السعودية: «الدعم الحكومي» يطفئ أسعار الشعير ويدفع بزيادة الطلب على المواشي

تجار يكشفون لـ «الشرق الأوسط» عن تراجع الأسعار بمعدلات تتجاوز 40% ويقللون من تأثيرات القرار على صناعة الألبان

أحد أسواق العاصمة الرياض حيث بدأت أسعار الشعير بالانخفاض متفاعلة مع دعم الحكومة الشهر الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

ألقت قرارات الدعم الحكومي المتعلقة بدعم سلعة الشعير في السعودية بظلالها الإيجابية على بعض الأنشطة التجارية والاقتصادية الأخرى، اتضحت معالمها في ارتفاع الطلب على المواشي، بينما لم ترتبط تأثيرات القرار على صناعة الألبان.

وأفصح تجار سعوديون في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن معدلات الطلب على الماشية واللحوم تنامت خلال الأيام القليلة الماضية وتحديدا عقب إعلان الدولة بدعم الشعير، مقدرين تلك النسبة بين 10 و15 في المائة ساهمت في إنعاش سوق المواشي والأنعام على وجه التحديد، بعد فترة ركود كادت أن تسبب أزمة لدى التجار والمستوردين.

في مقابل ذلك، ذكرت مصادر عاملة أن شركات ومزارع صناعة الألبان ومشتقاتها لم تتأثر من دعم الحكومة لسلعة الشعير بشكل ملموس، وعليه بقاء أسعار منتجاتهم على ما هي عليه خلال الفترة السابقة، جراء عدم اعتماد تلك المصانع والمزارع على الشعير كمغذٍ رئيسي للأبقار الحلوب.

وشهدت السعودية مطلع شهر مارس (آذار) المنصرم، إعلان الحكومة عن قرار رفع دعم أسعار الشعير بنسبة 71 في المائة بعد تزايد سعره في الأسواق لمستويات عالية جدا، ليصبح دعم الطن 1200 ريال (320 دولارا) بعدما كان 700 ريال فقط، في خطوة لتطفئة الأسعار وخفضها إلى معدلات ربما تتجاوز 40 في المائة في أقل التقديرات.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» عبد الله الشلوي، صاحب شركة الشلوي لاستيراد المواشي، أن نسبة الدعم العالية ساهمت في خفض مباشر لأسعار اللحوم بعد تقليل تكاليف مربي المواشي وتخفيض كلفة شراء الشعير، مشيرا إلى أن أولى انعكاساتها اتضحت في زيادة الطلب بنسبة لا تقل 25 في المائة عن الشراء من قبل كافة شرائح المشترين.

وأكد الشلوي أن تراجع أسعار الشعير جاء ملائما لوضع حدود لأسعارها التي تصاعدت بشكل مهول لا يفي بقدرات تجار المواشي أو يتواكب مع الهوامش الربحية، مشيرا إلى أن هبوط أسعار الشعير عزز من عملية البيع وتزايدت طلبات الشراء لا سيما من قبل مؤسسات ومحال الملاحم وتسويق المفرق.

وأضاف الشلوي أن متوسط بيع الخروف الواحد يتراوح بين 580 و600 ريال ليصل حاليا إلى مستوى 500 ريال بينما يتوقع أن تتراجع أسعار اللحوم عند بيعه في محلات الملاحم إلى معدلات يمكنها أن تصل إلى 20 في المائة.

ولم يخفِ الشلوي امتعاضه من عدم وصول أسعار الشعير إلى مستويات دون 30 ريالا بل ذكر أن هناك نوعا من التلاعب في السوق لدى بعض التجار برغم تراجع السوق، إذ صار يباع أخيرا بقيمة تراوحت بين 33 إلى 30 ريالا، وهي التي لا تتواكب مع نسبة الدعم التي تصل إلى 70 في المائة ما يعني تراجع القيمة إلى 23 ريالا كتكلفة إجمالية، تمكن رفع التاجر هامش الربح بين 3 و4 ريالات فقط وليس 10 ريالات كما هو حاصل. وشهدت المملكة خلال الشهر الماضي اختناقات لدى أوساط التجار والمربين للماشية نتيجة الارتفاعات المتلاحقة والسريعة للشعير، متخطية 48 ريالا ليصل البيع في بعض المناطق إلى 55 ريالا (14.6 دولار) للكيس.

من جهته، أيد محمد بن سليمان الخلف، المدير العام لشركة ثلاجة العالمية، ما ذهب إليه الشلوي، حول تراجع أسعار اللحوم، متوقعا تواصل معدلات الانخفاض من أجل زيادة عدد الزبائن والعملاء، ومشيرا إلى أهمية توجه الدولة بدعم آخر يعزز من جودة اللحوم المتمثلة في إنشاء المراكز الطبية المتخصصة بالمواشي والجوانب الفنية المتعلقة بتخفيض أسعار الأدوية وتكاليف الأطباء المختصين.

وأفاد الخلف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن الإعانة ستعزز من خفض أسعار كيلو اللحوم الطازجة التي كانت تتجاوز في الأسواق 50 ريالا إلى مستويات أقل بكثير، مبينا أهمية مواصلة تشجيع تجار المواشي ودعم التربية الحيوانية وتكثيف الإعانة الحكومية ذات العلاقة ليتم تحقيق هدفي الأسعار وحماية الغذائية والجودة.

وتستورد السعودية بين 6.5 و7 ملايين طن من الشعير سنويا تمثل نسبة كبيرة تلامس 40 في المائة من إجمالي تجارة الشعير العالمية البالغة 15 مليون طن وفق الإحصائيات الدولية المتاحة لتكون بذلك تحتل مركزا متقدما جدا في استهلاك الشعير بين دول العالم.

ويتمثل دعم الحكومة السعودية للشعير ضمن سياق سلسلة من الإعانات السابقة التي قدمتها الدولة في أوقات متفاوتة متفاعلة مع كم الاستهلاك العالمي وتزايد الأسعار، إذ انطلقت السعودية في دعمها من 200 ريال (53.3 دولار) للطن ممتدا إلى 420 ريالا، مرورا بدعمها ما قبل الأخير في العام 2006 بواقع 700 ريال لتقفز به خلال الأسبوع الماضي إلى 1200 ريال (320 دولار).

إلى ذلك، كشف محمد أنور جان، رئيس مجلس اتحاد الألبان السعودي، أن الدعم الحكومي الأخير جاء متلائما مع طبيعة الصعوبات السعرية القائمة، إلا أن شركات ومصانع الألبان لم ينعكس عليها الدعم نتيجة اختلاف النمط الغذائي المعتمد للأبقار المدرة للألبان.

وأفاد جان بأن الاعتماد على الشعير في منشآت مصانع الألبان ومشتقاتها بات لا يمثل سوى نسبة ضئيلة جدا وعليه فإن تأثرها بمستوى دعم الدولة الأخير الموجه لسعلة الشعير كان ضئيلا، مفيدا بأن التركيز الغذائي للأبقار توجه نحو منتجات زراعية جديدة أكثر فعالية، من بينها الذرة وفول الصويا وبذرة القطن ومنتجات البنجر والسكر.

وأضاف رئيس مجلس منتجي الألبان السعودي أن تلك المنتجات الغذائية الجديدة تزيد من مستوى طاقة الأبقار وكفاءة قدرتها على درّ الحليب، موضحا أنه حتى المشاريع المعتمدة على تسمين العجول وبيع لحومها ذهبت إلى منتجات زراعية بديلة عن الأعلاف والشعير. ويمثل دعم الحكومة للشعير امتدادا لدعم آخر وجهته خلال سبتمبر (أيلول) من العام الماضي إلى سلع ومنتجات أخرى، حيث أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أمرا حينها بتقديم دعم لسلعتي الأرز وحليب الأطفال، بواقع 1000 ريال (266.6 دولار) لطن الأرز، وزيادة إعانة الثانية من ريالين إلى 12 ريالا (3.2 دولار) للكيلوجرام أي ما يعادل 500 في المائة.

إلى ذلك، تستمر وزارة التجارة والصناعة السعودية في مطالبتها المستمرة بالإبلاغ عن أي تعديات أو ممارسات يتعمدها التجار والباعة لزيادة الأسعار في الأسواق السعودية، إذ شددت على ضرورة الإبلاغ عن زيادة في الأسعار بالتوجه نحو الاتصال برقم مجاني على موقعها الإلكتروني، في وقت حذرت فيه الأسبوع الماضي وزارة الداخلية من الاتجار في النخالة وأعلاف التسمين الماشية التي تنتجها المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق بأسعار تزيد عن السعر المحدد لها، مشيرة إلى انه سيتم التحقيق مع المتلاعبين.