لعنة البترول والتجربة النرويجية

TT

أتيح لي مؤخراً الإطلاع على ملخص العرض الذي قدمه مستشار التنمية الاقتصادي، في مكتب رئيس الوزراء السنغافوري، فيليب يو، والذي عنونه بـ«لعنة البترول» وبدأه بسؤالين هامين: لماذا يصبح النمو الاقتصادي صعباً، بالنسبة للاقتصادات التي تعتمد على موارد طبيعية؟؟ وكيف تمكنت النرويج من تخطي تلك المعضلة؟؟

ويجيب المستشار على هذين السؤالين، على النحو التالي: بخصوص صعوبة النمو بالنسبة للاقتصادات التي تتوفر لها موارد طبيعية، مثل البترول، بالنسبة لنا في السعودية، فيذكر عدة عوامل، أهمها: أن المال الرخيص، يطرد المال الغالي، وأن الإيجار الاقتصادي، يطرد الأرباح الصناعية، وأن الإيجار الاقتصادي، يجعل الاقتصاد غير مستقر، وعرضة لتقلبات الأسعار، من خلال التضخم، وتذبذب العملة، وأن الاعتماد على الموارد الطبيعية، يجعل الاقتصاد كله عرضة للتقلبات، بين طفرة اقتصادية حادة، وانخفاضات شديدة أيضاً، وهو ما شاهدناه هنا في المملكة، إبتداءً من عام 1973، وحتى اليوم.

أو بتبسيط أكبر، فإن الاقتصادات التي تعتمد على موارد طبيعية، معّرضة للتراخي والكسل، ومن ثم لا تجتهد في تنويع مصادر دخلها، ولا تهتم بتطوير الإنسان، الذي هو محور التنمية، ولذلك وصف المستشار المورد الطبيعي، باللعنة.

وبعد ذلك يورد المستشار السنغافوري تجربة النرويج، وهي دولة نفطية، نحت منحى مختلفاً عن بقية الدول النفطية، وذلك باتخاذها قرار هام، بعدم الاعتماد على النفط لتمويل ميزانيتها، وجعلت همها هو محاربة التضخم، وأبقت إيرادات البترول في صندوق، لا تأخذ منه إلا ما يعادل 4% سنوياً، لدعم الميزانية، والباقي يستثمر للأجيال المقبلة، ولا يؤثر على الميزانية.

وفي نفس الوقت ركزت خطط التنمية النرويجية على التعليم، والتقنية، والتنمية الصناعية، وكانت نتيجة تلك السياسات الاقتصادية، أن انخفض اعتماد، وتأثر الاقتصاد النرويجي، بتقلبات أسعار النفط، وضُبط التضخم، وتكوّن إحتياطي نقدي كبير في صندوق النفط، وتحسّن مستوى القدرات البشرية، وتطّور القطاع الصناعي، وتكوّن قطاع خاص، منتج، ومنافس.

والخلاصة هي أن ما بدأ كلعنة، ونعني البترول، كان يمكن أن يقود إلى الكسل والتراخي، ولكن نتيجة وعي المسؤول النرويجي، فقد تحول إلى نعمة، وهنا نركز على أهمية دور المسؤول الحكومي، لتحقيق ما حققته الحكومة النرويجية.

درس آخر من التجربة النرويجية، هو أهمية دعم الصناعات الأساسية والتحويلية، شريطة أن يكون هناك أفق معلوم، ومحدد لذلك الدعم، حتى تقف الصناعات على قدميها، ومن ثم يزول الدعم. قد يقول قائل إن المقارنة غير عادلة بيننا وبين النرويج، حيث أن الله قد حبا النرويج بثروات أكثر منا، في حين أن ثروتنا الوحيدة هي البترول والغاز، وهذا صحيح، ولكن الفكر الاقتصادي الصائب، وراء القرار النرويجي، هو ما يجب أن نفكر به. لذلك أتمنى، ويتمنى غيري، أن يتوفر لدينا مثل ذلك الفكر الخلاّق، والعزيمة لتغيير المسار إلى الأفضل.

* اقتصادي سعودي [email protected]