«الفاو» تطالب الدول بإظهار «إرادة سياسية» أكبر في إطار أزمة الغذاء

الأمم المتحدة: ارتفاع أسعار السلع قد يزيد من نسبة الفقر

TT

دعت منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (الفاو) الحكومات في اميركا اللاتينية الى إبداء إرادة سياسية للسماح لمواطنيها بسد جوعهم في هذه المنطقة المصدرة للمنتجات الزراعية، لكنها رغم ذلك تضم أكثر من 50 مليون شخص يعانون من سوء التغذية.

وشاركت 33 دولة من اميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي منذ الاثنين الماضي في المؤتمر الاقليمي الثلاثين لمنظمة الفاو الذي هيمنت عليه الأزمة الناجمة عن الارتفاع الهائل في اسعار المنتجات الزراعية.

واعتبر المدير العام لمنظمة الفاو جاك ضيوف أن المؤتمر أظهر أهمية الدور الذي يجب ان تضطلع به الدول لضمان الامن الغذائي للسكان الفقراء.

وأعرب عن قناعته بأن الانتاج الغذائي يمكن مضاعفته في العالم في السنوات الخمس المقبلة اذا أبدت الحكومات «الإرادة السياسية لتوفير الشروط الضرورية».

ومن بين هذه الشروط تحدث ضيوف عن «مشاريع الري والبنى التحتية الريفية وتطوير المشاريع الزراعية العائلية وامكانات التخزين (للمنتجات الزراعية) والحصول على قروض ومراجعة انظمة التجارة». وبعض هذه الشروط تدعم المطالب المتشددة لحركات المزارعين الذين يطالبون بإصلاح زراعي واسع النطاق ودعم السياسات العامة للزراعات العائلية الصغيرة.

ومنذ الثورة المكسيكية عام 1910 لطالما أثار حلم الاصلاح الزراعي اضطرابات في اميركا اللاتينية التي تشهد تفاوتا اجتماعيا كبيرا. لكن بعد تراجع دور الدولة اعتبارا من ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي اعطت الازمة الغذائية الحالية هذا الامر دفعا جديدا. وشددت الفاو على ان الاراضي «تنحصر في ايدي عدد قليل من الملاكين وهي ظاهرة أكبر حاليا من الماضي». ففي البرازيل يملك 1% من السكان 46% من الاراضي الصالحة للزراعة. وتقول الفاو ان 1.52 مليون نسمة اي نحو 10% من سكان اميركا اللاتينية والكاريبي يعانون من الجوع مما يشكل «مفارقة» في منطقة تنتج مواد غذائية تفوق بنسبة 40% حاجاتها لتغذية سكانها.

وأشار ضيوف الى انه حذر العالم اعتبارا من سبتمبر(ايلول) الماضي من مخاطر الاضطرابات الناجمة عن ارتفاع أسعار السلع الاساسية.

وعزا مدير الفاو هذا الارتفاع الى عوامل مناخية (جفاف وفيضانات) والى ارتفاع الطلب في الدول الناشئة ولاسيما الصين والهند. وحول مسألة الوقود الحيوي الذي يثير جدلا ويتعرض لانتقادات بسبب تأثيره على ارتفاع الاسعار، قال ضيوف ان الرئيس البرازيلي لويس اناسيو لولا دا سيلفا «ساهم بشكل كبير» حتى لا «تسيطر الانفعالات على النقاش». وقد استغل الرئيس البرازيلي مناسبة هذا المؤتمر للدفاع بقوة عن الوقود الحيوي، إذ ان بلاده هي ثاني منتج عالمي له. وحمل في المقابل المسؤولية الى ارتفاع اسعار النفط والدعم الذي تقدمه الدول الغنية لمزارعيها.

وقال «قلائل هم الذين يذكرون التأثير السلبي لارتفاع سعر البترول على كلفة الانتاج ويعترضون على التأثير المضر للدعم والحمائية في القطاع الزراعي».

وسواء كان الوقود الحيوي وراء الندرة النسبية في المواد الغذائية او رفع الاسعار في الاسواق العالمية أم لا، فان رئيس البنك الدولي روبرت زوليك اشار في الاسبوع الماضى الى ان اسعار الغذاء المرتفعة سوف تدفع الجهود الرامية الى خفض معدلات الفقر سبع سنوات الى الوراء. وفي هايتي، الدولة الاشد فقرا في الاميركيتين حيث يعيش 80% من سكانها البالغ تعدادهم تسعة ملايين نسمة على اقل من دولارين في اليوم.

وفي هندوراس، التي تستورد بالكامل كل احتياجاتها من المواد الغذائية، قام عشرات الآلاف من الاشخاص، بمن في ذلك العمال والمدرسون والطلبة والمزارعون، بمسيرة الأسبوع الحالي احتجاجا علي الاسعار الآخذة في الارتفاع وأصيب العديد من الاشخاص في الاشتباكات الناجمة عن هذه الاحتجاجات. وحذر هيدى انابي، رئيس بعثة الأمم المتحدة للاستقرار في هايتي من أن «مشكلة الغذاء يمكن ان تضع نهاية للتقدم والاستقرار».

ويبدو ان زعماء اميركا الوسطى والكاريبي والمكسيك وفنزويلا متفقون مع انابي وقاموا بعمل الترتيبات للاجتماع معه لمناقشة القضية في السابع من الشهر المقبل في نيكاراغوا.

وقال وزيرا خارجية نيكاراغوا وجمهورية الدومينكان في الاسبوع الماضي ان الاجتماع سوف يسعى الى صياغة استراتيجية اقليمية من شأنها ان تسمح بتحسين انتاج وتوزيع المواد الغذائية بأسعار مناسبة. وأعلنت الحكومة المكسيكية عن خطط فى محاولة لكي تحافظ على السعر المحلي للذرة، التي تعد العنصر الرئيس في الوجبات الغذائية في المكسيك، ثابتا على الاقل. وعلى ضوء الزيادات في أسعار الرز وفول الصويا والقمح، من بين منتجات اخرى، صرح وزير الزراعة البيرتو كارديناس ان انتاج الذرة البيضاء تمت زيادته منذ العام الماضي.

وبدأت السلطات البيروفية في توزيع الغذاء في المناطق الفقيرة في ليما. وقال الرئيس الان جارسيا ان هدف هذه الخطوة هو «التعويض» عن تأثير تحركات الاسعار العالمية التي لا تستطيع الحكومة ان تتخذ إجراء حيالها على نحو مباشر.

وتواجه الارجنتين، وهى دولة مصدرة رئيسة للمواد الغذائية، صعوبات في الحفاظ على انخفاض الاسعار المحلية وتوفير الامدادات على نحو مناسب في الاسواق المحلية في الوقت الذي يسعى فيه المنتجون المحليون الى الحصول على فوائد اكبر من خلال بيع منتجاتهم في الخارج.

وعلى ضوء الزيادات الحالية في الاسعار، يتفق معظم الاشخاص في المنطقة على انه سوف يتعين على اميركا اللاتينية ان تنتج مواد غذائية اكثر مما تستورد.

وفي نفس الوقت، حذرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية والكاريبي أول من أمس من ان ارتفاع اسعار المواد الغذائية قد يوقع ملايين البشر في فقر مدقع. وقال خوسيه لويس ماشينيا رئيس اللجنة في بيان، ان ارتفاع اسعار الذرة والقمح والرز وزيوت الطعام وهي الدعامات الاساسية للنظام الغذائي لملايين البشر في اميركا اللاتينية، تسارع وانه يتعين على حكومات المنطقة اتخاذ خطوات لتفادي حدوث زيادة كبيرة في الفقر المدقع، حسب تقرير لرويترز.

وتقدر لجنة الامم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية والكاريبي أن حدوث زيادة نسبتها 15% في اسعار المواد الغذائية سيرفع مؤشر الفقر بنسبة ثلاث نقاط مئوية تقريبا أي من 7. 12 % الى 9. 15 %. وهذا يعني سقوط 7. 15 مليون شخص اضافيين في المنطقة في فقر مدقع.

وأوصت اللجنة بانتهاج سياسات عامة تهدف الى خفض الزيادة في اسعار المواد الغذائية او زيادة مستويات الدخول للقطاعات الفقيرة بما في ذلك خفض الضرائب على الاستهلاك ومنح إعانات غلاء معيشة.