نعيب زماننا والعيب فينا

سليمان محمد المنديل

TT

عندما تجتمع النخب المختلفة في جلساتها الخاصة، فمن الطبيعي أن تتطرق أحاديثها إلى الأوضاع السياسية المضطربة في المنطقة، ثم تعرّج على الأوضاع المحلية، وخصوصاً الاقتصادية منها (التضخم، البطالة، التعليم، البيروقراطية... إلخ). ولأن القطاع الحكومي يقود عملية التنمية الاقتصادية، بحكم إمتلاك الدولة لثروة النفط، وهي محرك الاقتصاد الرئيسي، لذلك يحظى القطاع الحكومي بحصة الأسد من النقد، واللوم، والتقريع، بسبب الانعطافات الاقتصادية الموجودة هنا وهناك.

الأسبوع الماضي نقل التلفزيون وقائع مقابلة خادم الحرمين الشريفين، مع الأطباء السعوديين، المسؤولين عن القطاع الطبي، ورغم أنني لست طبيباً، إلا أنني وجدت في اللقاء فرصة لتشخيص مرض، وخلل فينا كبير، واسمحوا لي أن أوضح:

بعد أن أنهى خادم الحرمين الشريفين كلمته، التي كانت تنضح بالعواطف، والحنو الأبوي الصادق، طلب الملك عبد الله أن يبدي الحاضرون ما يعنّ لهم، وأكد ذلك برفع يديه إلى الأعلى، وهن مبسوطتين، ولسان حاله يقول هيا، وهلمّوا إليّ بما لديكم، فكلّي آذان صاغية، وبعد عدد من المداخلات، التي لا يمكن أن أصفها إلا بأنها كانت باهتة، فإن خادم الحرمين الشريفين، وعندما لاحظ تلكؤ الحضور، كرر سؤالهم، إن لم تكن لديهم المزيد من الملاحظات، وكرر حركة يديه المعبرة عن رغبة صادقة بالاستماع إلى المزيد، واضطر الملك عبد الله أن يكرر ذلك النداء مرة ثالثة، ومع الأسف لم تتحسن المداخلات الباهتة، وحتى المطالبات جاءت على استحياء، بل أنني استغربت جداً أن يقوم صديقنا الدكتور محمد الكنهل، المسؤول الأول عن هيئة الغذاء والدواء، ويكيل المديح لمؤسسته الوليدة، وما تحقق، متناسياً أنفلونزا الطيور، ونفوق الإبل، وحمى الضنك، ومعاجين الاسنان المسرطنة... إلخ. أنا لا أحمّل الدكتور محمد هذه المشاكل، الموجودة قبل تأسيس هيئة الغذاء والدواء، ولكنني أتساءل، وطالما أن جميع الحضور من أطباء، هم ممن وصلوا إلى ما وصلوا إليه بجهدهم، وذكائهم، وتحصيلهم العلمي، فكيف فات عليهم أن يستفيدوا من فرصة لقاء خادم الحرمين الشريفين، ودعوته لهم بأن يُقدموا، ويطرحوا ما يحلو لهم من ملاحظات، حول قطاع هو الأهم في حياتنا، بجانب قطاع التعليم؟! إن أمام من حضر ذلك اللقاء فرصة تلقّف دعوة خادم الحرمين، بأن يأتيه تقرير مكتوب بملاحظاتهم، علّهم يتداركون ما حدث منهم من قصور، وان يكونوا أكثر جرأة، بعيداً عن الكاميرات، ولكن المشهد الذي حدث يدل، وينبئ عن قصور، وخلل كبير فينا، ومن المتوقع أن نعود إلى جلساتنا الخاصة، فنحلل الأحداث، بعد حدوثها، وننظّر، ونوزع التهم في كل الاتجاهات، إلا تجاه أنفسنا!