العراق: بنوك خليجية وتركية وإيرانية تدخل في شراكات مع مصارف محلية

تخوفات كبيرة من المصارف الأهلية والحكومية في مجال الاستثمار

المصارف الأهلية في العراق شهدت توسعا كبيرا خلال السنوات الأربع الماضية («الشرق الاوسط»)
TT

أكد المدير المفوض لمصرف الشمال صلاح الفخري أن عدد المصارف الأهلية في العراق شهدت توسعا كبيرا خلال السنوات الأربع الماضية، خاصة ان اغلبها دخلت في شراكات مع بنوك ومصارف خليجية وأجنبية ساهم في تنشيط القطاع المصرفي بشكل عام.

وقال الفخري في لقاء مع «الشرق الأوسط» إن عدد المصارف ارتفع من 12 مصرفا قبل العام 2003 ليصبح 28 مصرفا آخرها تأسس قبل أسابيع وهناك طلبات تأسيس كثيرة تقدم للبنك المركزي العراقي بهذا الصدد، فيما بلغت المصارف الإسلامية عشرة مصارف. وبين الفخري، أما تلك التي عقدت شراكات مع مصارف غير عراقية فكانت مع مصارف بحرينية مثل الوطني الإسلامي والتعاون الإقليمي والمؤسسة العربية البحرينية والمصرف الزراعي التركي وبنك مجلس إيران وبيبولوس اللبناني والأهلي الكويتي، فيما استمرت بنوك عربية وأجنبية كثيرة بتقديم طلبات المشاركة مع مصارف عراقية وقريبا سيتم الإعلان عن موافقة كثير منها. وعن أسباب توجه رؤوس الأموال العربية والأجنبية للقطاع المصرفي العراقي وعزوفها عن الدخول في قطاعات اقتصادية أخرى، أوضح المدير المفوض، أن أي نشاط اقتصادي استثماري أن كان محليا أو أجنبيا يجب أن يبدأ بالقطاع المصرفي كونه أداة رئيسية من أدوات الاستثمار، كما أن أي علاقات استثمارية تنشأ بين العراق ودول الخليج ودول عربية وأجنبية أخرى تبدأ من خلال البنوك. وأوضح: «ان العراق يعد من البلدان التي انغلقت على أنفسها اقتصاديا طيلة العقود الماضية وكانت هناك سياسات اشتراكية وتوجه للقطاع العام وإهمال الخاص، وبعد الانفتاح نجد أن أصحاب رؤوس الأموال من غير العراقيين ليس لديه تصورات عن طبيعة وحجم الاستثمارات المتاحة أمامه، إضافة إلى تخوفه من الدخول بشكل مباشر وهذا طبيعة رأس المال الذي يتصف بالخوف، لكنها ستكون أكثر آمانا مع المؤسسات المالية فنحن نعمل بالداخل وعلى دراية بكافة تفاصيل النشاطات الاقتصادية والتجارية للبلد وهذا سيشجع البنوك غير العراقية وحتى المستثمرين من الدخول عبرنا للسوق العراقية، وهذا ما حدث فعلا».

وأكد انه وحتى في سوق التداول تجد أن توجهات المضاربين تكون على القطاع المصرفي، فهو الأسرع في تنشيط ونمو القطاعات الأخرى، كما أن اغلب أعمالنا الحالية تتركز على تجميع الادخار ومن ثم توزيعها على القطاعات الأخرى من خلال قنوات استثمارية، وصفها الفخري بالمحدودة حاليا في العراق لأسباب عديدة من أهمها خطورة ضخ أموال في ظل أوضاع غير مستقرة نسبيا، خاصة أن الأرصدة في البنوك هي ليست ملك المصرف بقدر ما هي أمانات لمدخرين يجب الحفاظ عليها ومراعاة جانب الحذر في التعامل بها. وتابع في هذا السياق بالقول: كما أن القوانين العراقية المعنية بهذا الصدد ما زالت غير مفعلة، وحجم الفساد المستشري في كافة دوائر الدولة هو عامل مهم أيضا في تحفظنا على منح القروض فمن السهل الآن جلب مستمسكات مزورة توهم البنوك بان المتقدم يملك عقارات ضامنة أو رهن عقار مزيف أصلا، هذا إضافة إلى المحاذير الجديدة التي طرأت على طبيعة العلاقات الاقتصادية بين العراق ومختلف دول العالم. كما قلنا إن العراق كان محصورا ضمن حدوده طيلة عقود من الزمن وانفتاحه جعله على تماس مباشر مع مشاكل عالمية من أهمها غسيل الأموال والتهريب وأموال ناجمة عن نشاطات غير قانونية كالمخدرات وغيرها وقلة خبرة مصارفنا بهذا الصدد لعب دورا في الحد من توسيع علاقتنا مع العالم وهنا تقتصر تعاملاتنا المالية مع المصارف المعروفة والمؤمنة دوليا خوفا من الوقوع في مصيدة غسيل الأموال». وكقوانين عراقية ذات صلة بهذا الأمر أكد المدير أن البنك المركزي العراقي قام ومنذ العام 2004 بأعداد قانون صارم بشأن مشاكل غسيل الأموال وهناك جهة رقابية على جميع المصارف تتابع عملها بشكل يومي، وإلزام جميع المصارف الأهلية بوضع 25% من السيولة كأمانات داخل البنك المركزي خوفا من عمليات بهذا الصدد أو إغلاق مصرف أهلي والهروب بالأموال فعلى الأقل تكون هناك نسبة مالية يستطيع البنك أن يستند عليها أمام جمهور المستثمرين والمدخرين. وبشأن وجود مؤسسات باشرت عمليات إقراض ضخمة جدا منذ العام 2004 ولحد الآن أوضح أن جميع المؤسسات المالية مستمرة بعمليات الإقراض وان كانت محدودة لكن بعض الجهات مثل شركة الكفالات العراقية والتي تدعم من قبل الوكالة الأميركية لشؤون الاستثمار شرعت بتقديم قروض صناعية كبيرة جدا مقابل ضمانات كبيرة وأيضا نسب فائدة عالية تصل إلى 22%، ومثل هذه القروض لا تستطيع المصارف الأهلية تقديمها رغم السيولة النقدية الكبيرة التي تحتفظ بها.

وبشأن التوجهات التي يسعى قطاع المال العراقي لتحقيقها بين أن توجهات مؤسسات المال العربية والعالمية تسعى جميعها للاستثمار داخل بلدانها وخارجها ولهذا ترى عمليات دمج المصارف وإبرام عقود الشراكات مستمرة فيما بينها، والاتجاه المصرفي العراقي الآن أيضا ينصب على نفس تحقيق ذات الأهداف فهناك مساع لزيادة رأسمال المصارف من خلال مشاركة مؤسسات مالية عربية وأجنبية وهناك دراسات اقتصادية لتحديد الجدوى الاقتصادية من الاستثمارات الأجنبية وقدرة قطاعاتنا على تحمل واستقبال رؤوس الأموال. من جهته أكد مدير احد المصارف الحكومية بقاء الأساليب التقليدية في التعاملات المصرفية، أن العراق كان من طليعة الدول العربية التي اهتمت بتحديث مؤسساتها المالية والمصرفية وفي عام 1963 قمنا بتدريب المصارف الأردنية على كيفية التعامل الآلي، لكن الظروف التي عاشها البلد حالت دون استمرار مواكبة التطورات الحالية، فالعراق الآن هو من الدول التي لم تطبق ابسط التعاملات الحديثة مثل الصراف الآلي والبنك المتنقل والإيداع الالكتروني والصراف الآلي وبطاقة الفيزا وغيرها الكثير.

لكن بوادر التعامل بمثل هذه الآليات بدأت مؤخرا فهناك مصارف أهلية أخذت على عاتقها تطبيق بعضها مثل الفيزا كارت والصراف الآلي وان كانت عملية تقبلها من الشارع محدودة بل تكاد معدومة في بعض الحالات ألا المستقبل كفيل بنشاطها، لكن أيضا بتحديدات قانونية فمثلا الفيزا كارت لا يتعامل بها المواطن العراقي ولا المؤسسات التجارية محليا، وهنا قد يلجا العراقي للحصول عليها واستخدامها خارج العراق وهي أيضا مشمولة بقرارات البنك المركزي أي أن أي مواطن لا يحق له وضع رصيد فيها أكثر من 10 آلاف دولار والسفر للخارج حالها حال المبالغ النقدية. وعن طبيعة عمل المصارف الأهلية العراقية أوضح مدير المصرف الذي فضل عدم الكشف عن هويته، انه وللأسف نجد بنوكنا الأهلية تختلف في هيكليتها وتعاملاتها مع نظيراتها العربية والأجنبية فجميعها تدار من قبل عائلات ثرية، ورغم أن العربية والأجنبية قد تدار بنفس الطريقة لكن ليس كما ترجمته هذه العائلات العراقية فهي تعتبر أن المصرف هو ملك لها وأي موظف بداخله ليس له أي حقوق ويعدونه عامل لديهم لكن في الخارج نرى العكس تماما فهي مؤسسات شبه عامة وان كانت مملوكه من قبل عائلة وهناك ضمانات للموظفين وحقوق وغيرها، كما أنها لا تدار من قبل شخص واحد بل عبر مؤسسات إدارية ومستشارين يعودون عليها بالفائدة، ولهذا نجد حجم المخالفات نادرا ما تحصل فيها. وعن توجهات رؤوس الأموال غير العراقية داخل سوق بغداد أوضح عبد الرزاق السعدي رئيس هيئة الأوراق المالية أن حجم الاستثمار العربي والأجنبي يتجه صعودا داخل السوق العراقية، وهناك رغبة حقيقية نجدها عند المستثمرين العرب والأجانب باستثمار أموالهم هنا. وأضاف السعدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بان التقرير النهائي لهيئة الأوراق المالية والخاص بالتداول في سوق العراق للأوراق المالية لعام 2007 ومع إجراء المقارنات مع حركة التداول لعام 2006 يكشف ارتفاع حجم التداول الأجنبي.

ومنذ بداية شهر اغسطس (آب) من العام الماضي بلغ حجم التداول ما يقرب 17 مليار دينار أي بنسبة 4% من أجمالي حجم التداول في حين بلغ عدد الأسهم المتداولة لعام 2007 ما يقرب 7 مليارات سهم بينما بلغ عدد العقود المنفذة 377 عقدا لعام 2007 وعدد الشركات التي تداول أسهمها مستثمرين غير عراقيين خلال السنه نفسها 40 شركة موزعين على القطاعات كافة المصرفية والاستثمارية والصناعية والسياحية والزراعية والخدمات، وبين التقرير أن القطاع المصرفي احتل المركز الأول في التداول لغير العراقيين. مصدر اقتصادي رفيع المستوى أوضح من جانبه وبشأن عدد الشركات العربية والأجنبية العاملة الآن في العراق، أن هناك شركات كثيرة تعمل بالعراق ليس الآن بل منذ سنوات طويلة وقسم منها تابع لدول وليس شركات أهلية مثل شركة (اكاي) لصناعة الأدوية والتي تقع في محيط بغداد وهي من الشركات الضخمة جدا وتدار حاليا من قبل وزارة الخارجية العراقية لأنها مملوكة أصلا من خمس دول عربية، وهي تتولى توزيع عوائدها على تلك الدول، وهناك أيضا الشركة (العربية) للثروة الحيوانية وتملك أربعة فروع في العراق وتدار من قبل وزارة الزراعة لكن بهيئة منفصلة لكون عائديتها عربية مشتركة من سبع دول، أما التجارية والمالية والزراعية التي تعود لشركات عربية وأجنبية خاصة فهي كثيرة وبحسب نوع الاستثمار والأشراف عليها يكون عبر دائرة تسجيل الشركات التابعة لوزارة التجارة في حال كونها تجارية والبنك المركزي إذ كانت مصرفية والصناعة وهكذا.

وأضاف أن دائرة تسجيل الشركات قامت مؤخرا بتدقيق الحسابات الختامية للشركات الوطنية للسنوات من 2002 إلى 2006 البالغة 257 شركة بالإضافة إلى تدقيق الحسابات الختامية للمركز الرئيسي للشركات الأجنبية والبالغة 8 و3 فروع لشركة أجنبية ودمج حسابات 20 ودراسة قرارات زيادة رؤوس أموالها 3 شركة.

وأكد أن هناك طلبات عديدة تقدمت بها شركات عربية وأجنبية للعمل داخل العراق وهي بانتظار تسجيلها، خاصة ان قانون الاستثمار الجديد فتح الأبواب واسعا أمام هذه المؤسسات للعمل بحرية داخل العراق، وان جميع المؤشرات تؤكد أن أي نشاط يقدم عليه المستثمر تكون فيه نسب الربحية عالية جدا لأسباب كثيرة منها السوق العراقي المتعطش للاستهلاك والقدرة المالية العالية ومحدودية القدرة الإنتاجية بعد التحول من القطاع العام للخاص والموارد والمزايا التي يتمتع بها البلد من رخص الأيدي العاملة وتوفر المواد الأولية وسهولة النقل وغيرها، متوقعا أن يكون التدفق لهذه الأموال كبيرا جدا بعد أن يتم انجاز تعليمات قانون الاستثمار الجديد.