«الفاو»: أسعار الحبوب والمواد الغذائية ستواصل الارتفاع

36 بلدا من بلدان العالم تواجه أزمة حالية.. والدول النامية ارتفعت فاتورة وارداتها بنسبة 35%

TT

ارتفعت أسعار الحبوب بطريقة جنونية متأثرة بالطلب المتنامي على الوقود العضوي وتطلعات الامدادات المتناقضة، فمخزونات الحبوب منخفضة جداً وأسعار القمح، على الأخص، تتقلب بطريقة مذهلة. ففي حال تقلص المخزون ومحدودية الامدادات تحتاج الأسعار الى ان تتحرك نحو الصعود. ثم ان العواصف الثلجية في جنوب الصين ووسطها والجفاف الحاصل في شمالها أحدثت شللاً في إنتاج البذور الزيتية والقمح. هذا التعطيل في ناحية العرض أضيف الى سوق ضيّقة من جرّاء الجفاف في أستراليا وأفريقيا وفيضانات في أفريقيا الغربية وموجة صقيع في أوروبا. ان أسواق السلع تجد نفسها في صميم العاصفة: هناك نهاية الضيق في الدورة الاقتصادية والدولار الضعيف وإفراط بالسيولة في الأسواق الناشئة ومحدودية الامدادات. وعليه، من دون أدنى ريب، لا نشجّع على القيام بعملية انكشاف في أسواق السلع. وفي هذا السياق قال جاك ضيوف مدير عام منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إنه يتوقع استمرار الارتفاع الحالي في أسعار المواد الغذائية والحاصلات والمنتجات الزراعية، موضحا أن فاتورة واردات الدول النامية من هذه المنتجات ارتفعت بنسبة 35% أخيرا.

وأشار في تصريحات، أدلى بها عقب لقائه مع الرئيس المصري حسني مبارك أول من أمس في القاهرة، إلى أن أحد الأسباب المهمة لهذا الارتفاع تتمحور في التحول المتزايد لاستخدام هذه المنتجات والمواد لإنتاج الوقود الحيوي (الإيثانول).

وأوضح ضيوف أن هذا الأمر يؤدي إلى تفاقم حجم المشكلة «في ضوء الانخفاض الموجود أصلا في المخزون العالمي من الحبوب والحاصلات الزراعية».

وأضاف المسؤول الدولي بالقول إن القمة المقبلة لـ«الفاو» والمقرر عقدها في العاصمة الإيطالية روما في يونيو (حزيران) المقبل ستتركز على بحث تأثير التغير المناخي كسبب آخر لارتفاع مستويات الأسعار الخاصة بالمنتجات الغذائية والحاصلات الزراعية، موضحا أن من بين الأسباب الأخرى كذلك زيادة معدلات الطلب على هذه المنتجات على الأخص من الصين والهند بعد ارتفاع معدلات النمو في هذين البلدين.

وأشار إلى أن قمة روما ستبحث أيضا سياسات التعريفة الجمركية ودعم المنتجات الزراعية.

ومن ناحية أخرى، قال مدير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إنه بحث خلال لقائه اليوم مع الرئيس المصري «عددا من القضايا المهمة التي تتعلق بشكل أساسي بالأمن الغذائي على المستوى العالمي في ضوء الارتفاع الأخير لأسعار المواد الغذائية وتأثير ذلك على الدول النامية التي ارتفعت فاتورة وارداتها من الغذاء بنسبة 35% أخيرا».

وأشار إلى أنه أكد خلال اللقاء «الحاجة لاتخاذ خطوات ومواقف فعلية لزيادة مستويات الإنتاج المحلية في الدول النامية من خلال تيسير حصولها على البذور والأسمدة وكذلك من خلال تطوير أنظمة التسويق لتقليل الفاقد الكبير في عمليات النقل والتخزين والتوزيع».

وكانت منظمة الأغذية والزراعة قد أعلنت أخيرا أن 36 بلداً من بلدان العالم تواجه أزمة حالية نتيجة لارتفاع أسعار المواد الغذائية، وأن الوضع سيستلزم تقديم مساعدات خارجية إليها. وقد تفاقم انعدام الأمن الغذائي، في العديد من تلك البلدان، نتيجة للصراعات والفيضانات أو الظروف المناخية البالغة الشدة.

ودعا أخيرا روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي، إلى اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الجوع وسوء التغذية في عالم يشهد ارتفاعاً مطرداً في أسعار المواد الغذائية، حيث قال «إن الجوع وسوء التغذية يشكلان ذلك الهدف المنسي من الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة. إننا لم نعط هذا الهدف سوى النذر اليسير من الاهتمام، ولكن زيادة أسعار المواد الغذائية والمخاطر التي تنطوي عليها، ليس فقط بالنسبة للناس ولكن أيضاً بالنسبة للاستقرار السياسي، قد جعلت هذا الأمر مسألة ملحة للغاية لاسترعاء الانتباه الذي تقتضيه».  وبينما يُنظر إلى تصدّر ارتفاع أسعار المواد الغذائية عناوين الأخبار الرئيسية على أنه ظاهرة حديثة نسبياً، فإن التصاعد الأوسع نطاقاً في أسعار السلع الأولية لم يكن وليد اللحظة، بل انه بدأ في عام 2001، وقد تجلت التحولات الهيكلية الكبيرة في الاقتصاد العالمي، بما في ذلك نمو الطلب في الصين والهند، بصورة مطردة في الزيادات التي تشهدها أسعار السلع الأولية، وبخاصة أسعار المعادن والطاقة. وترجع الزيادة التي شهدتها أسعار المواد الغذائية إلى العديد من العوامل، منها: ارتفاع أسعار منتجات الطاقة والأسمدة، وزيادة حجم الطلب على الوقود الحيوي، وبخاصة في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وموجات الجفاف التي ضربت أستراليا وبلدان أخرى. وقد انخفض المخزون العالمي من الحبوب إلى أدنى مستوى له، وتعتمد أسعار العام المقبل على مدى نجاح موسم الحصاد القادم في النصف الشمالي من الكرة الأرضية.

وقد ارتفعت أسعار القمح (مقومة بالدولار الأميركي) بما نسبته 200 في المائة، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بصفة عامة بحوالي 75 في المائة منذ بداية هذا القرن. ومن شأن تعديل الأسعار وفقاً لأسعار الصرف ومعدلات التضخم أن يؤدي إلى تخفيض الزيادات في الأسعار التي تواجهها البلدان النامية، ولكن تلك الزيادات ما زالت شديدة الوطأة على ملايين المستهلكين من الفقراء.

وفي هذا الإطار قال دون ميتشل، كبير الخبراء الاقتصاديين بمجموعة آفاق التنمية بالبنك الدولي، إنه «لا يعود السبب في زيادة أسعار الحبوب إلى حدوث انقطاع في الإمدادات على الأمد القصير، كما هو الحال في الظروف العادية، ولذلك، فمن المرجح أن يستغرق الأمر عدة سنوات حتى تزداد الإمدادات إلى درجة تكفي لإعادة تكوين المخزونات، ومن ثم السماح بانخفاض الأسعار».

 تخيلوا إحدى الأسر المنخفضة الدخل، لنقل في بنغلاديش مثلاً، تدفع 20 سنتاً للحصول على كيلوغرام من الأرز في أحد الأعوام، ثم تجد نفسها فجأة مضطرة في العام التالي إلى دفع 30 سنتاً. بالنسبة للفقراء الذين ينفقون في الغالب أكثر من نصف دخولهم على الغذاء، فإن الزيادات الكبيرة في أسعار المواد الغذائية الأساسية يمكن أن يكون لها تأثير مدمر.

فاليمن الذي يستورد حوالي مليوني طن متري من القمح سنوياً يشكل مثالاً على كيف يمكن لارتفاع أسعار المواد الغذائية أن يؤدي إلى ازدياد معدلات الفقر. فبعد عام من التضخم القياسي، من الممكن أن يؤدي ارتفاع أسعار القمح ومنتجاته بواقع الضعف إلى ازدياد عدد الفقراء في عمومه بما نسبته 6 نقاط مئوية.

ويقول تيروملاي سرينيفاسان، وهو خبير اقتصادي قطري أول بالبنك الدولي ـ اليمن: «إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى عكس مسار المكاسب التي تحققت أخيراً في هذا البلد بشكل كامل في مجال الحد من الفقر الذي شاهدناه خلال فترة السنوات 1998 ـ 2005».

وبينما يُعتبر الفقراء في المناطق الحضرية أكثر المتضررين من هذه الزيادات، إلا أنه حري بنا أن نتذكر أن معظم سكان المناطق الريفية هم مشترون للمواد الغذائية وليسوا بائعين لها. ويمكن أن تكون لذلك الوضع آثار شديدة على عمال الريف من غير ملاك الأراضي الذين قد لا تواكب زيادة أجورهم المتدنية الزيادة في أسعار المواد الغذائية. المرجح أن تستمر الأسباب الجذرية لظاهرة ارتفاع أسعار المواد، بسبب ارتفاع أسعار منتجات الطاقة والأسمدة، والطلب على المحاصيل الغذائية في إنتاج الوقود الحيوي، وانخفاض المخزون العالمي من الغذاء، في الأمد المتوسط.

ومن المتوقع كذلك أن تبقى أسعار منتجات الطاقة والأسمدة مرتفعة دون انخفاض. وقد ارتفعت أسعار الأسمدة بالفعل بواقع 150 في المائة في السنوات الخمس الماضية. وهذه الزيادة كبيرة للغاية، ويرجع ذلك إلى أن تكلفة الأسمدة تشكل ما نسبته 25 ـ 30 في المائة من إجمالي تكلفة إنتاج الحبوب في الولايات المتحدة (التي توفر 40 في المائة من إجمالي صادرات الحبوب على مستوى العالم). ومن المحتمل أيضاً أن يرتفع الطلب على أنواع الوقود الحيوي، حيث جرى هذا العام تخصيص 25 في المائة من محصول الذرة في الولايات المتحدة (11 في المائة من مجمل المحصول العالمي) لأغراض إنتاج الوقود الحيوي، علماً بأن الولايات المتحدة توفر أكثر من 60 في المائة من صادرات الذرة في العالم. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة، وهي واحدة من بين أكثر من 20 دولة تفرض استخدام أنواع الوقود الحيوي، قد قامت لتوها برفع سقف التفويض المتعلق باستخدام الوقود الحيوي بواقع الضعف بحلول عام 2015 . وهنا تعود ميتشل لتقول «من شأن الزيادة في استخدام الوقود الحيوي أن تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الحالية نتيجة لزيادة الطلب، إلى جانب ارتفاع الأسعار وانخفاض مستوى المخزون بالفعل. ولكن لا يبدو أن الإيثانول والديزل الحيوي المنتجين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يفيان بالوعود المتعلقة «بالحفاظ على البيئة»، الأمر الذي يثير قدراً كبيراً من الجدل بشأنهما».

علاوة على ذلك، فإن حدوث فائض في الطاقة الإنتاجية يُعد أمراً نادر الحدوث. فالأراضي «غير المستخدمة» (set aside) في بلدان الاتحاد الأوروبي، والتي كان الهدف منها في المقام الأول إبقاء الفوائض عند مستويات منخفضة، قد تم بالفعل إدخالها في عملية الإنتاج. ومن المتوقع كذلك أن تكون إنتاجية الأراضي الخاضعة لبرنامج احتياطي المحافظة في الولايات المتحدة (Conservation Reserve lands) منخفضة الغلة، حتى لو افترضنا أن تشريعاً بإدخال تلك الأراضي في عملية الإنتاج قيد الإعداد في الوقت الحالي.

إلا أن الارتفاع الكبير في تكلفة المواد الغذائية سيؤدي إلى اختلال الموازين التجارية في عدد قليل نسبياً من البلدان، نظراً لأن غالبية البلدان ستحقق مكاسب مقابلة بشكل كبير في صادراتها من السلع الأولية الأخرى. ومن بين البلدان الأكثر تضرراً من جراء ذلك كل من: الأردن ومصر وغامبيا وليسوتو وجيبوتي وهايتي.

وعند النظر إلى الوضع العالمي، يمكن لاستمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية أن يدفع البلدان الغنية إلى أن تكون أكثر رغبة في تخفيض الإعانات المالية المقدمة إلى قطاع الزراعة، الأمر الذي قد يؤدي بدوره إلى تحسين الآفاق المستقبلية لنجاح جولة الدوحة. وتواجه سياسة التجارة، التي كانت مدفوعة ذات يوم بفوائض المواد الغذائية، تغيراً في الظروف في الوقت الحالي.

وتختلف طبيعة الاستجابات لهذا الوضع من حكومة إلى أخرى، إذ يقوم بعضها بتقديم إغاثة فورية، لكنها تخاطر بتفاقم هذه المشكلة في الأجل الطويل. فعلى سبيل المثال، يمكن لفرض حظر على الصادرات بغرض إبقاء الأسعار منخفضة في الأسواق المحلية أن يؤثر سلباً وبشدة على المنتجين الذين غالباً ما يكونون هم أنفسهم من الفقراء. وسيؤدي ذلك أيضاً إلى تقليص استجابة جانب العرض الضرورية لتلبية نمو جانب الطلب في المستقبل.

إلا أن أوجه القلق بشأن تأثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية على المواطنين قد حدا بالعديد من البلدان، ومنها هندوراس والهند وإندونيسيا ومولدوفا والفلبين وروسيا، إلى تطبيق ضوابط سعرية، وتقديم دعم مالي وفرض حظر على الصادرات.

وأضاف ميتشل قائلاً «ينبغي على الحكومات أن تقوم بعمل مُركّز، مع توجيه الدعم مباشرة إلى الفقراء وليس إلى البلد بأكمله. وستعمل تحويلات الدخل أو المساعدات الغذائية المقدمة إلى الفقراء بصورة أكثر كفاءة واستدامة مقارنة بالخطوات الأكثر عمومية على الصعيد الوطني».

وتضم أفريقيا 21 بلداً من بين البلدان الستة والثلاثين التي ترى منظمة الأغذية والزراعة حالياً أنها تمر بأزمة تتعلق بالأمن الغذائي. وقد تأثرت عملية الإنتاج في بعض هذه البلدان، مثل ليسوتو وسوازيلند، من جراء موجات الجفاف التي عصفت بها؛ في حين لا يتمتع البعض الآخر، مثل سيراليون، بقدرة كبيرة على الحصول على المواد الغذائية من الأسواق المحلية نتيجة لأسباب عدة منها الانخفاض الشديد في مستوى الدخل والارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية؛ كما يمر أكثر من 12 بلداً من تلك البلدان، منها غانا وكينيا وتشاد بحالة ذات طابع محلي من الانعدام الشديد للأمن الغذائي.

ويمكن لإدارة التنمية الزراعية والريفية في مكتب منطقة أفريقيا بالبنك الدولي، بفضل عملية إعادة التجديد السخية لموارد المؤسسة الدولية للتنمية، أن ترفع مستوى الإقراض المقدم إلى قطاع الزراعة في أفريقيا بحوالي 30 في المائة سنوياً على مدى العامين القادمين، وذلك حسب الطلبات المقدمة من البلدان المتعاملة معها. وسيساعد ذلك على تعزيز النمو الزراعي، وهي خطوة تضمنتها التوصيات التي خلصت إليها مطبوعة تقرير عن التنمية في العالم في عام 2008.