براد ستسر: خفض معدل الفائدة الأميركية سيسرع هبوط الدولار

خبير العملات الأميركي لـ «الشرق الأوسط» : «سلسلة من الأحداث الاستثنائية» قد تؤدي إلى تدخل أميركا وآخرين بشكل مباشر في أسواق العملة

TT

يوضح زميل مجلس العلاقات الخارجية للاقتصادات الجغرافية وخبير العملات، براد ستسر، العوامل التي أدت إلى الهبوط الحاد الأخير في قيمة الدولار الأميركي. يقول ستسر إن التوقعات بقيام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) بمواصلة خفض معدلات الفائدة أدت إلى تسارع هبوط الدولار، وبوجه عام تزداد مخاوف بعض الدول التي تمتلك احتياطيات كبيرة من الدولار بشأن التأخير في اتخاذ قرار حول احتياطياتها.

ويوضح ستسر أنه يجب على الاحتياطي الأميركي ألا يحاول استخدام معدلات الفائدة من أجل تحريك معدلات صرف العملة، بل التركيز على ضمان تحقيق استقرار اقتصادي محلي، مضيفاً أن الأمر سيتطلب «سلسلة من الأحداث الاستثنائية» لخلق وضع يتعين فيه على الولايات المتحدة التدخل بشكل مباشر في أسواق العملة، وذلك عن طريق التنسيق بين عمليات بيع اليورو أو الين وشراء الدولار.

> لقد هبط الدولار بسرعة كبيرة في الأسابيع الأخيرة، وسجل انخفاضات قياسية أمام اليورو، وهو الآن يتراجع أمام الدولار الكندي، لماذا يحدث هذا الآن؟

ـ هناك بضعة أسباب لذلك، أولها أن الأزمة التي انطلقت الصيف الماضي هزت ثقة العالم ببعض أنواع الأصول المالية الأميركية، وخاصة ما يسمى بالمنتجات الهيكلية الأكثر تعقيداً، والتي تعتمد على ديون سوق الإسكان. وعلى نحو مماثل، أثر انخفاض الطلب الخاص على الدين الأميركي سلباً على الدولار. فمع انخفاض الرغبة في امتلاك أصول مالية وعدم وجود زيادة في الإقبال على الأصول الأخرى تكون النتيجة انخفاض الطلب على الأصول والعملة. والأهم من ذلك، في رأيي، هو الأزمة الائتمانية التي حدثت في الصيف، أو إمكانية أن تؤدي الصعوبات التي تواجهها أسواق الائتمان الأميركية إلى أزمة ائتمانية أو تباطؤ اقتصادي حاد. هذه الأمور غيرت توقعات السوق حول النهج المحتمل للبنك الاحتياطي الأميركي. وفي أول الأمر، خفض الاحتياطي الفيدرالي 75 نقطة أساسية في معدلات الفائدة، فيما يتوقع السوق أن يواصل البنك سياسته في خفض المعدلات. ولم يعد التفاوت في معدلات الفائدة، أو ارتفاع معدلات الفائدة الأميركية عن مثيلاتها الأوروبية، هو الوضع القائم. فانخفاض معدلات الفائدة الأميركية قلل من عملية حيازة الدولار، مقارنة باليورو. وأخيراً، أعتقد أن العديد من مصدري البترول قلت رغبتهم في الاحتفاظ بالدولار عن ذي قبل، ما زاد من الضغط على الدولار. > ما هي الصلاحيات التي تملكها الحكومات من أجل التحكم في قيمة عملاتها دولياً؟ ـ هناك شقان لهذا الموضوع. الأول يتعلق بالصلاحيات التي تملكها الحكومة الأميركية، وأعني بذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. يعتقد معظم الناس أن معدلات الفائدة قصيرة الأجل لها تأثير كبير على القيمة النسبية للعملات المختلفة، ما يتيح استخدام السياسة النقدية لحماية العملة. والسؤال هنا هو هل يجب استخدام هذه السياسة لحماية عملة الدولة؟ أم توجيه السياسة النقدية لتحقيق أهداف محلية؟ وبالطبع يرى معظم الاقتصاديين، وأنا أشاركهم الرأي، أن الهدف الجوهري للسياسة النقدية الأميركية هو تحقيق استقرارفي الأوضاع المحلية الأميركية، وليس محاولة تحقيق استقرار في قيمة الدولار. وبذلك، فإن أدوات السياسة الأميركية، التي ستؤثر بوضوح في قيمة الدولار الحالية، لا تستخدم من أجل تحقيق استقرار في معدلات الصرف، بل في تأمين استقرار الأوضاع المحلية في الولايات المتحدة. وبالوضع في الاعتبار الأوضاع المحلية في البلاد في الوقت الراهن من انخفاض في معدلات الفائدة، فإن ذلك قد أضر بالدولار. وعلى الجانب الآخر، أعتقد أن الدولار يتلقى دعماً، حتى الوقت الراهن، مما تقوم به العديد من الاقتصادات الآسيوية، وليست الآسيوية فحسب، بل العديد من الاقتصادات الناشئة حول العالم، من مقاومة لأية زيادة قوية في قيمة عملاتها مقابل الدولار. وفي واقع الأمر، يؤدي تدخل هذه الاقتصادات من أجل الحيلولة دون ارتفاع قيمة عملاتها إلى ارتفاع قيمة الدولار، وليس بالضرورة أمام اليورو، ولكن أمام هذه العملات. وهذا بالطبع عامل مؤثر.

> هل تعتقد أن هناك موقفاً يجعل من تدخل الولايات المتحدة لتحقيق استقرار في قيمة الدولار أمراً ملائماً؟

ـ يجب أن نفرق بين قرار يتخذه الاحتياطي الفيدرالي لتوجيه سياسته النقدية من أجل دعم الدولار، والذي لا أعتقد أنه سوف يكون ملائماً، كما أنه لا يتفق مع تفويض الاتحاد الفيدرالي. ولكنني أعتقد أن من الملائم أن يدرس الاحتياطي الفيدرالي مدى تأثير ضعف الدولار على قدرته على تحقيق أهدافه المحلية، ومن بينها تحقيق استقرار الأسعار. أعتقد أن هذا تفكير مشروع.

وهناك آلية ثانية تتمثل في التدخل المباشر في سوق الصرف الأجنبي. وهذا ما تفعله دول أخرى بانتظام، ولم تقم به الولايات المتحدة على نحو ثابت منذ فترة طويلة. ولم يحدث ذلك في عهد بوش مطلقاً. وبالتأكيد لا يجب استبعاد هذه الوسيلة، إلا أنني أعتقد أن استخدامها يتطلب سلسلة من الأحداث الاستثنائية. > كيف يحدث ذلك؟ كيف تتدخل في سوق الصرف الأجنبي؟ ـ الولايات المتحدة والخزانة الأميركية تمتلكان كميات من اليورو والين وتستطيعان بيعها وشراء دولارات في المقابل. وهذا التدخل يجب أن يتم بالاشتراك مع البنك المركزي الأوروبي، الذي يجب أن يشتري دولارات هو الآخر. > هناك مخاوف من قيام الصين ببيع احتياطياتها من الدولار بسرعة، ما سيدفع بالدولار إلى مزيد من الانحدار. ما مدى السرعة التي يمكن أن تقوم بها الصين عملياً بذلك؟ وهل ستواجه الولايات المتحدة مشكلة جراء ذلك؟ ـ سأوضح أبعاد المشكلة بشكل مختلف قليلاً. احتياطيات الصين تتزايد بسرعة كبيرة، وتقدم الزيادة السريعة لما تمتلكه الصين من دولارات قدرا كبيرا من التمويل للولايات المتحدة. فهو يساعد على تمويل حصة كبيرة من العجز الحالي في الحساب الجاري الأميركي. والقضية هنا هي: هل الصين مستعدة لوضع جزء كبير من ممتلكاتها في صورة دولارات كما كان الحال في السابق؟ هناك مناقشات متزايدة حول ما إذا كان يجب أن تستمر هذه الزيادة في خدمة المصالح الصينية. وفي رأيي، طالما أن الصين تقاوم المزيد من الارتفاع السريع في قيمة الرنمينبي (عملة الصين) أمام الدولار، فإنه سيكون من الصعب عليها أن تنوع احتياطاتها من العملات الاجنبية بعيدا عن الدولار. وإذا حدث ذلك، فسوف يشكل الأمر ضغطاً إضافياً على الدولار. وطالما أن الصين تربط عملتها بالدولار، فهي تعتمد على نظام صرف متحرك، وطبقاً للعديد من المحللين الاقتصاديين، فإن الصين تربط عملتها في المقام الأول بالدولار، وليس بسلة عملات. فإذا وضعت ضغطاً على الدولار، فإنها بذلك تضع ضغطاً على عملتها في نفس الوقت. وبالوضع في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية الحالية في الصين، أنا على يقين من أن الصين لا ترغب في حدوث ذلك. ويحد ذلك بشكل كبير من قدرتها على تغيير محفظتها الاستثمارية. وحيث أن الحفاظ على القيمة الحالية للرنمينبي أمام الدولار، والذي يتطلب أن تشتري الصين الكثير من الدولارات، وليس الاحتفاظ بما تمتلكه حالياً من أسهم فحسب، يعني أن الحيلولة دون هبوط الدولار وتحقيق استقرار في قيمة ما تمتلكه الصين من دولارات يقتضي أن تزيد الصين من مخاطرتها.

> هل تشعر دول شرق آسيا بالقلق من أن يضر هبوط الدولار بصادراتها؟

ـ الدول التي تربط عملاتها بالدولار تفكر الآن في ربط عملاتها باليورو وزيادة صادراتها إلى أوروبا. وبذلك فإن الكثير من الدول لا تشعر بالقلق من أن يضر انخفاض قيمة الدولار بصادراتها. فالمخاوف الآن تنصب على احتمالية أن يمتد الضعف الاقتصادي من الولايات المتحدة إلى أوروبا، وأن يؤدي الانخفاض الأوسع في النمو العالمي إلى خفض معدلات نمو صادراتهم.

وهناك مخاوف خاصة في الوقت الراهن في بعض البلدان مثل الهند وتايلاند، اللتين سمحتا لعملتيهما بالارتفاع أمام الدولار والرنمينبي، من أن تقوم الصين بخفض الأسعار أمام منتجاتهما في الأسواق العالمية. وبناء عليه، عملت الهند وتايلاند على مقاومة المزيد من الارتفاع في قيمة عملتيهما. وأريد أن أؤكد بشدة على مخاوف من أن يكون ضعف الاقتصاد الأميركي هو بداية لتباطؤ عالمي أشمل. إن بعض الاقتصادات الآسيوية الناجحة، مثل الصين، والتي تربط عملتها بالدولار، تشعر بالقلق من تزايد الفارق بين حاجتها المحلية، والمتمثلة فيما قد تتطلبه أوضاعها الاقتصادية من رفع معدلات الفائدة والحفاظ على قوة عملتها، والسياسة الاقتصادية والنقدية التي تتبعها من خلال ربط عملتها بالدولار الأميركي.

* «خدمة واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»