محمد السقاف لـ«الشرق الأوسط»: نعمل على تطوير تقنيات ستغيِّر وجه الصناعة النفطية

مدير الأبحاث المتقدمة في «أرامكو السعودية»: نطور «النانو» لجعل آبار النفط «ذكية»

محمد السقاف
TT

مضت 75 عاماً على إنتاج النفط الخام، والذي لا زال يتدفق بكميات تجارية من البئر رقم سبعة، تم حفرها ضمن بضع آبار أخرى اختبارية في المراحل الأولى من التنقيب عن النفط في السعودية. تقع هذه البئر عند مرتفع كان يطلق عليه حين ذاك «جبل ظهران» في المنطقة الشرقية من السعودية، ومنذ ذلك الحين، تعد المملكة لاعباً رئيساً في عالم الطاقة الهيدروكربونية، فيما لا يزال يعوّل عليها عالمياً للمساعدة على إيجاد حلول للمآزق التي تمر بها سوق الطاقة من حين وآخر. وأوضح في حوار لـ«الشرق الأوسط» الدكتور محمد السقاف، مدير مركز «إكسبك» للأبحاث المتقدمة، في شركة أرامكو السعودية التابع لمركز التنقيب وهندسة البترول، أن الطلب العالمي على الطاقة سيتزايد على مدى عشرين عاماً المقبلة، وهو إجماع خبراء الطاقة في شتى أنحاء العالم. ومع أن نسبة من هذه الزيادة في الطلب ستلبيها مصادر الطاقة الأخرى مثل مصادر الطاقة البديلة والطاقة النووية، إلا أن الزيادة من هذه المصادر ستقل عن الزيادة المطردة في الطلب بشكل عام. لذا فإن دورها لن يكون سوى دور مكمل للطاقة المستمدة من المصادر التقليدية كالنفط والغاز ـ على الأقل على مدى السنين العشرين القادمة، ويعني ذلك أن الطلب المتزايد على الطاقة سيُترجم إلى ازدياد للطلب على مصادر الطاقة التقليدية المشتقة.

وإلى تفاصيل الحوار..

* ما هو دور مركز «إكسبك» للأبحاث المتقدمة في مواجهة الطلب العالمي على الطاقة؟ ـ الدور الرائد لمركز «إكسبك» للأبحاث المتقدمة هو تطوير عدة تقنيات مستقبلية مثيرة في مواجهة تحديات صناعة النفط العالمية، بالإضافة إلى مجموعة من الرؤى والأهداف البعيدة والمتوسطة المدى التي تعتمد حلولاً تكنولوجية للتحديات، والتي تسير شركة أرامكو السعودية نحو تحقيقها بشكل عملي قابل للتطبيق على ارض الواقع عن طريق دراسات وأبحاث متقدمة.

* الزيادة المطردة في الطلب العالمي على الطاقة الهيدروكربونية، ألا تشكل ضغطاً إضافياً على مركز أبحاث الشركة لإنتاج تقنيات إنتاجية جديدة؟ ـ الزيادة في الطلب على الطاقة ظاهرة طويلة الأمد، وسوف تتطلب تبعاً لذلك حلولاً طويلة الأمد أيضاً، وهذه الزيادة تعد تحديا كبيرا لكل الشركات المنتجة للنفط في العالم. وتتعامل الشركة مع هذه الزيادة في الطلب، على المدى المتوسط عبر زيادة قدرتها الإنتاجية للنفط بنسبة 20 في المائة، من 10 ملايين برميل من النفط يومياً في 2004 وصولاً إلى 12 مليون برميل من النفط يومياً بنهاية 2009. ولذا وضعنا في أرامكو هدفين مهمين نسعى لتحقيقهما، خلال العشرين سنة القادمة، هما توسعة قاعدة موارد الثروة النفطية وزيادة نسبة استخلاص النفط من تلك الموارد.

* هل وصل إنتاج النفط في السعودية إلى ذروته؟ ـ الثروة النفطية السعودية، في الوقت الحالي تتمثل في 730 مليار برميل من موارد النفط المكتشفة (غير المستخرجة). هذا الرقم يشمل نحو 112 مليار برميل من النفط تم إنتاجه حتى الآن من أعمال أرامكو السعودية على مدى 75 عاماً منذ إنشائها، وهي تلك الموارد التي تم استهلاكها من قبل عملائها في جميع أنحاء العالم. أما الاحتياطي الحالي للنفط، أي النفط القابل للاستخلاص باستخدام التقنيات المتوفرة حاليا،ً فهو نحو 260 بليون برميل، أي ما يعادل حوالي ربع إجمالي الاحتياطي العالمي. ويُبقي ذلك نحو360 بليون برميل أخرى تصنف على أنها موارد محتملة، وهذه الموارد يمكن استخلاصها في المستقبل إذا تم تطوير التقنيات المناسبة لإنتاجها. وهذا يؤكد أهمية دور تطوير التقنيات الحديثة لمواكبة الطلب العالمي المتزايد على الطاقة.

* ما هي الاستراتيجية التي تتبعها الشركة في قيادة الصناعة النفطية السعودية؟ ـ الاستراتيجية طويلة الأمد وتتمثل في هدفين؛ الأول زيادة إجمالي الثروة النفطية إلى 900 مليار برميل بحلول عام 2025، والثاني العمل على إيصال درجات استخلاص النفط إلى 70 في المائة في حقولنا الرئيسية المنتجة، باستخدام تقنيات الاستخلاص التقليدية المطورة وتقنيات الاستخلاص الثلاثي. وتمثل احتياطات النفط في السعودية القابلة للاستخلاص في الوقت الحالي نحو 50 في المائة من إجمالي الثروة النفطية، وتعتبر هذه النسبة من أعلى نسب الاستخلاص العالميةً، حيث يتراوح متوسط نسبة الاستخلاص عالمياً بين 30 و35 في المائة، وبذلك، فإن ما حققته أرامكو السعودية أفضل بكثير من متوسط هذه النسبة، ولكن وعلى الرغم من ذلك، فنحن نعتزم الوصول إلى ما هو أفضل وأبعد، لتحقيق معدلات استخلاص تصل إلى 70 في المائة من حقولنا الرئيسة المنتجة.

* هل هذه الأهداف واقعية.. ويمكن ترجمتها إلى أرقام في المستقبل؟ ـ نحن جميعاً ندرك أن تحقيقها يحتاج إلى وقت، وفي نفس الوقت نتعامل مع قطاع نفط أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، لذا يتوجب على شركات النفط أن تعتمد وبشكل أكبر على تطوير التقنيات الحديثة والمتقدمة جداً. واعتمدت شركة أرامكو السعودية أسلوب عمل حديثا يتسم بالفعالية والنشاط، بل أن نكون شركة عالمية التصنيف في مجال تطوير التكنولوجيات ذات الصلة بالتحديات الفريدة في نوعها التي تواجه أعمالنا. وهدفنا هو أن تصبح أرامكو السعودية الشركة الرائدة في التقنيات ذات الصلة المباشرة بمتطلبات تطوير صناعة النفط والغاز في السعودية، مثل منع تكوين المضاعفات السيزموغرافية الشبحية، إنتاج النفط الخفيف، تطوير الآبار الذكية، الاستخلاص الثلاثي من الحقول العملاقة، محاكاة المكامن بطرق عالية الدقة، وكل ما يتعلق بتحديات أعمال الاستكشاف.

* ما هي التقنيات التي أنتجتها الشركة في هذه الصناعة؟ ـ سأذكر ثلاثاً من تقنيات صناعتنا التي أثرت بشكل حيوي وحاسم على أسلوب مباشرة شركات النفط والغاز لأعمالها في الماضي، الأولى هي تقنية المسح السيموغرافي، ثلاثي الأبعاد، والتي يتم من خلالها الحصول على معلومات عالية الدقة حول التكوينات الجوفية، حيث تشكل تقنية المسح السيموغرافي ثلاثي الأبعاد حالياً العمود الفقري لأعمال تحديد خصائص المكامن وتطوير الحقول حول العالم. والتقنية الثانية هي تقنية الحفر الأفقي، وهي اختراق المكمن ببئر أفقي عوضاً عن اختراقها رأسياً لإنتاج كميات أكبر من النفط. وتم اختراع هذه التقنية قبل أكثر من قرن من الزمان، إلا أنه لم يتم استخدامها بشكل مكثف إلا في ثمانينات القرن الماضي حيث قمنا بتطويرها، وأصبح استخدامها في الوقت الحالي شائعَ الانتشارِ لدرجة أن بعض الشركات أخذت تطلب موافقة الإدارة لحفر الآبار العمودية، فقد أصبحت الآبار العمودية هي الشذوذ وليس القاعدة. أما التقنية الجوهرية الثالثة فهي تقنية توجيه حفر الآبار عن بعد، والتي نستطيع من خلالها إبقاء البئر في التكوين الجيولوجي المطلوب، حتى في الطبقات الرقيقة جداً. وأصبح روتينياً في الوقت الحاضر أن نستطيع إبقاء البئر الأفقية في طبقة تقل سماكتها عن 10 أقدام لمسافة عدة كيلومترات على أعماق هائلة تصل إلى أكثر من 15 ألف قدم، وهذا أمر مثير وغير عادي.

* ما هي التحديات التي تواجه التقنيات الحديثة؟ ـ التحدي أمام الشركات التي تعمل في مجال النفط في الوقت الحالي هو التفكير في المستقبل ووضع رؤية للتقنيات المستقبلية، ونعمل من موقعنا على سبعة مشاريع تقنية رئيسية نقوم بتطويرها حالياً في مركز «إكسبك» للأبحاث المتقدمة في أرامكو السعودية، ومنها تقنية الآبار الذكية شديدة التفرع، وهي إحدى تقنيات المستقبل، وللآبار الذكية عدد كبير من التفرعات الجانبية في عمق الأرض لإنتاج النفط بشكل أكثر سلاسة وغزارة وتسهيل الوصول إلى المكونات الصخرية الصعبة والمعزولة. والآبار المتفرعة التقليدية التي نستعملها في الوقت الحالي محددة بحوالي أربعة فروع جانبية ذكية فقط، لأن كلاً من هذه الفروع يحتوي على صمام يتم التحكم فيه عن طريق ذراع ميكانيكي يمتد من قاع الارض في المكمن إلى رأس البئر. ولأن البئر ليس بها حيز يمكنه أن يحتوي على أكثر من ثلاثة أو أربعة من هذه الأذرع الميكانيكية، فإن هذه الآبار المتفرعة التقليدية لا تستطيع ان تحتوي على أكثر من هذا العدد من الفروع الذكية. ويعمل مركز «إكسبك» للأبحاث المتقدمة في الوقت الحالي على تطوير طرق علمية حديثة لاستبدال الأذرع الميكانيكة بأجهزة لاسلكية للتحكم بصمامات الفروع الذكية. ونحن في المركز نعمل على تزويد هذه الصمامات بالطاقة عن طريق بطاريات قابلة للشحن في باطن الأرض يتم شحنها بتيار كهربائي يتم توليده من جريان السوائل في هذه الفروع. ويمكن ان نحصل على عدد غير محدود من الفروع الذكية التي يمكن ان تحتويها البئر، وصولا إلى 50 أو 100 فرع، ويطلق على هذه التقنية اسم الآبار الذكية شديدة التفرع، وستدخل حيز التطبيق التجريبي خلال السنوات الثلاث القادمة.

* هل تم تطوير تقنيات أخرى في المركز؟

ـ نحن في مركز «إكسبك» نعمل على تطوير الكثير من التقنيات وإيجاد الحلول البديلة للتقنيات التقليدية وتطويرها، ورصد الموجات السيسموغرافية الذاتيه للأرض حيث نقوم برصد الموجات الذاتية، فيعتمد على الطاقة الذاتية للأرض التي تحصل بسبب تحركات القشرة الأرضية، والتى تولد موجات منخفضة الطاقة لا يمكن الكشف عنها بأجهزة الرصد العادية. ولدينا الآن مشروع في حقل الغوار لرصد الموجات عن طريق أجهزة استشعار شديدة الحساسية في عمق الآبار وعلى سطح الأرض، وتمكنَّا من هذه التقنية من الكشف عن صدوع أرضية لا يمكن الكشف عنها بالطرق التقليدية، ونأمل أن نستطيع تطوير هذه التقنية إلى حد نتمكن من خلاله من التكهن بشكل فعال بطريقة جريان السوائل في مكامن النفط.

وتقنيتنا الثالثة هي محاكاة مكامن النفط هي من أهم التقنيات التي نستعملها لمعرفة سلوك المكمن عندما ننتج النفط منه، أو عندما نحقن الماء فيه لدفع النفط والحفاظ على مستويات ثابتة للضغط في المكمن. وعندما تعرف سلوك المكمن فإنه يمكنك أن تنتج منه بطريقة مثلى، تؤدي في النهاية لاستخلاص كميات أكبر من النفط المخزون فيه. وهدفنا على المدى البعيد هو دفع عجلة التقدم في هذه التقنية إلى مستويات أعلى، حتى يمكننا محاكاة مكامن ضخمة مثل حقل الغوار بنماذج دقيقة جداً. كما طورنا تقنية حقن سوائل ذكية في المكمن لتضفي سلوكاً معيناً مرغوباً على المكونات الصخرية المنتجة للنفط والغاز، مثل منع تدفق الماء في هذه المكونات الصخرية والسماح بتدفق النفط بشكل تلقائي. ويصل متوسط إنتاج الماء المصاحب للنفط في العالم إلى 80 في المائة، أي أن كل برميل من النفط يصاحبه حوالي أربعة براميل من الماء. وتنتج بعض الشركات الماء المصاحب للنفط بنسب تصل إلى 90% و95%، وأحياناُ حتى إلى 99% (99 برميلا من الماء مع كل برميل للنفط). أما بالنسبة لإنتاج أرامكو فنسب الماء منخفضة للغاية، وتقل عن 25 في المائة، بسبب استخدام التقنيات الحديثة الفعالة واستراتيجية الانتاج المتزن على المدى الطويل.

* الكثير يرى أن الحقول السعودية المنتجة للنفط في مرحلة الشيخوخة، عطفاً على سنوات الإنتاج الطويلة، كيف تتعاملون مع هذه الحقيقة؟ ـ نعمل في الوقت الراهن على تطوير تقنية الآبار الحيوية (البيونية)، وهذه الآبار تحاكي الأشجارَ في نمو جذورها، إن الآبار الحيوية ستحاكي نمط هذه الجذور، فسنحفر هذه الآبار إلى عمق الأرض، ثم تقوم باستشعار منطقة تحتوي على النفط، وتمد فرعا إلى هذه المنطقة، حتى إذا ما نضب النفط هناك قامت البئر بقطع ذلك الفرع ومد فرع آخر إلى منطقة لا تزال تحتوي على النفط، بطريقة تشبه مد جذور الأشجار في باطن الأرض، إلى أن يتم استخراج محتوى المكمن المستهدف بالكامل. وهكذا، فإن البئر ستحدد بنفسها ما إذا كانت المكونات الصخرية تحتوي على النفط أو الماء، وتفتح فروعا جانبية باتجاه المكونات الحاوية للنفط، ومن ثم قطعها عندما تستنفد، وفتح فروع أخرى من جديد. كما نطور في الوقت الراهن تقنيات مثل مجسات النانو روبوت، للكشف عن مستوى المخزون النفطي ومواقعه في الحقول، مجس النانو روبوت عبارة عن إنسان آلي في غاية الصغر، حجمه لا يتعدى بضع مئات فقط من النانومتر، أو حوالي واحد في المائة من حجم قطر شعرة الإنسان لتتمكن من المرور خلال الفسحات المسامية والمجازات الضيقة للغاية في الصخور، والتى تكون مكامن النفط في باطن الأرض.

وسنصنع هذه المجسات بأعداد كبيرة ونضخها كجيش إلى باطن الأرض مع الماء الذي يحقن في المكمن لدفع النفط. ستمضي هذه المجسات ـ محمولة بالماء والنفط ـ خلال المكمن، وتجمع خلال رحلتها معلومات عن ضغط وحرارة ونوع السوائل، وتقوم بتخزين هذه المعلومات في ذاكرة حاسوبية. ومع مضي عمليات الانتاج قدماً سيحمل النفط هذه المجسات إلى الآبار المنتجة للنفط، ومن ثم سيتم التقاطها من النفط المُنتَج واستخلاص المعلومات من ذاكرتها. بهذه الطريقه سنتمكن من رسم خارطة دقيقة لخواص المكمن بشكل لا يمكن تخيله في الوقت الراهن. وستكون هذه نقلة نوعية وثورة كبيرة في مجال قدرتنا على رصد ما يحصل في باطن المكامن.

* هل بدأتم بتصنيع هذه المجسات؟ ـ بدأنا بالفعل الرحلة الطويلة لتطويرها، وخطتنا تشمل أبحاثاً تتعلق بتصغير أجهزة الاستشعار إلى مستويات عالية الدقة، وتطوير أنظمة للتواصل مع هذه المجسات، وذاكرات حاسوبية مجهرية. وللوصول إلى المستوى الأمثل لصغر حجم المجسات نظرنا إلى توزيع المجازات الضيقة في حقل الغوار. قمنا بتحليل أكثر من 850 عينة صخرية ودراسة حجم المجازات بها، والتي تعد صغيرة جداً، لكن معظمها أكبر من حوالي 500 نانومتر. وهكذا أصبح لدينا هدف أولي ترمي إليه جهود التصغير، كما أننا ننفذ حالياً أول تجربة في العالم لاختبار هذه النتيجة بشكل عملي، في هذه التجربة قمنا بصنع روبوتات مجهرية ذات أحجام مختلفة يتم حقنها في عينات صخرية من حقل الغوار، ويتم حساب عدد هذه الجسيمات الدقيقة التي تتمكن من المرور في العينات الصخرية.

* وكيف كانت النتائج؟ ـ الروبوتات التي صنعناها لغرض هذه التجربة هي روبوتات «خاوية» لا تحتوي على أية أجهزة استشعار، فهي جسيمات دقيقة فحسب، لأن ما يهمنا في هذه المرحلة هو اختبار الحجم فقط. وتقنية الجسيمات الدقيقة (النانو) هي واحدة من التقنيات الأسرع نمواً وتطوراً في العالم، خصوصاً في تطبيقات الطب وعلم المواد. وتعد «أرامكو» من رواد تسخير هذه التقنية المتطورة في قطاع النفط بالتعاون مع شركائنا في هذا المجال.