خبراء يحذرون من النتائج العكسية لتقييد أسعار المواد الغذائية

أكدوا أن تثبيت أسعارها دون مستوى السوق يضر أكثر مما ينفع

TT

تواجه حكومات عديدة في العالم تحدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية بتقييد الاسعار ـ أي تثبيتها دون مستوى سعر السوق ـ على أمل تخفيف العبء الذي يتحمله المواطنون وتفادي قلاقل اجتماعية.

غير ان اقتصاديين دوليين يحذرون، بحسب رويترز، من هذا الاتجاه ويقولون ان ادلة من ازمات سابقة تشير الى ان مثل هذه الاجراءات لا تعكس اتجاه الاسعار وقد تنتهي بأثر عكسي. ويفضل هؤلاء الاقتصاديون مساعدة الفقراء عوضا عن ذلك.

ويقول دون ميتشيل الاقتصادي بالبنك الدولي «ينبغي على الحكومات أخذ خطوات مركزة بتقديم دعم مباشر للفقراء بدلا من البلد بأسره. تقديم دعم نقدي او مساعدة غذائية أكثر فعالية واستمرارية من خطوات عامة على المستوى الوطني».

ورغم أن أسعار المواد الغذائية آخذة في الارتفاع منذ عام 2001 فان الوضع تزامن في العام الماضي مع ارتفاع حاد في أسعار النفط تاركا الكثير من الحكومات تصارع لايجاد حلول سريعة أو تتحول لأدوات قديمة. ووجدت حكومات كثيرة ان اسرع واسهل الحلول واكثرها شعبية التحكم في الاسعار.

وفي الصين حيث بلغت نسبة التضخم أعلى مستوى في 11 عاما قيدت السلطات أسعار مجموعة من السلع، من المعكرونة سريعة التحضير الى الحليب، ووصفت الخطوة بتدخل مؤقت لمحاربة ارتفاع نسبة التضخم. وهذه أول مرة في أكثر من عقد تتدخل فيها بكين في سوق الغذاء.

وادرج البنك الدولي 21 دولة على قائمة الدول التي تقيد أسعار المواد الغذائية الاساسية وتشمل ايضا روسيا ومنغوليا وقازاخستان والكاميرون واليمن وجاميكا ومصر وتونس وجزر المالديف وباكستان وبنما. ويحذر اقتصاديون دوليون من ان قيود الاسعار واساليب التدخل الاخرى تؤدي الى مشاكل في السوق، مثل نقص الامدادات لانها لا تشجع على الانتاج المحلي والتصنيع والتجارة وتمنع حلول السوق.

وبالفعل اكتشفت بعض الدول صحة هذا الرأي.

وكانت الارجنتين قد فرضت ضريبة على صادرات الحبوب بالاضافة الى التحكم في اسعار المواد الغذائية المحلية الى ان هزتها احتجاجات المزارعين في جميع انحاء البلاد على هذه الاجراءات مما ادى لنقص في اللحوم ومنتجات الالبان وتوقف صادرات الحبوب.

وفي الوقت ذاته اعلنت حكومة ماليزيا مراجعة القيود على أسعار 21 سلعة غذائية مثل الحليب والملح والطحين (الدقيق) القمح والارز لأنها أدت لنقص شديد وعمليات تهريب.

ويقول خبراء ان القيود يمكن ان تنجح فقط حين تمثل المواد الغذائية الاساسية حصة صغيرة من إجمالي إنفاق الاسرة وعندما تنفذ لفترة قصيرة مثلما يحدث في المغرب في شهر رمضان. واذا فرضت القيود لفترة اطول من اللازم تزيد احتمالات قفزات كبيرة للاسعار وعدم استقرارها.

وفي الدول الفقيرة حيث يمثل الغذاء جزءا كبيرا من مشتريات المواطنين يكون تاثير الزيادة العالمية لاسعار السلع أكبر ويصبح التوصل لسياسة سليمة للتصدي للوضع امرا حيويا.

ويستورد اليمن مثلا نحو مليوني طن من القمح سنويا وقد شهد تضاعف أسعار القمح ومنتجاته ليقع عدد أكبر من المواطنين في براثن الفقر.

ويقول تيرومالاي سرينفاسان الاقتصادي في البنك الدولي في اليمن «ما لم يتخذ اجراء فانه (الغلاء) قد يبدد ما تحقق من مكاسب للحد من الفقر في البلاد في الفترة من عام 1998 الى عام 2005 بالكامل».

وقد تبدو قيود الاسعار حلا سريعا مغريا الا انه ليس هناك ما يثبت نجاحها في الحد من التضخم.

ويقول ديفيد اوردين من معهد ابحاث سياسة الغذاء الدولي «الخبرة التاريخية تفيد بانها (القيود) نادرا ما نجحت لفترة طويلة».

وأضاف «بالنسبة للدول النامية المستوردة للمواد الغذائية تصبح خطوة مكلفة ماليا للحكومة». وتلجأ الدول ذات الموارد المالية المحدودة لطبع نقود مما يؤدي لتضخم.

وفي عام 1971 جمد الرئيس الاميركي ريتشارد نيكسون الاجور والاسعار لمدة 90 يوما لتهدئة التضخم الذي تجاوز اربعة بالمئة وهو مستوى نظر اليه حينئذ على انه غير محتمل.

وتحولت الايام التسعين الى نحو ألف يوم وحين الغيت معظم القيود على الاجور والاسعار في ابريل (نيسان) 1974 كانت نسبة التضخم في الولايات المتحدة قد تجاوزت 10 بالمائة.

وبالمثل يرى مسؤولون حكوميون في الصين ودول نامية اخرى ان قيود الاسعار الحالية اجراء مؤقت ويصرون على انها لن تسبب مشاكل طويلة الاجل.

ففي الصين قالت الحكومة ان تدخلها لا يهدف «الى تجميد الاسعار»، حسب البيان الرسمي الصادر في يناير (كانون الثاني) ولكن لوقف زيادة الاسعار «غير المعقولة» والحد «من توقعات المواطنين للتضخم».

وقالت الحكومة في ذلك الحين انها «سترفع الاجراءات حين تهدأ الاسعار ولكن في الوقت الحالي من الضروري ان تتدخل الحكومة لان اسعار بعض المنتجات سجلت زيادة كبيرة».

ويقول البنك الدولي ان السبيل للتعامل مع الاسعار الاعلي ان تحل الحكومات المشكلة بدعم نقدي موجه وبرامج تغذية ودعاها للابتعاد عن دعم اقتصادي كامل او سياسات تجارية لا يمكن التنبؤ بها.

ويقول سايمون جونسون كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي «بصفة عامة لا نحب قيود الاسعار. ندرك ان الحكومات تريد في بعض الاحيان توفير الحماية من الصدمات.. وإبطاء تأثيرها على المستهلكين».