محللون يتكهنون بانفصام عرى العلاقة بين الدولار والنفط قريبا

ارتفاع قيمة العملة الخضراء من شأنه وقف زيادة أسعار الذهب الأسود > الهزات التي يتعرض لها الدولار لها ارتدادات في كل أنحاء العالم

TT

دفع هبوط الدولار الى مستويات قياسية أسعار النفط الى الارتفاع الى مستويات جديدة أول من أمس، لكن المحللين يقولون ان هذه العلاقة قد تنفصم عراها قريبا.

وبلغ الخام الأمريكي في المعاملات الآجلة ذروة جديدة عند 102.08 دولار للبرميل امس ليقترب بشدة من الذروة التي سجلها عام 1980 اذا احتسب التضخم وهي 53.102 دولار.

وفي الوقت نفسه هبط الدولار الى مستوى قياسي أمام سلة من العملات واليورو بعد أن عززت بيانات امريكية الاعتقاد بأن أسعار الفائدة الامريكية في طريقها لمزيد من الانخفاض، حيث اشار بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الاميركي) الى استعداده لخفض أسعار الفائدة مرة أخرى.

وعلى النقيض، وجد اليورو دعما في تصريحات اكسل ويبر عضو مجلس المحافظين في البنك المركزي الاوروبي الذي قال أول من أمس، ان توقعات السوق بتحرك المركزي الاوروبي لخفض الفائدة لم تأخذ في الاعتبار مخاطر ارتفاع التضخم.

وارتفع اليورو أول من امس الى مستوى قياسي جديد مقابل الدولار حيث اخترق حاجز 1.50 دولار مقارنة مع اقل من 1.48 دولار يوم الاثنين. لكن يبدو أن المستثمرين توقفوا أمس لالتقاط أنفاسهم بعد اجتياز حاجز نفسي مهم.

ونقلت رويترز عن ديريك هافبني الاقتصادي في بي.تي.ام-يو.اف.جيه قوله «لقد شهدنا للتو اندفاعا كبيرا والآن تحتاج الاسواق حتما للتوقف برهة وترسيخ اقدامها، الا ان أي توقف سيكون قصيرا لان اختراق هذه المستويات يحفز على اختراق المزيد».

من جهته يقول ريتشارد باتي من شركة ستاندرد لايف «من الناحية الجوهرية أدت تخفيضات أسعار الفائدة الامريكية الى اطلاق العنان لاسعار السلع الاولية».

ويجتمع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الامريكي) مرة اخرى في مارس (آذار). ويقول محللون ان الاجتماع قد يتمخض عنه خفض آخر في الفائدة.

ومن شأن هذا أن يؤدي الى ابتعاد المستثمرين بشكل أكبر عن العملة الامريكية ويجعل الاصول المقومة بالدولار مثل النفط رخيصة نسبيا للمستثمرين الماليين.

كما أنه قد يقلص دخل الدول المنتجة للنفط مما يعزز احتمال أن تسعى الدول الاعضاء في اوبك الى الابقاء على الاسعار مرتفعة من خلال خفض مستويات الانتاج.

لكن اذا حل الكساد فقد يعود المستثمرون الماليون الى الدولار الذي لايزال يعتبر العملة العالمية ويراه كثيرون ملاذا أكثر أمنا من السلع الاولية التي قد تسقط ضحية لتراجع الطلب.

وقال باتي «اذا تباطأ الاقتصاد الامريكي فقد يتراجع الدولار ولكن اذا دخل الاقتصاد في مرحلة كساد فسيجد الدولار دعما مع تنامي عزوف المستثمرين الدوليين عن الاقدام على المخاطرة».

ومن شأن ارتفاع الدولار أن يوقف ارتفاع أسعار النفط، ويقول كثير من المحللين: انه من المستبعد للغاية أن تنهار أسعار الخام.

ويقول مارك ماتياس من مؤسسة داوني داي كوانتم لادارة الصناديق الاستثمارية «العلاقة المتبادلة بين قوة الدولار وأسعار السلع الاولية واضحة تماما. فاذا ما ارتفع الدولار فسيخلق هذا فترة استقرار أطول (للنفط) في حدود التسعين دولارا أو 105 دولارات أي انه سيبطئ تصاعد أسعار النفط».

ويتكهن ماتياس بأن العلاقة الوطيدة بين سعر النفط وقوى العرض والطلب ستكون سببا لمواصلة الشراء مما يرفع النفط الى الحاجز السعري التالي عند 110 دولارات للبرميل.

وسيشعر بعض المستهلكين بوطأة ارتفاع أسعار السلع الاولية حتى عند حسابها بعملات اقوى من الدولار.

لكن ماتياس يقول: ان كسادا اقتصاديا تقوده الولايات المتحدة لن يكون له تأثير ملموس على الطلب في موجة ارتفاع تقودها أساسا الاقتصادات الآسيوية.

ويضيف «نمو الطلب على النفط يشبه قطارا منطلقا في مساره. فهو لن يتوقف... والصين والهند في مرحلة تحول الى التصنيع... لذا فقد خرج المارد من القمقم».

وبحساب الدولار فقد ارتفع النفط 6.3 بالمئة منذ نهاية العام الماضي مقارنة مع 3.4 بالمئة عند حسابه باليورو.

وفي حالة بعض السلع الاولية الاخرى كان تأثير العملة أقل.

فقد ارتفع الذهب في المعاملات الفورية عند حسابه بالدولار أكثر من 15 بالمئة هذا العام في حين زاد 13 بالمئة عند حسابه باليورو.

ويغذي ارتفاع تكلفة المواد الخام التضخم ولكن هذا يعني ايضا أن المواد الخام تبلي بلاء حسنا عند هبوط أصول أخرى مما يجعلها مفيدة في تحقيق التوازن في المحافظ الاستثمارية.

وقال ماتياس ان رغبة الولايات المتحدة في تقييد التضخم ستسهم في ابقاء اسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة مما قد يحد من أي انتعاش للدولار. واذا ما نجحت الفائدة المنخفضة في تحفيز انتعاش الاقتصاد الامريكي فسيدفع هذا أسعار النفط للارتفاع وان كان قد يحد من موجة المضاربة التي اجتذبها النفط مع تعثر أسواق اخرى. من جانبه يقول كولن مورتون من شركة رنسبرج البريطانية التي تدير اصولا حجمها 1.5 مليار دولار «قد ترون عودة الى الاسهم والاوراق المالية».

من جهة أخرى يرى محللون ان السلطات في الاسواق الناشئة ستضطر للسماح لعملاتها بالارتفاع بقدر أكبر للحد من التضخم المتزايد على المستوى العالمي بدلا من الاكتفاء بزيادة أسعار الفائدة.

وينذر ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة بعودة التضخم للارتفاع الى مستويات مقلقة وقد بدأ العديد من صناع السياسات في الاسواق الناشئة زيادة أسعار الفائدة أو على الاقل أشاروا الى استعدادهم لذلك.

لكن أغلبهم لا يبدي استعدادا يذكر للسماح لعملاتهم بالارتفاع بحرية.

بل على النقيض من ذلك فان البنوك المركزية تواصل شراء الدولارات في أسواق الصرف الاجنبي اذ قدرت مؤسسة جيه.بي. مورجان أن هذه البنوك رفعت احتياطياتها بنحو 850 مليار دولار في العام 2007.

وتقدر المؤسسة أن احتياطيات النقد الاجنبي للأسواق الناشئة سترتفع بمقدار 390 مليار دولار هذا العام. وقال جيروم بوث رئيس الابحاث لدى شركة اشمور انفستمنت مانجمنت لرويترز على هامش ندوة عن الاسواق الناشئة في نيويورك «الاسواق الناشئة لديها رد فعل بسيط (لخطر التضخم) فكل ما عليها أن تفعله هو التوقف عن شراء الدولارات ثم ترتفع العملات وتحل مشكلة التضخم».

وفي الوقت الحالي ارتفعت أسعار السلع الاولية الزراعية المتداولة على المستوى الدولي مثل الذرة والقمح وفول الصويا الى مستويات شبه قياسية لتدعم ايرادات التصدير في الدول التي تعتمد على صادرات السلع لكن هذا أدى أيضا الى ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميا.

ومن العوامل التي تلعب دورا في مواصلة اقبال البنوك المركزية على شراء الدولار الضغوط السياسية من المصدرين الذين تقل قدراتهم التنافسية في حالة ارتفاع قيمة عملاتهم وذلك رغم التكلفة المالية المتمثلة في تكوين احتياطيات بعملة آخذة بالانخفاض.

لكن بوث يقول، ان الوقت قد اقترب الذي سيضطر فيه صناع السياسات الى دفع الثمن السياسي والتوقف عن شراء الدولار.

ويضيف «أعتقد أنهم كلهم يراقبون بعضهم بعضا لمعرفة من سيتحرك أولا».

وربما يكون الارتفاع الاخير للتضخم عالميا هو الحافز الذي سيؤدي الى تحول السياسات.

ورفعت بولندا أول من امس الاربعاء أسعار الفائدة للشهر الثاني على التوالي وأشارت الى مزيد من الزيادة مستقبلا. وفي الاسبوع الماضي فاجأت كولومبيا الاسواق بزيادة الفائدة ربع نقطة مئوية.

من ناحية أخرى أبدى المسؤولون في العديد من الاسواق الناشئة منها البرازيل والمكسيك وتركيا مخاوف في الآونة الاخيرة من التضخم.

وقالت جويس تشانج رئيسة ابحاث الاسواق الناشئة في جيه.بي. مورجان للمستثمرين في الندوة التي عقدت في نيويورك «التضخم كان مفاجأة في الاسواق الناشئة».

وتوقعت ان ترتفع عملات الاسواق الناشئة نتيجة لذلك مع «سعي البنوك المركزية لالغاء الحافز النقدي».

لكن المحللين يقولون ان رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم في أسعار المواد الغذائية ليس سياسة كافية.

وقال ارثر بوداغيان مدير التحرير المختص باستراتيجيات الاسواق الناشئة لدى مؤسسة بي.سي.ايه الكندية للابحاث في الندوة «في البلاد التي يكون الطلب المحلي فيها ضعيفا تميل أسعار الغذاء المرتفعة لاحداث أثر انكماشي لانها توجه المال للانفاق على الغذاء وتقلل الانفاق على الاوجه الاخرى».

وقال جيليرمو أورتيز محافظ البنك المركزي المكسيكي للمستثمرين ان أسعار الغذاء والطاقة العالمية المرتفعة ستواصل تغذية التضخم في بلاده.

ويمثل هذا خطرا على حملة حالية لزيادة معدلات النمو بخفض أسعار الفائدة من أجل تعزيز الاقتراض والاستثمار.

وقال رالف سيوبل كبير الاقتصاديين وخبراء الاستراتيجية لدى بلو كرست كابيتال مانجمنت، ان الخوف من التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية قد يكون مؤقتا بما يمنح المستثمرين فرصة ذهبية لاتخاذ مراكز جيدة في اسواقهم الناشئة.

وأضاف مفسرا «اذا كان رأيك أن التضخم في أسعار الغذاء مؤقت وانه سيختفي فيتعين عليك أن تكون مراكز دائنة ضخمة في الاسواق المحلية. وكل الزيادات في الاسعار التي نشهدها الان ستتبدد من حسابات معدل التضخم السنوي في العام التالي». ويتوقع سيوبل ان ينخفض التضخم في الاسواق الناشئة لكنه يقول انه لن يتلاشى تماما.

ويضيف «الوضع الهيكلي لاسواق السلع الزراعية من شأنه أن يعمل على استبعاد انخفاض الاسعار ما لم تقع أحداث غير متوقعة».

وفي المكسيك على سبيل المثال ارتفع البيزو نحو 1.5 في المئة مقابل الدولار الامريكي حتى الان هذا العام، ليمنح المستثمرين في السندات السيادية المقومة بالبيزو دفعة اضافية.