«التمويل الدولي» يستبعد تأثر دول الخليج باحتمال كساد الاقتصاد الأميركي

توقع نمو الناتج المحلي للمنطقة إلى 900 مليار دولار خلال العام الجاري

أكرمان أثناء إلقائه كلمته في دبي («الشرق الأوسط»)
TT

استبعد معهد التمويل الدولي ان تتأثر اقتصاديات الخليج في حال انزلقت الولايات المتحدة الأميركية إلى فترة كساد، أو تراجعت أسعار النفط عن مستوياتها الحالية.

وقال رئيس المعهد، الدكتور جوزيف أكرمان الذي يشغل ايضا منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس اللجنة التنفيذية لمجموعة «دويتشه بنك» المصرفية الألمانية، إن تأثير ذلك سيكون خفيفاً بسبب الأعداد الكبيرة لمشاريع البنية التحتية التي يجري العمل على تنفيذها حالياً أو المخطط لها في دول مجلس التعاون الخليجي. وتابع في كلمة القاها مساء أول من أمس في الدورة الحادية عشرة لاجتماع الرؤساء التنفيذيين في القطاع المصرفي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدبي «هذا سيوفر أسساً متينة لنمو قوي على مدى سنوات مقبلة في عدد من القطاعات، بما فيها الطاقة والبتروكيماويات، والعقارات، والتجارة، والخدمات المالية، والسياحة».

وتوقع اكرمان أن يسجل القطاع غير النفطي في دول الخليج نمواً اسمياً بنحو 14 في المائة خلال العام الحالي، وهي نسبة مماثلة للنمو المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة لعام 2008، والذي سيتضاعف بأكثر من مرة واحدة إلى 900 مليار دولار مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي لعام 2003. وقال «ان القطاع المالي اصبح في هذا السياق مصدراً مهماً للنمو في هذه المنطقة، فالنظام المصرفي في دول مجلس التعاون الخليجي يتسم بالرسوخ ويبدو أنه تجاوز بسهولة التصحيحات التي شهدتها أسواق الأسهم المحلية في المنطقة خلال عام 2006، وتتجلى قوة الأنظمة المالية الخليجية من خلال وفرة السيولة، وارتفاع القيمة السوقية، والربحية الجيدة، والدور الإشرافي المتنامي للسلطات المعنية». واشار اكرمان الى ان قطاع الخدمات المالية والمصرفية الإسلامية يسهم في تنويع مصادر التمويل، حيث أن المراكز المالية الإسلامية في دبي والبحرين مستمرة في تطورها، وكذلك الخدمات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، إذ تشهد سوق الصكوك الإسلامية نمواً غير مسبوق. ودعا معهد التمويل الدولي دول الخليج الى إصلاح ما وصفه ببعض القضايا الهيكلية التي تعاني منها اقتصادياتها المعتمدة على النفط لتجنب الآثار السلبية لهذه المشكلات على مستقبلها.

وقال رئيس المعهد ان منطقة الخليج لا تزال رغم الازدهار الذي تعيشه حاليا بحاجة إلى حل بعض القضايا الهيكلية، مثل الأنظمة التعليمية التي تحتاج إلى التحديث وتغيير توجهاتها بما يلبي احتياجات سوق العمل ويخفض معدلات البطالة، خاصة بين الخريجين، يضاف إلى ذلك أن معايير حوكمة الشركات ليست بالقوة المطلوبة. وتشير الاحصاءات الى ان معدلات البطالة بين مواطني دول المنطقة تتراوح بين 7 و15% على الرغم من ارتفاع عدد فرص العمل التي تطرح سنويا نتيجة تنامي الاعمال. وقال أكرمان ان جميع دول الخليج تعيش اليوم ازدهاراً اقتصادياً لا مثيل له، تدعمه أسعار النفط المستمرة في صعودها، علماً أن الحوافز الاقتصادية تتجاوز مسألة النفط في ظل الارتفاع القياسي لمستوى ثقة واستثمارات القطاع الخاص. واعتبر رئيس المعهد ان التجارة الإقليمية تمثل محركاً مهماً آخر للنمو في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. وستفتح «السوق الخليجية المشتركة» التي أطلقتها دول المجلس مطلع العام الجاري 2008 مجالات أوسع للتبادل التجاري والأنشطة الاستثمارية بين هذه االدول. وقال «بغض النظر عما إذا كانت السوق المشتركة ستمهد أم لا لولادة العملة الخليجية الموحدة المقررة في عام 2010، فإن العملية المستمرة تبشر بزيادة التبادل التجاري البيني وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى المنطقة». وذكر ان ظاهرة التضخم في دول الخليج تثير مخاوف متزايدة لدى المراقبين، مرجعا تضخم الأسعار بشكل رئيسي إلى ضعف الدولار الأميركي وطفرة الائتمان، بالإضافة إلى نقص المعروض، وخاصة في قطاع العقارات والإسكان، مشيرا الى انه في ظل نمو أعداد أبناء الجاليات بما لا يقل عن 7 في المائة سنوياً، ومع الازدهار المستمر للأعمال في دبي، فإنه ليس مستغرباً أن يبقى العرض في قطاع السكن، والعقارات عموماً، في سعيه الدائم لمجاراة النمو المطرد في الطلب. وقال أكرمان ان السياسة النقدية في بعض دول مجلس التعاون الخليجي حاولت أن توقف كلياً الزيادة السريعة في الائتمان والتخفيف من ضغوط الضخم. وفي ضوء تلك الضغوط واحتمال حلحلة نقدية جديدة في الولايات المتحدة، ستبقى السلطات النقدية أمام تحد كبيرة، ألا وهو أن السياسة النقدية في معظم دول الخليج قد تضطر إلى الموازنة بين الإبقاء على ارتباطها بالدولار. وزاد أن ذلك العامل ساهم حتى الآن في استقرار الاقتصاد الكلي، والمحافظة على الاستقرار النقدي، مشيرا الى ان الحوار الدائر حاليا في العديد من دول الخليج حول مستقبل أنظمة سعر الصرف، وإمكانية استمرار ربط العملات الخليجية بالدولار، والعملة الموحدة سيسفر عن قرارات تأخذ في الحسبان الأهداف والظروف الخاصة لكل بلد. وفيما بلغت حصة دول الخليج العربية حوالي 40 في المائة من إجمالي الصادرات النفطية العالمية، رأى اكرمان ان دول الست تعمل بجدية تامة على تعزيز طاقتها الإنتاجية، إلا أن شركات إنتاج النفط الوطنية تواجه عقبات على صعيد التنفيذ لأنها تسعى في الوقت ذاته إلى تلبية الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي من قبل اقتصاداتها المزدهرة. ونوه رئيس المعهد بالأهمية الكبرى لدول الخليج بالنسبة لاستقرار النظام المالي العالمي، حيث تظهر أبحاث المعهد أن إجمالي صافي الأصول الأجنبية للقطاعين العام والخاص في دول مجلس التعاون الخليجي الست بلغ 1.8 تريليون دولار بنهاية 2007، متوقعا أن يرتفع هذا الرقم إلى تريليوني دولار بنهاية العام الحالي. ويدار الجزء الأكبر من هذه الأصول من قبل مؤسسات حكومية على شكل صناديق تقاعدية أو «مقدرات أجيال»، في الوقت الذي تعزز فيه الأصول احتياطي المصارف المركزية. وقد ساهم توزع هذه الأصول في الحد من اختلال موازين المدفوعات العالمية من خلال تغذية الطلب على الأصول بالدولار الأميركي، ومؤخراً من خلال تقديم التمويل إلى مؤسسات مالية في الاقتصادات المتقدمة. وقال اكرمان ان أنشطة احتياطي العملات وصناديق إدارة الثروات قد تكون سببت ضائقة في بعض أرباع السنة المالية حيث ارجع البعض هذا الضيق في جانب منه إلى الافتقار إلى المعلومات العامة بشأن الاستراتيجيات الاستثمارية للصناديق والترتيبات الحكومية.

وتابع قائلا ان الخطوات الأولية التي اتخذتها بعض الصناديق السيادية لإدارة الثروات لزيادة الإفصاح عن استثماراتها واستراتيجياتها الاستثمارية هي خطوة تلقى ترحيبا بالتالي. وكانت الدول المتلقية أعربت عن مخاوفها بشأن تحرير القطاعات الاستراتيجية أمام حكومات أجنبية، الا ان أكرمان اشار الى ان هذه المسألة لا تقتصر على الصناديق السيادية في هذه المنطقة، بل تشمل أيضاً مناطق أخرى قامت فيها الحكومات بتجميع احتياطيات كبيرة وخصصت أجزاء منها لتنويع الأوعية الاستثمارية.