الصندوق السيادي له وعليه؟

سعود الأحمد

TT

يمكن الحديث عن الصندوق السيادي السعودي المزمع تكوينه، من خلال استعراض إيجابياته وسلبياته، من دون القفز برأي فني قاطع عن جدوى إنشائه. لأن من المنطقي أننا إذا استطعنا الاتفاق على حصر الإيجابيات والسلبيات، فإنه يصبح من السهل ترجيح أي منها، وبالتالي يسهل إبداء الرأي حول جدوى قيامه، من عدمه.

فقد سبقنا في هذا المجال هيئة أبو ظبي بصندوق بقيمة 875 مليار دولار وسنغافورة بـ330 مليار دولار والصين بـ 200مليار دولار والكويت بـ250 مليار دولار وصندوق الأجيال القادمة Future Generation Fund وهو الأقدم حيث تم إنشاؤه قبل 54 عاما. وترغب السعودية في تكوين صندوقها بقيمة ستة مليارات دولار (22.5 مليار ريال).

فمن إيجابيات هذه الصناديق، أنها تعمل على تنويع الأصول الاستثمارية للحكومة في أدوات ودول وبعملات مختلفة مما يقلل المخاطر ويزيد الربحية.

والصندوق السيادي مصدر أمان لدولة مثل السعودية، بالنظر إلى صعوبة التنبؤ بالمتغيرات المستقبلية لأسعار النفط. وفي ظل زيادة متطلبات التنمية الاقتصادية وارتفاع نسب النمو السكاني السعودي. إضافة إلى كونه يتيح الفرصة لاجتذاب المواهب والخبرات الفنية في المجالات الاستثمارية. وعلى الصعيد الدولي فهذه الصناديق توفر مصدراً للسيولة وضمان الاستقرار في الأسواق المالية العالمية. كما يمكن للصناديق السيادية أن تكون طرفاً صانعاً للسوق العالمي، ولتعمل على تحسين السيولة في الأسواق خاصة أن الصناديق السيادية لا تتحرك بتوجهات (القطيع) مثل الأشكال الأخرى للتدفقات المالية قصيرة الأجل. لكن بالمقابل، الدول الصناعية تخشى أن تصبح هذه الصناديق بمثابة قوى ضغط في أسواقها المالية. وأنها تعد عاملاً قوياً لتغيير التوازنات في أسواق البورصات العالمية. ومما يخاف منها، أنها لن تستهدف السندات وحدها بل ستشمل استثمارات رأسمالية أيضا. حيث يقول مايكل ولفولك، كبير محللي أسواق الصرف لدى بنك اوف نيويورك ميلون في نيويورك، هذا ما يحدث عندما يكون لدينا تراكم هائل في احتياطيات الصرف الأجنبي. مما يستوجب شفافية عالية، قد لا تتوافق مع طبيعة عمل هذه الصناديق. ومن جانب آخر يرى البعض أن الصندوق السيادي سيوظف رأسماله في أدوات الاستثمار الأجنبية لتعمل على تزايد ضخ الأموال في شركات غربية وآسيوية ومنها بالطبع المؤسسات المالية التي تكبدت خسائر من جراء أزمة الرهن العقاري الأميركية وغيرها.

وأكثر ما يقلق دول العالم الصناعي هو استغلال الصناديق السيادية لتشكيل قوى سياسية من قبل الدول المالكة لها، وأنها بمثابة أذرع لحكومات أجنبية ممدودة داخل أجسام اقتصادية تبدو مستقرة. حيث يستطيع ملاكها شراء أسهم الشركات العالمية الضخمة المختلطة conglomerate بالدول الصناعية وممارسة ضغوط لاختيار أعضاء مجالس إداراتها، إضافة إلى الخوف من نقل التقنيات الصناعية في الدول المتقدمة. وهو ما يؤثر على الأمن الوطني والسيادي لهذه الدول الصناعية National Security. لذلك تؤكد الدول الصناعية على أهمية تقنين مجالات استثمارات هذه الصناديق بالدول الصناعية، ووجوب توفير الشفافية لأهداف وأوجه وآليات استثماراتها. كما يتخوف العالم الصناعي من استغلال احتياطيات هذه الصناديق Hedge Fund من قبل دول النفط، بما يمكنها من فرض السعر الذي تريده بالأسواق العالمية. بتوظيف قدرتها على التوقف عن الإنتاج والصرف من مخزون احتياطياتها المالية بالصناديق السيادية. وقد كتب هنري سوندر مقالاً في «الفايننشال تايمز» بعنوان «للصناديق السيادية.. السكوت ربما لا يكون من ذهب دائماً».. اعتبر فيه الصناديق السيادية الملاذ الأول والأخير لتوفير المال للمؤسسات المالية المتعثرة في الولايات المتحدة. ليس لأنها تمتلك أموال هائلة فحسب، ولكن لأنها ضخمة، ومستسلمة، وصبورة. ويرى منتقدو هذه الصناديق أنها تناسب فقط اقتصاديات الدول الصغيرة المعرضة للاهتزازات. وهو ما لا ينطبق على اقتصاد السعودية، التي تملك استثمارات خارجية تقدر بـ 258 مليار دولار (967.5 مليار ريال) تديرها مؤسسة النقد العربي السعودي، وهو ما يعوض بشكل أو بآخر عن الصندوق السيادي.

وختاماً ... من الصعب الحكم على هذا الأمر.. لكن التفكير في بناء صندوق سيادي (وإن جاء متأخراً)، يبعث على الطمأنينة على مستقبل اقتصادنا ومستقبل الأجيال القادمة.

* محلل مالي سعودي [email protected]