عبد العزيز كامل أنهى خطط تطوير المنطقة التاريخية بجدة قبيل وفاته بساعات

رحيل عراب الربط بين التطوير العقاري والاجتماعي

TT

فقدت جدة السعودية يوم أمس أحد عشاقها الكبار، ابن مكة وعاشق عروس البحر الأحمر، مهندس التطوير العقاري وعراب الربط بين التنمية العقارية والتنمية الإنسانية، المهندس عبد العزيز كامل، عن عمر يناهز الـ 55، وبشكل مفاجئ شكل صدمة كبرى لشركائه ولأهالي جدة ومكة الذين علقوا عليه آمالاً كبيرة.

المهندس الراحل هو أحد المطورين العقاريين المعروفين الذي عرف عنه هوسه بالحضارة الإسلامية وبحثه العلمي المتواصل في تداخل العمران مع جميع مظاهر الحياة البشرية، وهو ما ألهمه ودفعه لتأليف كتاب في هذا السياق تحت عنوان خواطر في العمران، ظل طوال حياته يتنازعه حبه الكبير للعمل والإنجاز وحبه الأكبر لفعل الخير ومد يد المساعدة للفقراء، ليصل بعد نضجه لمرحلة يجمع فيها بين الأمرين ويؤكد في كل مرة يتولى فيها مشروعاً بأنه مطور إنساني يطور العقار ليعمره الإنسان.

المستشار القانوني، عدنان محمد حسن فقي، صديق طفولة للمهندس الراحل وزميله على مقاعد المدرسة الابتدائية، مدرسة الثغر النموذجية التي كانت محطة الراحل التعليمية الأولى إلى حين انتقاله مع عائلته إلى الرياض، والتحاقه بمعهد العاصمة، وصف صديقه الذي عاد إلى لقائه بعد 25 عاماً بصورة منتظمة في جلسة شهرية منتظمة يقيمها في كل مرة أحد أصدقاء الطفولة في داره، بأنه رجل خير وإحسان، خفيف الروح، لبق الحديث، وصاحب نكتة، وحاضر الذهن دائماً، واتحادي قلباً وقلباً بحكم الانتماء العائلي، وإن لم يكن ذلك الاتحادي المتعصب.

يلتقط أنفاسه ويتحدث بعيداً عن العمل ومشاغله وأسفاره الكثيرة، في ملتقى أصدقاء الطفولة، يحصر اهتمامه بأحوال أصدقائه ومسامرتهم، وحل مشاكلهم في نطاق عملهم ومشاكل أبنائهم، وإن كانت تفلت منه بين الحين والآخر عبارات تعكس هوسه الكبير بتطوير مدينة جدة ومكة وإعادة تخطيطها بالطريقة التي ترضيه. ويقول فقي المكلوم بفقدان صديقه، إن الراحل كان شديد الحرص على مكة وتطويرها والاهتمام بها ولم تكن مكة تغيب عن لسانه أبداً وكانت شغله الشاغل، وإنجازاته التي تمت في فترة قصيرة تعد شاهد إثبات على حبه الكبير لهذه المدينة.

رئيس القسم الهندسي بشركة التطوير العمراني، المهندس هاني عزاية، بدوره تحدث بنبرة ذاهلة عن «مدى جدية كامل وحرصه على العمل، خاصة أنه كان يعمل معه طوال الـ 48 ساعة الأخيرة من حياته وبشكل مكثف لعرض كامل حول أهم ثلاثة مشروعات كان يقوم بتنفيذها، وهي مشروع تطوير الملك عبد العزيز بمكة أو الطريق الموازي، ومشروع المخطط الاستراتيجي في مكة، ومشروع وسط البلد، والتي كان من المفترض أن يقوم بعرضها بعد الانتهاء منها على الهيئة التأسيسية وأمير منطقة مكة المكرمة، الأمير خالد الفيصل خلال هذا الأسبوع».

وتابع «هذه المشروعات استحوذت على كل أوقات الراحل في الشهر المنصرم وكان يعمل يومياً لأكثر من 18 ساعة، وهو تقريباً أنهى وضع الخطط لكافة هذه المشروعات ودراستها لكن أجله لم يسعفه ليراها تتحقق على أرض الواقع، وبرغم الفراغ الكبير الذي تسبب به رحيله إلا أننا سنحاول إنهاء هذه المشروعات بروحه نفسها، وبإخلاصه وتفانيه».

مساعد أمين جدة للتخطيط المحلي والتطوير الحضري، الدكتور عبد القادر أمير الذي تعرف على كامل عن كثب قبل 3 سنوات بعد توقيع عدد من العقود بين شركة كامل المطورة، وبين أمانة جدة، وصف شخصية الراحل بـ«الفريدة». وأكد أنه يتميز عن غيره من المطورين العقاريين بكونه صاحب نشاطات عديدة ومتنوعة وينفرد عن غيره من المطورين بفكر وطني خلاق، على الرغم من كونه مستثمرا في نهاية المطاف وأن أفكار المستثمرين التطويرية ذات أبعاد اقتصادية إلا أنه تميز عنهم بحسه الوطني العميق والأفكار الخلاقة التي تطمح لتأصيل التراث وإضافة قيمة مضافة إليه تجعل التطوير العقاري يشمل التطوير الاجتماعي والتنمية المستدامة في المناطق التي يتولى تطويرها. ولفت أمير إلى أن الفقيد كان شغوفاً بوضع لمسة إسلامية وباستلهام فرادة العمارة الإسلامية في كل مشروعاته الكبرى التي يرتبط بها مع أمانة جدة وكانت لديه مبادرات عظيمة في تطوير عدة مناطق من جدة من ضمنها مشروعه الكبير في تطوير منطقة وسط البلد أو المنطقة التاريخية ومنطقة خزام، والذي استعان فيه بأشهر المكاتب العالمية وكان يعمل ساعات طويلة، كما أنه لم يكن يهدف إلى المكسب المادي بقدر هدفه إلى إضافة بعد عمراني واقتصادي متطور لجدة، أما في خارج جدة، فمن أبرز ارتباطاته تطوير المخطط العام لمدينة أبها، ومكة.

السمعة الناصعة التي حازها عبد العزيز كامل في مجال التطوير العقاري، وأعماله الكثيرة لم تكن نتيجة رؤية استثمارية وهوس بالمكاسب أو شغف بالمجد يسكن مخيلة المهندس، إنما كانت مسؤولية اضطر إلى تحملها في كثير من الأحيان نتيجة إيمان صناع القرار بفكره العمراني الرائد، ووطنيته وجهده الصادق، وهو ما كان يجعل أمانة جدة تبحث عنه وتبادر هي ليتسلم مشروعاتها التطويرية، كما أكد ذلك المهندس عبد القادر أمير.