أزمة ارتفاع أسعار الغذاء تُدخل العالم في حالة طوارئ

«اليونسيف» تقرع جرس خطر آخر: الزيادة القياسية تهدد التعليم في الدول الفقيرة

أزمة ارتفاع أسعار الغذاء إضافة الى تكاليف معيشية أخرى أصبحت تكبل المستهلك في كل أنحاء العالم («الشرق الأوسط»)
TT

يعيش العالم حالة طوارئ واستنفار بسبب ازمة ارتفاع اسعار الغذاء ومخاوف من تأثيراتها. وقد أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جورج بوش أمر بصرف مساعدات غذائية طارئة بقيمة 200 مليون دولار.

وتأتي تلك الخطوة في أعقاب اجتماعات في واشنطن دعا خلالها رئيس البنك الدولي روبرت زوليك الحكومات في الدول المتقدمة على الوفاء بمطالب برنامج الغذاء العالمي وتوفير مساعدات غذائية إضافية بقيمة 500 مليون دولار بنهاية ابريل (نيسان) الحالي.

وذكر البيت الأبيض في بيان أن القرار الذي اتخذه بوش أول من أمس سيوفر المساعدات الغذائية التي تبلغ قيمتها 200 مليون دولار من خلال وكالة التنمية الدولية «لمواجهة تأثير ارتفاع أسعار الغذاء على برامج المساعدات الغذائية الطارئة الأميركية واستخدامها للوفاء بالاحتياجات للمساعدات الغذائية غير المتوقعة في أفريقيا والمناطق الأخرى».

وستضاف المساعدات الغذائية الطارئة إلى المساعدات الغذائية الاميركية السنوية إلى الدول النامية والتي تقدر قيمتها بأكثر من 2.1 مليار دولار.

يأتي هذا في وقت دعا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون المجموعة الدولية الى اتخاذ تدابير فورية وعلى المدى البعيد لمواجهة الازمة الغذائية، محذرا من انها قد تسفر عن عواقب سياسية وأمنية وخيمة.

وقال الامين العام خلال مناقشة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للامم المتحدة ومؤسسات بريتون وودز والبنك الدولي والمنظمة العالمية للتجارة ومؤتمر الامم المتحدة حول التجارة والتنمية، ان «الازمة الغذائية التي تتفاقم في العالم قد بلغت مستوى خطرا». وأضاف «لا نحتاج فقط الى تدابير عاجلة لمواجهة الحاجات الفورية على المدى القصير لتجنب المجاعة في كثير من مناطق العالم، بل الى زيادة جوهرية للانتاجية على المدى البعيد في مجال الزراعة».

وأكد الامين العام ان «على المجموعة الدولية ايضا اتخاذ تدابير فورية ومنسقة للحؤول دون ان تؤدي هذه الازمة الى عواقب اشمل على الصعيد السياسي والامني»، معتبرا ان على الامم المتحدة «الاضطلاع بدور كبير لإيجاد حلول ملائمة لهذه المشكلة الشاملة».

وكان البنك الدولي قد دعا الاحد حكومات البلدان الاعضاء الى التدخل العاجل للحؤول دون ان تزيد الازمة الغذائية من حالة الفقر التي يعانيها حوالى 100 مليون شخص في العالم.

وكان رئيسه روبرت زوليك قد حذر من ان الازمة قد تؤخر استئصال الجوع في العالم «سبع سنوات».

ويعتبر البنك ان ارتفاع اسعار القمح بلغ 181% في غضون ثلاث سنوات، واسعار المواد الغذائية 83% في الفترة نفسها. واضاف ان 33 دولة في العالم مهددة باضطرابات سياسية واجتماعية بسبب الارتفاع الفاحش لأسعار المنتجات الزراعية والطاقة.

وأدى ارتفاع المواد الغذائية في الاشهر الاخيرة الى تظاهرات عنيفة في الكاميرون وساحل العاج ومصر واثيوبيا وهايتي واندونيسيا ومدغشقر وموريتانيا والفلبين.

من جهته، شدد وزير الخارجية الفرنسي السابق فيليب دوست ـ بلازي الذي شارك ايضا في النقاش، على خطورة الوضع. وقال دوست بلازي الذي يشغل منذ فبراير( شباط) منصب المستشار الخاص للامين العام لتمويل التنمية، ان «الاوضاع الراهنة تثبت وللاسف الضرورة الملحة لايجاد الاموال اللازمة» لمكافحة الفقر.

بدوره قال وزير الزراعة الفرنسي ميشيل بارنييه انه يجب على الحكومات ان تتحرك لوضع ضوابط لأسعار الاغذية المتزايدة ومنع قوى المضاربة من التحكم فيها.

وقال بارنييه لاذاعة بي.اف.ام «لا ينبغي لنا ويجب علينا ألا نترك الغذاء لهؤلاء الناس... لرحمة حكم السوق وحدها وللمضاربات الدولية». وأضاف قوله «اعتقد انه يجب علينا نحن الاوروبيين ان نثير هذا السؤال في كل المنظمات الدولية». وقال انه لا توجد قواعد عالمية رشيدة كافية في هذا الشأن.

وقال دبلوماسيون انه في وقت لاحق تحدث بارنييه الى زملائه وزراء الزراعة من بقية اعضاء الاتحاد الاوروبي المكون من 27 دولة في اجتماع عادي في لوكسمبورغ معلنا عن عقد مؤتمر عن الامن الغذائي حينما تتولى فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد في يوليو (تموز).

ونقلت رويترز عن دبلوماسية من الاتحاد الاوروبي قولها «انهم سينظمون مؤتمرا بالتعاون مع سلوفينيا في بداية الرئاسة الفرنسية»، وقال بارنييه انه قد تطلق مبادرة للاتحاد بشأن الامن الغذائي. وتتولي سلوفينيا رئاسة الاتحاد حتى 30 من يونيو (حزيران).

وأضافت قولها ان ذلك المؤتمر سوف يتركز على ضرورة ان تنتج اوروبا المزيد من الغذاء وان تحسن هذا الانتاج وليس من الضروري ان تستبعد أي زيادة في الانتاج «محاصيل الطاقة»، وهي المحاصيل المخصصة للاستخدام في انتاج الوقود الحيوي.

وقال الدبلوماسيون انه من المتوقع في الاجتماع القادم لوزراء الزراعة في الاتحاد الاوروبي المقرر عقده في منتصف مايو (ايار) ان يجروا مناقشة موسعة لمسألة الأمن الغذائي وقد تظهر حينذاك مزيد من التفاصيل عما سماه بارنييه «مبادرة اوروبية للامن الغذائي».

وقالت الدبلوماسية «ما قد نشهده في الاجتماع القادم هو ظهور مزيد من التفاصيل الجوهرية».

وكان كبار مسؤولي المالية والتنمية في العالم من شتى انحاء المعمورة قد دعوا يوم الاحد الى القيام بتحرك عاجل لوقف ارتفاع اسعار الغذاء، محذرين من ان الاضطرابات الاجتماعية ستنتشر اذا لم يتم احتواء تكاليف الاغذية الاساسية.

وقال البنك الدولي وبريطانيا ان مسألة ارتفاع اسعار الاغذية يجب مناقشتها على أعلى المستويات السياسية.

واكتسبت المخاوف بشأن تكاليف الغذاء المتزايدة زخما جديدا بعد ان اطاح اعضاء مجلس الشيوخ في هايتي برئيس الوزراء بعد اسبوع من حوادث الشغب المتصلة بالغذاء قتل فيها ما لا يقل عن خمسة اشخاص.

وقال ريك كورسينو مدير برنامج الغذاء العالمي في افغانستان، التي تعاني هي الاخرى أزمة حادة في نقص الغذاء، في مؤتمر صحافي أمس «قلة قليلة جدا من الناس فيما أظن يعتقدون ان العوامل التي رفعت سعر القمح الى مستويات قياسية في الجزء الاول من هذا العام سوف تختفي». وأضاف بقوله «ولا أحد يعتقد مثلا اننا سنعود الى المستويات السعرية التي شهدناها منذ اثنى عشر شهرا الى ثمانية عشر شهرا».

من جهة أخرى، حذرت منظمة الامم المتحدة للطفولة (يونسيف) أمس الثلاثاء من ان ارتفاع اسعار المواد الغذائية يهدد بإحجام كثير من الأسر عن ارسال اطفالها الى المدارس في الدول الفقيرة.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المتحدثة باسم اليونسيف في جنيف فيرونيك تافو قولها للصحافيين ان ارتفاع اسعار المواد الغذائية «يهدد بإجبار العائلات على الاقتصاد في موازنتها والاستغناء عن التعليم وإخراج اطفالهم من المدرسة لجعلهم يعملون». وأضافت ان اليونسيف «يقلقها بشدة» ارتفاع اسعار المواد الغذائية، لافتة الى ان تأثير هذا الامر قوي جدا في الدول الفقيرة، حيث يمتص الغذاء 75 % من عائدات العائلات، مقابل 15 % في الدول الغنية.

من جهتها، لفتت المتحدثة باسم برنامج الاغذية العالمي كريستيان بيرتيوم الى تراجع عدد الاطفال الذين يقصدون المدارس في النيبال. ولاحظت ان هذا البلد مهدد خصوصا بالأزمة الغذائية العالمية، لأنه يعول على الاستيراد من الصين والهند اللتين عززتا المراقبة على عمليات التصدير.

وأوضحت انه في دول عدة، تشكل الوجبة التي يتناولها الاطفال في المطعم المدرسي غالبا الوجبة الساخنة والمتوازنة الوحيدة التي يتناولونها على مدار اليوم.

ورغم ذلك، أجبر برنامج الاغذية العالمي في كمبوديا على وقف عملية توزيع المواد الغذائية على المطاعم المدرسية، بعدما رفض ممولوه المحليون العقود التي وقعوها مع المنظمة الدولية. وأكدت بيرتيوم «انهم يفضلون بيع (بضاعتهم) بسعر أغلى لأطراف آخرين».

وكان البرنامج يوزع يوميا في كمبوديا 450 ألف وجبة على المطاعم المدرسية مقابل ربع دولار اسبوعيا عن كل طفل.