن حدث تراجع جراء تباطؤ أو ركود الاقتصاد الأميركي فإنها ستظل في مستويات تدعم نمو دول الخليج، متطرقا إلى أن الفوائض المالية التي تراكمت لدى دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الماضية كفيلة بتحفيز الإنفاق الحكومي الذي سيدفع بعجلة النمو الاقتصادي الكلي ونمو الشركات المدرجة التي تعتمد على السوق المحلية. وذكر الخنيزي أن الاعتماد على دورة الاعمال الوطنية يعكس الثقة في الاقتصاد الوطني ومحركات نموه التي من الأرجح ألا تتأثر بمقدار يماثل تأثر الدول التي تعتمد اقتصادياتها على التصدير بشكل كبير كاليابان والصين وبعض دول جنوب شرق آسيا، التي تشكل السوق الأميركية المستورد الأول لصادراتها، موضحا أنها ستتأثر بصورة مباشرة بأي تباطؤ أو ركود تحدث في الاقتصاد الأميركي.

في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» قللت فانيسا روسي الخبيرة الباحثة في مشروع الاقتصاد الدولي بالمعهد الملكي للشؤون الدولية ( تشاتهام هاوس) في لندن من مخاطر التراجعات الحادة في الاسواق، أول من أمس، على الاقتصاد العالمي، رافضة مقولة أن الاخير دخل بالفعل في مرحلة كساد كما يحاجج البعض، مشيرة في هذا السياق الى معدلات النمو العالية التي حققتها الصين والهند عام 2007، و«حتى معدل النمو المقبل الذي سجلته الولايات المتحدة الاميركية»، كما أكدت.

وشددت روسي كذلك على رفضها لما يتردد من أنه «إذا عطست أميركا أصيب الاقتصاد العالمي بنزلة برد»، مؤكدة في هذا الصدد أنه برغم أهمية ووزن أميركا الاقتصادي في العالم فانه ليس بالضرورة أن يتضرر الجميع في الكرة الأرضية بأي هزة اقتصادية تلحق بها».

من جهته اتفق الخبير الياباني كوشي نوغوشي مع روسي على انه برغم أهمية أميركا مثلا بالنسبة لليابان وخاصة لصادراتها، فان العالم اصبح متعدد الاقطاب الاقتصادية. وأكد نوغوشي عبر الهاتف لـ«الشرق الأوسط» أن الهزة التي ضربت الاسواق العالمية ظاهرة ليست الاولى في الاقتصاد العالمي، وان الاخير سيتعافى منه وان تطلب ذلك بعض الوقت. الى ذلك القى الاضطراب الذي يعم اسواق المال والبورصات العالمية بظلاله ايضا على اسعار النفط العالمية حيث قالت منظمة أوبك أمس ان المخاوف المتزايدة من ركود اقتصادي في الولايات المتحدة تغلف التوقعات بالنسبة للطلب على نفط المنظمة هذا العام وان ارتفاع الاسعار قد يزيد من معاناة المستهلكين.

وقدرت أوبك في تقريرها الشهري عن سوق النفط أن الاقتصاد العالمي سينمو بنسبة 4.7 في المائة هذا العام انخفاضا من معدل النمو البالغ 5.3 في المائة العام الماضي. وقال التقرير انه «مع تزايد الدلائل على تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة في نهاية العام تضاعفت المخاوف من الركود».

وتوقعت المنظمة أن يزيد الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.3 مليون برميل يوميا دون تغيير عن تقديراتها السابقة وبانخفاض كبير عن بعض التقديرات الاخرى.

وتعد تقديرات المنظمة التي تضخ أكثر من ثلث النفط العالمي أكثر تشاؤما بشأن الطلب من تقديرات وكالة الطاقة الدولية التي خفضت الاسبوع الماضي تقديرها لنمو الطلب الى 1.98 مليون برميل في اليوم.