بريطانيا: أزمة قروض عقارية تلوح بالأفق في ظل تزايد المخاوف الاقتصادية

سباق محموم على سحب المنتجات والقروض العقارية وسط توقعات بخفض الفائدة الأسبوع المقبل

TT

أدت أزمة الائتمان العالمية الى تضرر الاقتصاد البريطاني، الذي تجنب الركود منذ بداية التسعينات، وكان الافضل اداء بين مجموعة السبع الصناعية. ويتوقع اغلب الخبراء ان يتراجع النمو الاقتصادي في بريطانيا الى النصف تقريبا، مرجحين ان يبلغ في العام الحالي 1.6 في المائة، وهو أدنى معدل نمو منذ عام 1992.

واسعار المنازل في بريطانيا، التي كانت محركا للنمو على مدى العقد الماضي، آخذة في الهبوط، والجنيه انخفض اكثر من 10 في المائة مقابل اليورو منذ سبتمبر (أيلول)، عندما اضطر بنك انجلترا للتدخل من اجل انقاذ بنك نورذرن روك».

وتواجه بريطانيا تباطؤا كبيرا في سوق الاسكان، فقد وضعها اخر تقرير وكالة التصنيف الائتماني «ستاندرد آند بورز» على قدم المساواة مع اسبانيا، حيث ان سوق الاسكان في اوروبا على الارجح، سيتبع سوق الولايات المتحدة في عملية التصويب. كما تتسابق البنوك والمؤسسات المالية والعقارية على سحب منتجاتها وقروضها العقارية او رفع كلفة الرهون العقارية مع تفاقم ازمة الائتمان العالمي ونقصان السيولة في الاسواق، فضلا عن تزايد المخاوف الاقتصادية.

وفي الاسبوع الماضي، قالت مؤسسة «نيشن وايد» العقارية في بريطانيا، ان اسعار المنازل تتراجع منذ خمسة اشهر على التوالي، متوقعة انخفاض الاسعار فى عام 2008. ومنذ ذلك الحين كان هناك اتفاق بين الخبراء الاقتصاديين على ان قطاع العقارات تباطأ والاسعار في طريقها للمزيد من الهبوط. وفي هذا الاطار توقع هوارد ارشر كبير الاقتصاديين في بريطانيا لدى مؤسسة «غلوبال انسايت» للابحاث، ان تتراجع اسعار المنازل بنحو بنسبة 5 فى المائة فى عام 2008، وقدمت مؤسسة «كابيتال اكونوميكس» الاقتصادية في لندن توقعات متطابقة. كما مركز ابحاث الاقتصاد والاعمال البريطاني، رغم انه يختلف في اللغة فقط مع المتشائمين، من خلال الحديث عن «هبوط ناعم»، لكنه يتوقع ان تشهد الاسعار انخفاضا بنحو 3 فى المائة فى عام 2008. في حين ان مؤسسة لومبارد للبحوث تتوقع هبوطا حادا في اسعار المنازل بنحو 10 في المائة. وبالمحصلة فان الخلاف ليس على الهبوط او عدمه، بل على نسبة ذلك الهبوط في القطاع العقاري وسرعته.

وأشار بنك انجلترا (البنك المركزي) الى ان أزمة الائتمان العالمية وضعت الاقتصاد البريطاني على مسار النمو الابطأ منذ 16 سنة، مبينا ان البنوك البريطانية تتوقع تراجعا أكبر في الرهون العقارية في الربع الثاني من العام الحالي، بعد ان تراجعت منح الرهون العقارية بنحو 40 في المائة في الربع الاول من عام 2008. يشار هنا الى ان ديون البريطانيين ارتفعت بشكل مذهل الى نحو 1.4 تريليون جنيه استرليني (حوالي 2.8 تريليون دولار). بينما ارتفعت عمليات السحب على المكشوف والقروض الشخصية الى 2 مليار جنيه، وهو اعلى معدل منذ عام 1993. أما صافي الائتمان الاستهلاكي، الذي يتضمن أيضا بطاقات الائتمان والإقراض، كان في اعلى مستوى منذ عام 2002.

ونتيجة هذا الوضع فقد بدأت البنوك والمؤسسات المالية والعقارية تتسابق على سحب منتجاتها العقارية او رفع كلفة الرهون العقارية مع تفاقم ازمة الائتمان العالمي ونقصان السيولة في الاسواق.

فقد التحق (البنك التعاوني Cooparetive Bank ) ببنك (فيرست دايركت First Direct)، في ارسال اشارة الأخبار العقارية السيئة في الفترة الاخيرة في بريطانيا، إذ قرر وقف تقديم القروض العقارية للزبائن الجدد وسحب جميع عروضه القديمة بهذا الخصوص، والتركيز في منتجاته وقروضه على زبائنه الحاليين.

كما قرر البنك المعروف بنشاطه في قطاع القروض العقارية في بريطانيا، سحب منتجاته الخاصة بالقروض التي تتمتع بمعدلات فائدة ثابتة لمدة سنتين او ثلاث سنوات.

الخطوة جاءت بعد ساعات على قرار بنك «فيرست دايركت» وقف منح المواطنين القروض العقارية، خصوصا للزبائن الجدد والراغبين بدخول سوق العقار للمرة الاولى، تحت ضغوط ازمة الإئتمان الدولية والمحلية التي بدأت تدخل كل بيت حاليا. ويقول البنك الذي يملكه بنك (اتش اس بي سي HSBC) ان الخطوة جاءت ردا على الكم الكبير من الطلبات التي تسلمها لمنح القروض العقارية في الفترة الاخيرة، لأن اسعاره تعتبر ارخص نسبيا من غيره من البنوك ومؤسسات الإقراض العقاري في البلاد. وفعلا حاول الكثير من المواطنين اللجوء الى «فيرست دايركت» نتيجة ارتفاع اسعار القروض لدى معظم البنوك بشكل لم يسبق له مثيل، رغم محاولات تدخل البنك المركزي في انجلترا وتخفيضه لمعدل الفائدة عدة مرات منذ السنة الماضية. ولم يتوقف الامر على «البنك التعاوني» و«فيرست دايركت» في سحب منتجاتها العقارية من الاسواق، إذ اتخذت عدة بنوك اخرى نفس الخطوة وتوقف اعطاء القروض بالمرة بسبب الشحة في الديون والتمويلات وغلائها بين البنوك. فقد رفع كل من بنك سكوتيش ويدوز Scottish Widows وبنك نات وست Natwest ايضا كلفة القروض اول من امس، وشدد كل منهما من شروط منحها، مما اصاب المشترين بالهلع، إذ ان تشديد الشروط ورفع كلفة القروض تعني ان على هذا النوع من الزبائن ـ الذي يعتبر مهما في السوق ـ تأمين 10 في المائة من قيمة القرض العقاري للحصول عليه، أي ان على الراغب في شراء عقار للمرة الاولى توفير ما يقارب 25 الف جنيه استرليني (48 الف دولار) لحصول على قرض عقاري، حسب معدل اسعار المنازل حاليا في انجلترا، الذي يصل حاليا الى حوالي 196 الف جنيه (380 الف دولار ). ومع هذا ولتهدئة السوق، اكد المسؤولون في «فيرست دايركت» ان الخطوة مؤقتة، وسيعاود البنك في المستقبل القريب منح القروض للزبائن الجدد، وهو امر مستبعد في ظل اشتداد ازمة الإئتمان المحلية وصعوبة العثور على تمويلات باسعار مقبولة ومعقولة.

كما سجلت المؤسسات المعنية الرسمية والخاصة، تراجعا ضخما في معدل القروض العقارية الممنوحة خلال الفترة الاخيرة، وصل الى 40 في المائة، وهي نسبة خطيرة على صحة الاسواق السكنية. اضف الى ذلك تراجع انواع المنتجات العقارية (القروض) المعروضة والمتوفرة في الاسواق، من 13 الف منتج الى 4 آلاف فقط، أي بتراجع بنسبة 77 في المائة تقريبا.