«صناديق الثروات السيادية» تدافع عن استثماراتها في أميركا

السعودية تتطلع لإنشاء أكبر صندوق سيادي في العالم > مسؤولون يؤكدون عدم وجود أهداف سياسية > فيتنام ستكون نجما

تثير عمليات الشراء المطردة التي تقوم بها الصناديق السيادية في أميركا قلقا متزايدا بين السياسيين (خدمة كي آر تي)
TT

لم يكن بدر السعد، العضو المنتدب لهيئة الاستثمار الكويتية، أحد أكبر الصناديق الاستثمارية في العالم، يفكر في شراء حصة كبيرة في «سيتي غروب» و«مريل لينش»؛ ولكن ماذا حدث، أنه في الأيام الأولى من يناير (كانون الثاني)، بينما كان في مكتبه كالمعتاد يراجع بعض الصفقات المحتملة في الكويت وبعض الأماكن الأخرى في منطقة الخليج العربي، طلب منه البنكان أن يستثمر فيهما. قام الصندوق الكويتي بشراء أسهم قيمتها 3 مليارات دولار في «سيتي غروب» وحصة قيمتها مليارا دولار في «مريل لينش».

وتثير عمليات الشراء المضطردة في الولايات المتحدة والتي تقوم بها بعض صناديق الثروة السيادية، مثل هيئة الاستثمار الكويتي، قلقا متزايدا حول الأهداف والدوافع وراء عمليات الشراء هذه. ومن المتوقع أن تسيطر هذه الصناديق، التي تسيطر الآن على 2.5 تريليون دولار، على 12 تريليون دولار بحلول 2015. وبحسب بيانات لمورغان ستانلي، فإن الدول العربية الستة، التي تقع على الشاطئ الغربي للخليج العربي والتي تتحكم في نحو ربع إمدادات البترول في العالم، لديها أكثر من نصف الأموال في الصناديق. وبالنسبة للصناديق؛ فقد وُصفت، من ناحية، بأنها «المخلص»، فهي تدعم الاقتصاد الأميركي المكافح عن طريق توفير إمدادات نقدية. ولكن، من ناحية أخرى، هناك مخاوف أن تتخذ استثماراتها منحى سياسيا، فمن المحتمل أن تشتري هذه الصناديق حصصا في كيانات على نحو يمكن أن يعرض أمن الولايات المتحدة للخطر في الوقت الذي تزيد من مصالحها القومية. ويقول السعد، وبعض مديري الصناديق في منطقة الخليج العربي، أن استثماراتهم ذات أغراض تجارية بحتة وتهدف لتحقيق الربح، معربين عن شعورهم بالغضب بسبب الهجوم عليهم بعد أن قاموا بتوفير التمويل الذي طلبته بعض الشركات الأميركية. ويتساءل السعد «لماذا يسعى كل شخص للنيل من صناديق الثروات السيادية؟ ما الذي اقترفته هذه الصناديق؟ هل تصرفت بشكل غير مناسب في أي من الدول التي استثمرت فيها؟.. ما يتحدثون عنه هو مجرد مخاوف من أشياء لم ولن تحدث». وتقدر قيمة الصندوق الكويتي الذي يشرف عليه السعد بنحو 213 مليار دولار. من جهته، يقول محمد الجاسر، المسؤول بمؤسسة النقد العربي السعودي والتي تسعى لإنشاء صندوق قد يبلغ أكثر من 900 مليار دولار ويكون بهذا أكبر صندوق في العالم «الأمر يبدو كما لو كانت صناديق الثروات السيادية مذنبة حتى تثبت براءتها».

من جانبه، حذر سلطان أحمد بن سليمان، رئيس دبي العالمية، التي تدير صندوق ثروات سيادية يقدر بـ8 مليارات دولار، منتقدي الصناديق في الدول الغربية، وقال إذا كانت هذه الأموال غير مُرحب بها، هناك العديد من الأماكن الأخرى التي يمكن ضخ استثمارات الصناديق بها. وألقى طلال الزين، الرئيس التنفيذي لصندوق البحرين للثروات السياسية والذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار تصريحات مشابهة. قائلا: «آمل ألا يتسبب هذا اللغط حول صناديق الثروات السيادية في إغلاق السوق لأن هذا سيكون شيئا مخجلا». ويسعى الصندوق البحريني لإتمام أول عمليات الشراء في الولايات المتحدة هذا العام. وخلال الأسابيع الأخيرة، زادت حدة النقاش حول شفافية صناديق الثروات السيادية والرقابة عليها. واعترف مسؤولون في الولايات المتحدة وأوربا أنهم في حاجة ملحة للاستثمار الأجنبي، ولكنهم يريدون أن يطمئنوا من أن الصناديق ستقدم المال بعيدا عن أية أهداف سياسية. ويضع صندوق النقد الدولي، تدعمه وزارة الخزانة الأميركية، ميثاق شرف طوعيا لصناديق الثروات السيادية. وخلال الأسبوع الماضي، أعلنت كل من وزارة الخزانة الأميركية وصندوق الثروات السيادية في أبوظبي، الذي يقدر ما يملكه بـ 250 مليار دولار ـ تريليون دولار وصندوق GIC بسنغافورة، والذي يعتقد أن قيمته تصل بين 100 مليار دولار و 330 مليار دولار، أنهم قد اتفقوا على «فلسفة» لنشاط صناديق الثروات السيادية. وقالوا، على سبيل المثال، يجب أن تكون الاستثمارات تجارية على نحو تام. وفي خطابه لوزير الخزانة هنري بولسون الأسبوع الماضي، قال صندوق أبو ظبي إنه لن يستخدم استثماراته لتحقيق أي مكسب سياسي. ولكن وعوده لم تشمل التعهد بتقديم بيانات إفصاح معينة، مثل قائمة باستثمارات الصندوق، التي يريدها مسؤولون بوزارة الخزانة. وخلال العام الماضي، كانت هناك رغبة شديدة من جانب الدول العربية الست الخليجية، والتي تجني نحو 1.5 مليار دولار يوميا من مبيعات البترول بسعر 100 دولار للبرميل، لإجراء عمليات شراء؛ فقد قامت هذه الدول بشراء حصص في بعض المؤسسات الأميركية المشهورة مثل « برنيز نيويورك»و «كارلايل غروب» و«إم جي إم ميراج» و «بورصة ناسداك». وتتزعم هيئة الاستثمار الكويتية الجهود للدفع عن صناديق الثروات السيادية في هذه المناقشات. وقد تأسست الهيئة عام 1953، وهي بذلك أقدم صندوق من هذا النوع في العالم، وتهدف للادخار والاستفادة من العوائد الحكومية والتجهيز للوقت الذي تنضب فيه حقول البترول في البلاد. وخلال الأعوام الأخيرة كانت عوائد الهيئة غير عادية حيث بلغت: 13.3 في المائة خلال 2007 و15.8 في المائة خلال 2006 و 11 في المائة خلال 2005. وتدير وزارة المالية الكويتية هذا الصندوق الذي يوظف نحو 420 متعاملا ومحللا وموظفين آخرين، أكثر من 80 في المائة منهم كويتيون. وتبلغ أصول الصندوق 2.5 مرة من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي للكويت، وبحسب تقرير لبنك ستاندرد تشارترد، فإن هذا الصندوق هو رابع أكبر صندوق في العالم، بعد صناديق أبو ظبي والنرويج وسنغافورة. وكان معظم استثمارات هيئة الاستثمار الكويتية داخل الكويت نفسها أو في الدول المجاورة، ما عدا حصة كرايسلر (Chrysler) عام 1970. وللهيئة حصص في شركة تنمية اللحوم الحية في سورية وشركة عقارات في اليمن ومستشفى في مصر. وكان السعد يعمل في تشاس مانهاتن والبنك القومي الأول بشيكاغو، وأراد أن يقوم بتغييرات كبيرة لإجراء بعض التحسينات، ومن ثم فقد أعاد تغيير شكل الصندوق وبدأ في التطلع إلى أهداف في الخارج. وحين قامت هيئة الاستثمار الكويتية بعمليات شراء في وول ستريت أصبحت معروفة بصورة أكبر في العالم. ويقول السعد البالغ من العمر 50 عاما: «أنا متأكد أننا الآن في دليل التليفونات الخاص بالبنوك الاستثمارية، فنحن الآن معروفون على نطاق أوسع». ويضيف أنه خلال السنوات القليلة المقبلة «أتطلع لمحفظة تذكارية» تضم بعض الأسماء الكبيرة في عالم التجارة. ويشير السعد الى أن صفقات شراء الأصول القادمة في الولايات المتحدة من المحتمل أن تكون في قطاع العقارات، الذي يتوقع له الازدهار مستقبلا كهدف استثماري، رغم انه قد يصل الى القاع خلال الأشهر القليلة المقبلة. وقال السعد إنه يعتقد أيضا أن شركات الاتصالات الأميركية وشركات مالية سوف تكون استثمارات جيدة. وأضاف السعد: «ثمة فرص جديرة بالثقة لا تكرر كل يوم. ندرس الأزمة الأخيرة في الوقت الذي نقوم باستثمارات في بعض القطاعات الجديرة بالثقة. احب ان اقرأ التاريخ. مشاكل الاقراض والادخار السابقة خلقت فرصا ذهبية». وقال السعد، بدون ذكر أسماء، أنه يُجرى الإعداد لبعض الصفقات في الولايات المتحدة، وأنه من المحتمل أن يتم الإعلان عنها قريبا. ومع هذا فقد نوه «أن فيتنام ستكون نجما في القريب». وأنه يتطلع أيضا إلى تركيا، التي قال إنها سوف تكون بلدا محوريا في منطقة البلقان. وتبدي هيئة الاستثمار الكويتية اهتماما بأفريقيا، والتي تمثل مصدرا للنحاس والحديد والذهب وغيرها من المعادن. ويقول السعد: «أعتقد أنه في السنوات المقبلة سيكون النمو في آسيا تاريخا، وأن أفريقيا سوف تليها. لا أعرف متى سيكون ذلك ولكن أعتقد أن هذا سيكون خلال عامين أو ثلاثة». ومع أن صناديق الثروات السيادية تقوم بتوسيع استثماراتها في كافة أرجاء العالم، فهي على وعي كبير أنه يجب عليها أن تتعامل في مخاوف الدول التي تضع فيها أموالها. ويقول السعد إن استثمارات الصندوق الكويتي في أية منطقة هو أمر نسبي يرتبط بحصة هذه المنطقة في الإنتاج العالمي. ولكنه يشير إلى أن هناك استثناءات بسبب عمليات الشراء لشركات التمويل حديثا، فإن حصصها في الولايات المتحدة أكبر بصورة ملحوظة. ويقول السعد إن حاملي الأسهم الذين يجب أن يتعرفوا على أسلوب عمل الصندوق لديهم كل المعلومات التي يحتاجونها وأنه لا يتوقع أي تغييرات فيما تفصح عنه. ومع هذا يقول مسؤولون في العديد من الصناديق إنهم بصدد إجراء تغييرات تهدف الى طمأنة من ينتابه بعض القلق بشأن التوسعات التي تقوم بها الصناديق. فعلى سبيل المثال، أعلن الصندوق الرائد في سنغافورة « تيماسك» في نوفمبر (تشرين الثاني) أنه بسبب الزيادة في المشاعر القومية فإنه سيستهدف العمل مع بعض الشركاء المحليين وأنه سيتراجع عن تملك حصص مهيمنة في بعض الشركات الدولية. ويقول دنابلان، رئيس الصندوق، إن الصندوق الذي تصل قيمته لـ 108 مليارات دولار، سيضع في الاعتبار «القضايا الحساسة» عند دراسة صفقات التملك. ويقول طلال الزين إن صندوق البحرين ـ الذي لديه حصة تبلغ 30 في المائة في شركة سيارات السباق «فورميولا وان» ـ ماكلارين راسنيغ ـ سيبقى بعيدا عن الصناعات التي من الممكن أن تتسبب في خلق توتر وأنه يأمل أن يصدر الصندوق أول تقرير سنوي له هذا العام. ويقول صندوق النرويج، والذي يعتبر من أكثر الصناديق شفافية في العالم حيث يصدر قائمة كاملة عن استثماراته كل عام، أن هناك حدودا لما يتوقع أن تعلنه صناديق الثروات السيادية. ويقول مارتين سكانك، المدير العام لقسم إدارة الأصول بوزارة المالية النرويجية: «ربما تكون هناك أسباب تجارية واقعية جدا وصحيحة وراء عدم رغبة الصناديق في أن تظهر شفافية بخصوص كل شيء». وتشرف وزارة المالية على الصندوق الذي يقدر بـ 322 مليار دولار. ويعترف السعد بأنه لتحقيق هدفه المتمثل في القدرة على الاستثمار بحرية في كل أنحاء العالم، فإنه من المهم أن يتم إقناع الدول الأخرى أن صناديق الثروة السيادية لا تمثل تهديدا، مشيرا إلى أن هذه الحملة تبدأ بالولايات المتحدة. ويضيف السعد «ثمة خطر حقيقي أمام تدفق رأس المال العالمي إذا ما تم التضييق على صناديق الثروة السيادية. يكون في هذا خطر عندما يأتي من أصحاب رؤوس الأموال». «عندما تكون أنت الزعيم والشخص الذي يضع اللوائح التي تنظم المؤسسات وأكبر اقتصاد في العالم... إذا ما فكرت فقط في هذه الأشياء، فهذه مخاطرة في ذاتها».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)