توقعات سوق النفط أصبحت مثل التنجيم.. والتحكم بالأسعار بات صعبا

مع تزايد عمليات المضاربة وشراء الأسهم المستقبلية وتراجع الدولار

المضاربة البترولية وشراء الأسهم أصبح لهما تأثير كبير على تقلبات السوق (خدمة كي.آر.تي)
TT

تصريحات وزير البترول والثروة المعدنية السعودي علي النعيمي لـ«الشرق الأوسط» اخيرا انه من المستحيل التنبؤ بأسعار النفط، وان المضاربة هي التي أصبحت تحدد اتجاهه اثارت تساؤلات مهمة.. من الذي يحدد أسعار النفط في الوقت الراهن؟

النعيمي قال انه في الماضي كان السعر يعتمد على هذه الاسس، اما اليوم فلا علاقة بين اسس البترول واسعاره. واضاف النعيمي ان المؤثرات على السعر كانت هي النمو الاقتصادي العالمي، والوضع الجيوسياسي في الدول المنتجة.

لكن، والكلام للنعيمي، ما حدث في الاونة الاخيرة هي المضاربة البترولية، وشراء الاسهم المستقبلية، وهذه لها تأثير كبير على تقلبات السوق، لذا اصبح من الصعب استقرار السعر، مادام العالم المالي وجد طريقة للكسب عبر ضخ اموال كبيرة في عمليات الاسهم المستقبلية، وبسبب ذلك لا جهة ولا منظمة تستطيع التحكم في السعر. وارتفع النفط الخام الاميركي مدعوما بمزيج من ضعف الدولار وشح امدادات النفط وقرار أوبك عدم زيادة المعروض. فقد قررت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) مجددا يوم الاربعاء الماضي عدم تغيير سياستها الانتاجية وذلك للاجتماع الثالث على التوالي.

وأججت قوة الطلب على الخام وتعطيلات حقيقية ومحتملة للمعروض وضعف الدولار موجة صعود الاسعار من مستوى منخفض دون 50 دولارا مطلع عام 2007. وأغلق النفط على انخفاض طفيف مع اغلاق تعاملات الاسبوع متراجعا عن مستوياته القياسية التي سجلها في وقت سابق من المعاملات عندما دفعت عمليات شراء من جانب المستثمرين بهدف التحوط من ضعف الدولار وتضخم أسعار الخام فوق 106 دولارات للبرميل. وتحدد سعر التسوية للنفط الاميركي منخفضا 32 سنتا عند 105.15 دولار للبرميل متنازلا بذلك عن مكاسبه بعد تسجيله مستوى قياسيا غير مسبوق عند 106.54 دولار في وقت سابق من الجلسة. وهبط مزيج برنت في لندن 32 سنتا مسجلا 102.38 دولار للبرميل.

وقال لرويترز روب كورزاتكوسكي محلل العقود الاجلة لدى اوبشنز اكسبرس «ارتفعنا في وقت سابق بفعل لعبة الدولار وتوقعات بأن مجلس الاحتياطي الاتحادي ـ البنك المركزي الاميركي ـ قد يضطر الى خفض أسعار الفائدة، انها في الاونة الاخيرة لعبة التضخم والعملة».

وأثار تقرير حكومي يظهر انكماشا للشهر الثاني على التوالي في الوظائف الاميركية تكهنات بأن مجلس الاحتياطي قد يضطر الى خفض الفائدة ثانية، الامر الذي أضعف الدولار في وقت مبكر من اليوم. وانتعشت العملة الاميركية في وقت لاحق مما ساهم في تراجع النفط عن مستوياته المرتفعة السابقة. وساعد التراجع المطرد في الدولار الاميركي على ارتفاع أسعار السلع الاولية في حين عزز تراجع حاد في مخزونات الخام الاميركية وقرار أوبك يوم الاربعاء عدم زيادة الانتاج أسعار النفط.

وهنا قال صندوق النقد الدولي انه من غير الواضح ما الذي يغذي أسعار النفط القياسية؟ وهل هو تزايد الطلب أم عمليات شراء للمضاربة أم تراجع حاد في الدولار؟

وأبلغ مسعود أحمد المتحدث باسم الصندوق مؤتمرا صحافيا اخيرا عبر الانترنت «من غير الواضح تماما أي قدر من هذا (الارتفاع في الاسعار) تحركه زيادة في الطلب أو ما اذا كان ناجما عن المضاربة أو ضعف الدولار». وقال أحمد «اذا توقعنا.. كما نفعل.. تباطؤا في الاقتصاد العالمي هذا العام، فان لهذا التحول تأثيرا من حيث خفض الطلب على النفط وبالتالي سعر النفط». وسئل ان كان صندوق النقد يتوقع استمرار ارتفاع الاسعار فقال «لا يوجد الكثير من الطاقة الانتاجية الفائضة وفي ذات الوقت هناك تراجع في الطلب ومن شأن هذا أن يؤثر على الاسعار». وقالت مجموعة سيتي غروب في مذكرة بحثية «شح الخام مستمر، والارتفاع الحاد في (سعر) الخام تفاقم من جراء ضعف الدولار». من جهته قال مارك واجنر رئيس اكسل للعقود الاجلة «الدولار يتراجع ثانية والمتحوطون يشترون السلع الاولية ويصب هذا كله الزيت على النار». ويقول محللون ان بعض الاموال وجدت طريقها الى أسواق الطاقة والسلع الاولية، وضعف الدولار ساعد على تراجع قيمة الدولار الاميركي مقابل عملات رئيسية أخرى على تعزيز عمليات الشراء في مختلف السلع الاولية حيث يرى المستثمرون أن الاصول المسعرة بالدولار رخيصة نسبيا.

كما نال ضعف العملة الاميركية من القدرة الشرائية لايرادات أوبك وزاد القدرة الشرائية لبعض المستهلكين المسعرة وارداتهم بعملات أخرى غير الدولار. ولمح وزراء نفط أوبك الى أنه رغم ارتفاع أسعار النفط الى مستويات اسمية قياسية الا أن التضخم والدولار خففا من تأثير ذلك. ويقول بعض المحللين ان المستثمرين يستخدمون النفط كملاذ آمن في مواجهة ضعف الدولار.

الطلب في حين كانت الارتفاعات السابقة في الاسعار تنتج عن اضطرابات في الامدادات فان الطلب من دول مثل الصين والولايات المتحدة هو المحرك الرئيسي للزيادات الراهنة.

وتباطأ نمو الطلب العالمي بعد ارتفاعه في عام 2004 لكنه مستمر في الزيادة ولم يكن لارتفاع الاسعار حتى الان أثر يذكر على النمو الاقتصادي.

ويقول محللون ان العالم يتكيف بشكل جيد مع ارتفاع الاسعار الاسمية لانها تعتبر أقل من المستويات السائدة في موجات صعودية سابقة اذا أخذت أسعار الصرف والتضخم في الاعتبار كما أن بعض الاقتصادات أصبحت أقل استهلاكا للطاقة.

وفي السياق ذاته صرح فاتح بيرول مدير الدراسات الاقتصادية في وكالة الطاقة الدولية ان طلبا على المحروقات سيبقى مرتفعا لعشر سنوات يضاف اليه نقص مقلق في الاستثمارات في المشاريع النفطية، هو السبب الرئيسي في قفزة اسعار النفط.

وحول الاسباب الحقيقية للارتفاع الكبير في اسعار النفط منذ اشهر عدة، قال بيرول ان هناك سببين رئيسيين: الاول هو قوة ومتانة الطلب. ففي يناير (كانون الثاني)، عندما كنا نخشى ان تدخل الولايات المتحدة في مرحلة انكماش، تساءلنا عما اذا كان هذا الانكماش سيؤثر على الطلب على النفط. لا اعتقد ان هذا التساؤل ملائم فعلا، والكلام لبيرول، لان نمو الطلب ينجم عن ثلاثة مراكز رئيسية هي الهند والصين والشرق الاوسط، ينبغي الا تتاثر بتباطؤ اقتصادي، وبالتالي فان الطلب سيبقى قويا. ولجهة العرض، وهو السبب الثاني لارتفاع الاسعار، فان القدرة الانتاجية لا تزيد بطريقة كافية. وفيما يتعلق بتحديد الفارق بالارقام بين الاستثمارات الضرورية والاستثمارات الجارية، أشار بيرول: «احتسبنا انه من الان حتى 2015، ينبغي الاستثمار في القدرة الانتاجية بما يسمح بتزويد 37.5 مليون برميل يوميا لتلبية نمو الطلب والتعويض عن تراجع انتاج الحقول القائمة. حددنا، كما يقول بيرول، 230 مشروعا تم التصويت على تمويلها، مع الالتفات الى الدول الاعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) والدول غير الاعضاء على السواء.

وتابع بالقول: اذا رأت كل هذه المشاريع النور، فانها ستتيح انتاج 25 مليون برميل في اليوم فقط حتى 2015. هناك بالتالي ثغرة من 12.5 مليون برميل في اليوم بين الاستثمارات الجارية وتلك التي نعتبرها ضرورية. هذا الفارق مقلق للغاية. وأضاف: هناك نوعان من السياسات فقط يمكن ان تصحح ذلك: لجهة الدول المستهلكة، ينبغي ان نطبق بصورة عاجلة اجراءات صارمة ذات فعالية في مجال الطاقة والاستثمار بكثافة في الطاقات البديلة. ولجهة المنتجين، ينبغي ان نزيد الاستثمارات بطريقة فورية وجريئة لزيادة قدرة الانتاج اضافة الى المشاريع الـ230 اذا اردنا تفادي صدمة في العرض في السنوات المقبلة. ولكن ما الذي يفسر هذا النقص الحرج في الاستثمارات في انتاج النفط؟ رد خبير الطاقة بالقول «تشهد الشركات النفطية الدولية تراجع احتياطاتها بشكل كبير وليس لديها امكانية الوصول الى المناطق الكبرى حيث الاحتياطات، اما بالنسبة الى الشركات النفطية الوطنية فقد توقفت لسببين: فهي لا تريد ان ترى اسعار النفط تتراجع وتحرص على المحافظة على بعض النفط في باطن الارض للاجيال المستقبلية، ووجهة النظر هذه شرعية لان الدول ذات السيادة حرة في ان تقرر متى تضع نفطها في السوق وبأية كميات، الا ان لذلك تداعيات مهمة اكثر فاكثر على الدول المستهلكة.