السعودية تستنسخ تجربة إسبانيا في تحويل المباني والقصور التاريخية المملوكة للدولة لمزارات سياحية

نائب أمين الهيئة العليا للسياحة يكشف عن حصر 10 آلاف موقع أثري في المملكة .. و«250» قرية تراثية تنتظر تأهيلها سياحيا

د. الغبان
TT

كشف الدكتور علي الغبان، نائب أمين عام الهيئة العليا للسياحة لشؤون الآثار والمتاحف، عن عزم الهيئة إنشاء شركة متخصصة لاستثمار المباني التاريخية التي تملكها الدولة سياحيا.

وأوضح في حوار لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة انعقاد ملتقى السفر والاستثمار السياحي، إن الهيئة العليا للسياحة، كلفت شركة جنوب أفريقية متخصصة، بإعداد دراسة جدوى اقتصادية لهذا المشروع، وأنه تم حصر أكثر من 55 مبنى تاريخيا، يمكن استثماره اقتصادياً في المجال السياحي، وان من بينها قلاعا وقصورا مملوكة للدولة.

وأعلن الغبان عن حصر 250 قرية تراثية يمكن استثمارها سياحيا، مشيراً إلى أن الهيئة تعمل على تأهيل 10 منها حالياً، كمناطق سياحية، وأن من بينها بلدة «الغاط» القديمة في منطقة الرياض، و«رجال ألمع» وقرية «ذي عين» التابعتين لمنطقة عسير، وقرية العلا القديمة في منطقة المدينة المنورة، وقرية «جبة» في منطقة حائل، مؤكداً وجود فرص استثمارية حقيقية وواعدة في قطاع الآثار في السعودية.

وفي ما يلي نص الحوار:

* ماذا يمثل لكم ملتقى السفر والاستثمار السياحي، كونكم من المهتمين بالآثار، ولا تخفى على أحد، العلاقة الوثيقة بين الآثار والسياحة؟

ـ المؤتمر بالنسبة لنا، مجال خصب للتعريف بفرص الاستثمار المتاحة في مجال الآثار والمتاحف، إذ لا شك في أن الموارد التراثية والثقافية في السعودية متنوعة ومتعددة، والهيئة العليا للسياحة منذ نشأتها، عملت على حصر هذه الموارد وتقييمها ومعرفة الصالح منها للتنمية السياحية. ومن خلال هذه الجهود، اتضح وجود فرص استثمارية حقيقية وواعدة في قطاع الآثار، فبدأنا بخطوات جدية لتحويل هذه الفرص إلى مشاريع استثمارية، تخدم الآثار وتحافظ عليها، وفي نفس الوقت، عملنا على تنويع المنتجات السياحية وتجميلها بباقات من منتجات السياحة الثقافية التي تستهوي السائح المحلي، والوافد من الدول العربية والاسلامية وباقي دول العالم، ولعل من أهم الأعمال التي تمت في هذا الجانب، إعداد دراسة جدوى اقتصادية لاستثمار المباني التاريخية المملوكة للدولة استثماراً اقتصادياً، من خلال توظيفها كمواقع للإيواء السياحي، وكمنشآت للضيافة السياحية بطابع تراثي.

وتم حصر أكثر من 55 مبنى موزعا على جميع المناطق في عملية حصر مبدئي، وقد طلب بالتعاون مع وزارة المالية، من شركة متخصصة إعداد دراسة جدوى اقتصادية لإنشاء شركة لاستثمار هذه المباني في مجال الايواء والضيافة السياحية. وتم اختيار المباني بعناية، وروعي فيها معايير معينة، أبرزها صلاحيتها للاستثمار، ورمزيتها الثقافية، ومناسبتها لهذا التوظيف. ونحن نتوجه بالتوظيف الاقتصادي لأنواع معينة، فلدينا على سبيل المثال، بعض القلاع الموجودة على الشواطئ كقلعة «المويلح» في منطقة تبوك، الواقعة على شاطئ ذي منظر خلاب، وبجوارها غابات من النخيل، وهي قلعة مملوكة للدولة، وبالإمكان تحويلها الى منتجع سياحي.

وقصر «أبو جفان» القريب من محافظة الخرج، والذي يمكن تحويله الى منتجع صحراوي، بحيث يكون القصر النواة الاساسية للمنتجع، على أن تقام حوله منشآت وخدمات إضافية، ليصبح موقعاً سياحياً متميزاً، وكذلك قلعة «عسفان» القريبة من جدة، فيمكن أن تكون مطعماً تراثيا، وقلعة «تبوك» وعدد من القصور في المنطقة الشرقية. كل هذه المواقع تعتبر فرصاً استثمارية، وحتى نعمل في هذا الجانب، استفدنا من خبرات من سبقونا في توظيف المباني الأثرية سياحيا.

ولعل من أشهر الدول التي انخرطت في هذا المجال، اسبانيا، حيث قامت بتوظيف الكثير من المباني والقصور وحولتها الى سلسلة فنادق ومطاعم مشهورة.

وتم الطلب من الشركة الاستشارية المكلفة، والتي من المفترض أن تقوم بدراسة جدوى اقتصادية لإنشاء شركة لاستثمار هذه المباني، أن تستعين بخبراء شركة البارادورس الإسبانية، والآن يقومون باستكمال الزيارات الميدانية لاعداد هذه الدراسة.

* هل الشركة للقطاع الخاص أم للدولة ؟

ـ وفق الدراسة، فقد يكون للدولة مشاركة فيها على غرار شركة الفنادق، بحيث تكون مختلطة، أي قطاعا خاصا مع الدولة، ومن الممكن أن تكون قطاعا خاصا وحسب، فالسوق السياحية في السعودية سوق كبيرة وهذه المباني بالامكان ان تستوعبها السوق السياحية. أما الجانب الثاني فهو القرى التراثية، والتي تملك الكثير من المقومات المهمة، تم حصر 250 قرية حتى الآن كحصر مبدئي، ونعمل على 10 من هذه القرى لتأهيلها لتكون مناطق سياحية مميزة، تمارس فيها نشاطات تراثية وثقافية، ويكون فيها تراث سياحي وخدمات متكاملة، بحيث تكون القرية السياحية وجهة متكاملة يمكن أن يقصدها الزائر ويسكن فيها ويستمتع بتراثها المادي وغير المادي.

* ما أهم المعايير لتصنيف القرية التراثية ؟

ـ هناك تقريباً 6 معايير أساسية، على ضوئها، اختيرت القرى ذات الأولوية، لكن من أهم المعايير، وجود القرية بالقرب من سوق سياحية واعدة، واشتمالها على مقومات تؤهلها للتوظيف في مجال التنمية السياحية، ولا بد من أن يكون هناك رغبة من المجتمع المحلي في استثمار وتنمية قريتهم ايضاً، فوجود مقومات عمرانية وتراثية مميزة في القرية تجعلها جذابة، مثل قرية «رجال ألمع» القريبة من أبها، والتي يمكن الوصول إليها أيضا عن طريق «التلفريك»، وقرى كثيرة تم الحفاظ عليها بحكم أنها هجرت وانتقل السكان منها إلى مناطق مجاورة. وقد تم العمل على القرى التراثية باستخدام أسلوب يجمع بين برنامج للشراكة الفعالة، يشارك فيه المجتمع المحلي، ويحدد فرصا استثمارية يستطيع أن يقوم بها المجتمع مع مستثمر من الخارج، كتحويل بعض المنازل إلى فنادق تراثية على غرار ما تم في بعض الدول، أو توفير الخدمات المطلوبة للسواح في هذه القرى من مطاعم وخدمات إضافية. وذلك إضافةً إلى البرامج والفعاليات التي يمكن أن يقوم بتنفيذها المستثمرون من القطاع الخاص بالشراكة مع المجتمع المحلي، كالحرف والصناعات اليدوية، وبرامج الأسر المنتجة.

وعلى هذا الغرار من مجالات الاستثمار الممكنة، كما سيتم في المستقبل، تشغيل بعض المواقع الأثرية، ويمكن أن يتم الاستثمار في هذه القرى عن طريق التشغيل، أو التوظيف بعقود مرنة، والهدف بالدرجة الأولى، هو حماية التراث، ثم توظيفه، لأنه بعد تجارب عديدة تأكد للعالم أن التنمية خير وسيلة للمحافظة على التراث. ونحن نسير في هذا الخط، فنظام الآثار الجديد، اهتم بقضية الاستثمار في المكونات التراثية، ونتمنى أن نجد كل مبنى تراثي موظفاً توظيفاً جيداً، وله مردود يساعد على خلق فرص عمل في المكان الذي يوجد فيه، كما يوفر موارد، يتم صرفها على الآثار نفسها.

* هل هناك حصر للآثار والمتاحف، وكيفية الاستفادة منها؟

ـ العدد كبير، ونتوقع أن السعودية تحتوي على مئات الآلاف من المواقع الأثرية، وما تم حصره حتى الآن، يُقدر بحوالي 10 آلاف موقع مهم، ولدينا الآن مشروع ضخم هو «سجل الآثار الوطنية»، وهو سجل رقمي يُدون فيه جميع مواقع الآثار السعودية، سواء مواقع أثرية أم مواقع تاريخية، أو تراث شعبي، أو التاريخ الادبي او التراث العمراني. وسيتم تسجيل القطع الأثرية الموجودة بالمتاحف، ولدى العامة في السجل، بحيث تصبح شيئاً متكاملاً مع الآثار، بالاضافة العمل على تأسيس البنية التحتية، التي تمكنا من تنفيذ هذا المشروع الضخم.

وبالنسبة للمتاحف، فهناك 30 إلى 40 متحفا، لكن عدداً محدوداً منها يرتقي إلى المستوى المطلوب، والمتحف الوطني هو قمة هذه المتاحف، وهناك أيضا 6 متاحف في المناطق والمحافظات، يجري العمل على تطويرها. ولدينا مشروع لإنشاء 5 متاحف إقليمية أخرى، في كل من الدمام، وأبها، والباحة، وحائل وتبوك. كما تتوفر في عدد من المحافظات، الكثير من المباني الأثرية، يجري العمل على تحويل الكثير منها، خصوصاً أنه تم ترميمها في السابق، ولم توظف توظيفاً كاملاً، ولا بد أن نذكر أن السعودية أنفقت الكثير على الآثار في ما مضى، وأجرت أعمال ترميم على العديد من المباني، لكنها لم توظف توظيفا كاملاً، فالآن يجري توظيفه، بحيث يصبح متحفاً للمحافظة التي يتبع لها، وذلك ليحقق أهدافاً كبيرة، منها أن يصبح مُنتجا سياحيا يستفيد منه السائح، وفي نفس الوقت يحافظ على تراث المكان الذي يوجد فيه، ويعرضه بطريقة سليمة، ويساهم بالتربية والتعليم المتحفي، وفي التربية الوطنية.

* كيف يتم التعامل مع المتاحف الخاصة؟

ـ هناك مجموعة كبيرة جداً من المواطنين، لديهم مجموعات خاصة، وضمنها مجموعات تراثية يتم المحافظة عليها، ويحرصون على عرضها للزائر. ونحن خلال هذه الفترة نعطي تصاريح مؤقتة للمتاحف الخاصة، بهدف تطوير برنامج متكامل للتعامل مع المتاحف الخاصة، بحيث يصبح لكل متحف علامة جودة، فيما تلتزم الهيئة العليا للسياحة من خلال ذلك، بتقديم الدعم الفني، ومساعدة صاحب المتحف على تنظيم عروضه، ويجب أن يكون لديه مواعيد محددة للجمهور، ويعرض قطعه ومُقتنياته بطريقة مناسبة، ويحصل على المقابل المادي من الزوار، وهناك تنظيم حول هذه المسألة قيد الدراسة.