مصر تراهن على النموذج الماليزي لتطوير مناطقها الصناعية

يعتمد على التكنولوجيا والتكامل بين الكيانات بتنوع أحجامها

مصنع للألبسة في إحدى المناطق الصناعية المصرية («الشرق الأوسط»)
TT

بينما تسعى مصر إلى جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية والتوسع في إقامة العديد من المناطق الصناعية في مختلف أنحاء البلاد، اتجهت الحكومة إلى اقتباس عدد من النماذج الصناعية الخارجية التي تنوعت بين اليابانية والإيطالية، غير أنها آثرت اقتباس نموذج أحد نمور شرق آسيا الذي اعتمد بشكل كبير على نظرية التجمعات العنقودية والصناعات التكاملية لتطوير منظومته الصناعية والاقتصادية.

وأصر رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة المصري على أن يكون هذا الاقتباس من النموذج الماليزي الذي سيتم تطبيقه في المنطقة الصناعية التركية التي تم وضع حجر أساسها قبل عدة أيام في مدينة السادس من أكتوبر غرب العاصمة القاهرة باستثمارات تصل إلى نحو 2.5 مليار دولار بالاتفاق مع المستثمرين الأتراك والمطورين الصناعيين.

ويبدو أن اعتماد ماليزيا على المراكز التكنولوجية بشكل كبير في مناطقها الصناعية، فضلا عن الاعتماد على تكامل الصناعات كان بمثابة العامل الأكثر تأثيرا في لفت انتباه المسؤولين الحكوميين في مصر.

وقال الدكتور هاني بركات رئيس وحدة المراكز التكنولوجية بوزارة التجارة والصناعة، إن النموذج الماليزي في المناطق الصناعية يتميز بتوفير خدمات متقدمة مثل مراكز التكنولوجيا وشركات الشحن والعديد من الخدمات اللوجستية التي لها دور كبير في خلق حالة من التعاون المشترك بين المصانع بعضها البعض داخل المنطقة، كأن يتم تصدير المنتج لمصنع ما عن طريق استخدام خامات مصنع آخر في نفس المنطقة.

وأشار بركات إلى أن ماليزيا لها تجربة فريدة في تطبيق هذا النموذج، مضيفا أنه يعد الأقرب للنجاح في مصر لما يحققه من تكامل بين الصناعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة أيضا، مضيفا أن المناطق الصناعية الجديدة تشهد تطورا عبر تقديم الاهتمام بالبنية التكنولوجية على أهمية البنية التقليدية التي كانت تركز بالأساس علي الطرق والمباني وغيرها.

ومن جانبه، رأي حاتم سعفان ممثل مجلس زيت النخيل الماليزي في مصر (مجلس للترويج للصناعات الماليزية) صعوبة فصل نموذج التنمية الصناعية في ماليزيا عن تجربة التنمية الشاملة بها، موضحا أن المنظومة الاقتصادية والسياسية تتحرك في اتجاه إرساء تجربة خاصة بالماليزيين.

ودعى سعفان إلى أهمية استفادة مصر من التجربة الماليزية، لكن مع تطويرها وتكييفها وفقا لمتطلبات الاقتصاد المصري، محذرا من اصطدام تطبيق النموذج الماليزي بالبيروقراطية المصرية من أنظمة ضريبية وجمركية، مشيرا في الوقت نفسه إلى أهمية أن تتضمن المناطق الصناعية الجديدة إقامة مراكز لتدريب العمالة.

وتأتي المنطقة التركية ضمن 4 مناطق صناعية جديدة في مصر جميعها تم الاتفاق عليها وبدأ بعضها الدخول في حيز التنفيذ وتشمل هذه المناطق الأربعة، المنطقة الروسية المقرر إنشاؤها في مدينة برج العرب شمال مصر وتستقبل مشروعات لإنتاج وتجميع السيارات وأجزاء الطائرات إلى جانب تصنيع المعدات المتعلقة بإنتاج الطاقة والكهرباء.

والمنطقة الصينية التي ستقام في خليج السويس شرق مصر وتضم 150 مشروعا صينيا باستثمارات 2.5 مليار دولار في قطاعات الغزل والنسيج ومواسير الغاز، والبترول والسيارات ومكوناتها، والمنطقة الأردنية التي تركز على التنمية العقارية وتستهدف تطوير مليون و 99 ألف متر مربع تعادل 261 فدانا خلال 7 سنوات لإقامة 150 مصنعا بمنطقة زيزنيا بالعاشر من رمضان باستثمارات 2 مليار دولار. والمنطقة الصناعية التركية التي ستنفذ وفقا للنموذج الماليزي وبنظام المطور الصناعي تضم 300 مصنع كبير ومتوسط باستثمارات 2.5 مليار دولار.

وبدأت مصر في الاهتمام بإقامة العديد من المناطق الصناعية منذ العام 1991 الذي كان عدد المناطق حينها لا يتجاوز 26 منطقة، فيما وصل عدد هذه المناطق بنهاية العام 2006 نحو 90 منطقة تنتشر ما بين القاهرة الكبرى، والدلتا والإسكندرية شمال البلاد، والصعيد جنوبها وأقاليم القناة شرقها.

وبينما يسود الاهتمام بتطبيق النموذج الماليزي في التجمعات الصناعية الجديدة، أشار عمرو عسل رئيس هيئة التنمية الصناعية المصرية التابعة لوزارة التجارة والصناعة المصرية إلى أنه لن يتم نقل التجربة الماليزية وتطبيقها على المنطقة التركية بكامل تفاصيلها، موضحا أنه سيتم مراعاة توافقها مع طبيعة الصناعة كما يحدث مع نماذج عديدة.

وأوضح عسل أن النماذج الوافدة من تجارب الدول الأخرى لها من المرونة بما يتيح فرصا للأخذ بها، وتختلف وفقا للمرحلة التي تمر بها الصناعة المحلية، مؤكدا أن مصر سيكون لها النموذج الخاص بها عن طريق التطوير والتوطين والبدء من حيث انتهى الآخرون والاستفادة من تجارب الدول الأخرى.

وقال عسل إن اختيار النموذج الماليزي المقرر تطبيقه جاء نتاج لرؤية مشتركة لثلاثة أطراف وهي وزارة التجارة والصناعة المصرية والشريك الأجنبي والمطور الصناعي، مشيرا إلى أن مصر ستستفيد من قدرتها التنافسية في العديد من الصناعات كصناعة الآثاث والجلود والغزل والنسيج لتكون لها الأولوية بالمنطقة التركية خلال الثلاث سنوات المقبلة.

وأكد أن هناك فروقا في النماذج المطبقة بالمناطق الصناعية الأخرى في مصر وفقا لحاجة كل واحدة منها، موضحا أن التجربة اليابانية المطبقة في بعض المناطق الصناعية في مصر تستخدم نموذج مختلف يناسب الصناعات العملاقة، وكذلك الصين التي تأخذ بنموذج يعتمد على كثافة العمالة ومدى قدرة العامل الصيني على الإنتاج، والنموذج الإيطالي الذي يعتمد على الجودة المرتفعة في صناعة الأثاث والملابس الجاهزة.

ومن جانبه، أكد الدكتور علي الصعيدي وزير الصناعة الأسبق أهمية تطبيق النموذج الماليزي الذي يوفر الكثير من الجهد والوقت للمستثمرين في المناطق الصناعية من أجل الوفاء بالتزاماتهم وتعاقداتهم التصديرية، خاصة في ظل اعتماده على التكامل بين الكيانات واستخدام التكنولوجيا في التطبيقات، مشيرا إلى أن هذا النموذج هو الذي قامت عليه عمليات التخطيط الصناعي في فترة الخمسينات في مصر.

وأعرب الصعيدي عن ترحيبه بإقامة العديد من المناطق الصناعية، مؤكدا أن ذلك يقود الاقتصاد إلى فكرة التجمعات الصناعية والابتعاد عن العشوائية الصناعية، مضيفا أن حلم إقامة المناطق الصناعية ظل يراود العديد من الحكومات المصرية على مدى 20 عاما مضت والذي بدأت بتطبيقه عبر منح مزايا للمستثمرين والصناعيين، مشددا على أهمية التخطيط الصناعي من أجل تطوير الاقتصاد المحلي.