مع تفاعلات أزمة الغذاء.. عيد العمال يتحول إلى مظاهرات «الخبز للجائعين» في العالم

خبير أممي يوجه انتقادات قاسية للشركات الزراعية الكبرى > بوش يقترح تخصيص 770 مليون دولار > الهند تطالب بـ«قمة الأرز»

صيني يستلقي في مستودع للغذاء حيث أصبحت أزمة الغذاء قضية العالم الأولى (ا.ب)
TT

تحول عيد العمال الذي يجري كل عام من اجل الدفاع عن حقوق العمال، الى «مظاهرات جوع» امتدت من اسطنبول مرورا بعدة عواصم عربية وصولا الى هافانا في كوبا.

ونظم عمال في أنحاء آسيا، حيث يعاني نحو مليار شخص حاليا من ارتفاع اسعار الغذاء، تظاهرات بمناسبة عيد العمال كان محورها الاحتجاج على ارتفاع الأسعار، حيث شهدت كل من الفلبين واندونيسيا وسنغافورة وبانكوك تظاهرات.

وتدخلت قوات الأمن بقوة في تركيا، حيث اعتقلت 530 شخصا في عيد العمال الذي شهد تظاهرات عديدة في العالم للمطالبة بأجور أفضل في أوج أزمة ارتفاع غذائية عالمية.

وجرت حوادث في تشيلي ايضا، حيث قام ملثمون انفصلوا عن تظاهرة شارك فيها حوالي عشرين ألف شخص في أبرز شوارع سانتياغو، وهاجموا بالحجارة والقوارير فرعا لأحد المصارف، مما أدى الى تدخل قوات الأمن.

وفي الولايات المتحدة قام 25 ألفا من عمال المرافئ بالإضراب في 29 مرفأ على ساحل المحيط الهادئ، للاحتجاج على الحرب في العراق. كما نزل عشرات الآلاف من المحتجين الى شوارع المدن الاميركية الكبرى للمطالبة بتعديل قوانين الهجرة، من اجل 12 مليون مهاجر يقيمون بطريقة غير مشروعة في البلاد. وتركزت مطالب المتظاهرين على تحسين الاجور في مواجهة ارتفاع الاسعار، وخصوصا المواد الغذائية.

وفي روسيا، جرت تظاهرات شارك فيها مليونا شخص، تحت شعار تحسين القدرة الشرائية بينما تشهد البلاد تضخما متزايدا. وجرت التظاهرات في موسكو بدعوة من الحزب الحاكم روسيا الموحدة، بينما رفع متظاهرون شيوعيون «الخبز للجائعين».

وفي المغرب تظاهر آلاف الاشخاص في الدار البيضاء للتنديد بظروف العمل السيئة التي كانت تجسدت خصوصا في حريق في مصنع قضى فيه 55 شخصا ولانتقاد السياسة الاجتماعية للحكومة.

وفي بيروت تظاهر نحو ألفي شخص تلبية لنداء الحزب الشيوعي ضد غلاء المعيشة والبطالة.

وفي غواتيمالا نزل آلاف الاشخاص (25 الفا حسب المنظمين) الى الشوارع للاحتجاج على تدني الاجور بينما طالب حوالى خمسة آلاف متظاهر في سان خوسيه عاصمة كوستاريكا بزيادة الاجور.

وتظاهر عشرون ألف سلفادوري على الأقل للمطالبة بإجراءات «عملية» لتنشيط الانتاج الزراعي في مواجهة نقص المواد الغذائية، في حين تظاهر آلاف الاشخاص (25 ألفا بحسب المنظمين) في غواتيمالا للتنديد بتدني الرواتب.

وفي هافانا قاد الرئيس راوول كاسترو التظاهرة التقليدية لعيد العمال في ساحة الثورة، حيث تجمع مئات آلاف الكوبيين رافعين صور الرئيس الجديد وزعيم الثورة الكوبية فيدل كاسترو.

وفي هذا السياق قال خبير في الامم المتحدة إن مشكلة الغذاء التي يعاني منها العالم حاليا تعود الى عقدين من السياسات الخاطئة التي مارستها القوى العالمية.

وقال الخبير الفرنسي اوليفييه دو شاتر، مقرر الامم المتحدة للحق في الغذاء لصحيفة «لو موند» إن إخفاق المجتمع الدولي في توقع الاحتجاجات التي اندلعت الشهر الماضي بسبب ارتفاع اسعار الغذاء «أمر لا يغتفر».

وقال دو شاتر البروفيسور في القانون والناشط في الدفاع عن حقوق الانسان، «هذه دعوة تنبيه: لقد انتهت ايام الغذاء الرخيص»، مؤكدا ان الأزمة الحالية تظهر «حدود الزراعة الصناعية». وأضاف «نحن ندفع مقابل أخطاء استمرت 20 عاما. لم يتم القيام بأي شيء لمنع المضاربات على المواد الخام، رغم انه كان من المتوقع ان المستثمرين سيتحولون الى هذه الاسواق بعد تباطؤ اسواق الاسهم». وأضاف أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي «اساءا بشكل كبير تقييم ضرورة الاستثمار في الزراعة»، متهما صندوق النقد الدولي بإجبار الدول النامية المدينة على الاستثمار في المحاصيل التصديرية التي تدر نقدا على حساب الاغذية التي تحقق لها الاكتفاء الذاتي.

ويلقي الخبراء باللوم في ارتفاع الاسعار على عدة عوامل من بينها القيود على التجارة، وزيادة الطلب بسبب تغير أنماط الغذاء في آسيا وسوء الاحوال الجوية التي تضر بالزراعة، والاستخدام المتزايد للوقود الحيوي الذي يعتمد على مواد أساسية مثل الذرة، وارتفاع اسعار النفط مما يزيد من كلفة نقل المواد الغذائية.

وضم شاتر صوته الى الأصوات التي تلقي باللوم على الوقود الحيوي في شغل أراضي كان يمكن ان تستخدم لإنتاج المحاصيل، مما أدى الى رفع اسعار الغذاء، في حين كان ينظر الى الوقود الحيوي قبل فترة ليس ببعيدة على انه البديل المعجزة للوقود الاحفوري الذي يسبب تلوث البيئة.

وأنفقت مليارات الدولارات على تحويل الذرة وحبوب الصويا والسكر الى مادة الايثانول والديزل الحيوي للمساعدة على الحد من اعتماد الاقتصاديات الغنية على النفط وحده وخاصة في الولايات المتحدة والبرازيل وكندا وأوروبا.

وقال شاتر إن «الاهداف التي وضعتها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بالنسبة لانتاج الوقود الحيوي غير مسؤولة». ووصف الاندفاع لانتاج الوقود الحيوي بأنه «فضيحة لا تخدم سوى مصالح لوبي صغير».

ودعا الى تجميد الاستثمارات في هذا القطاع، إلا انه نأى بنفسه عن الموقف المتشدد لسلفه جان زيغلر الذي دعا الى وضع حد فوري لإنتاج الوقود الحيوي الذي وصفه بأنه «جريمة ضد الانسانية».

كما انتقد شاتر الشركات العملاقة في قطاع الزراعة مثل شركتي مونسانتو او داو كيميكالز الاميركيتين اللتين تمتلكان حقوق العديد من اكثر الحبوب استخداما في العالم اضافة الى الاسمدة ومضادات الحشرات. وقال «يجب ان نفكر في تغيير قوانين الملكية الفكرية بالنسبة لهذه الشركات التي تحقق ارباحا خيالية»، مشيرا الى ان اسعار العديد من المنتجات حاليا تتخطى قدرات المنتجين الصغار. وأعلن البنك الدولي الشهر الماضي أن تضاعف أسعار الاغذية خلال السنوات الثلاث الماضية يمكن ان يدفع بمائة مليون شخص في الدول النامية الافقر الى هاوية الفقر.

ويناشد برنامج الاغذية العالمي المانحين بتقديم مبلغ 755 مليون دولار (487 مليون يورو) لتمكينه من شراء كميات كافية من الاغذية للايفاء بالتزاماته العالمية، فيما شكل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون هذا الاسبوع فريق مهمة عالمية خاصة لمعالجة أزمة الغذاء.

وأعرب شاتر عن ثقته أنه يمكن تجنب حدوث مجاعة اذا تحرك العالم بشكل منسق بين الآن والخريف المقبل.

من ناحيته، دعا الرئيس الاميركي جورج بوش الى تخصيص مساعدات غذائية اميركية جديدة بقيمة 770 مليون دولار واتخاذ اجراءات أخرى بهدف احتواء أزمة الغذاء العالمية المتصاعدة.

ووعد بوش أول من أمس الخميس بأن تتصدر الولايات المتحدة المساعي الرامية لمواجهة الازمة مع تزايد الجوع في مناطق مختلفة من العالم النامي، وأبدى قلقه من ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتزايد الاضطرابات في دول فقيرة.

وقال بوش «التمويل العالمي الجديد الذي أعلنه اليوم (أمس) فاننا نرسل رسالة واضحة للعالم أن أميركا تقود الكفاح ضد الجوع في السنوات المقبلة».

وكان لارتفاع أسعار القمح والسلع الأساسية الاخرى وارتفاع أسعار الوقود الى مستويات قياسية أثر سلبي على ميزانيات المساعدات في الولايات المتحدة أكبر مانح للغذاء في العالم.

وقال بوش للصحفيين في البيت الابيض لدى اعلان هذا المطلب التكميلي لميزانية السنة المالية 2009 «أعتقد أنه يجب بذل المزيد. ولذلك فانني أطلب اليوم من الكونغرس تخصيص مبلغ اضافي قدره 770 مليون دولار لدعم المساعدات الغذائية وبرامج التنمية». ولا بد من موافقة الكونغرس الاميركي بمجلسيه على تخصيص هذا المبلغ.

وقال مسؤولون بالإدارة الاميركية إن المبلغ المطلوب يتضمن 395 مليون دولار مساعدات غذائية طارئة و225 مليون دولار لشراء أغذية وبذور ومساعدات أخرى في العالم النامي و150 مليون دولار لأعمال تنمية تهدف لتحقيق الأمن الغذائي.

وإذا تمت الموافقة على هذا المبلغ فسيصبح متاحا من أول أكتوبر (تشرين الاول) وسيرفع اجمالي الدعم للامن الغذائي العالمي الى 2.66 مليار دولار في سنة 2009.

لكن برنامج الاغذية العالمي قال، أمس، انه ليس متأكدا بعد من ان مساعدات غذائية اضافية بمبلغ 770 مليون دولار من الولايات المتحدة الاميركية ستساعده على اطعام الفقراء وسد الفجوة في الميزانية الناجمة عن ارتفاع الاسعار. وقال البرنامج الذي يسعى لتغطية عجز في ميزانيته قدره 755 مليون دولار ان واشنطن ما زال عليها ان تقرر كيف ستوزع المبلغ على المنظمات حول العالم.

غير ان منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة قالت ان المساعدات الاميركية المقترحة الى جانب الزيادات المتوقعة من الدول المانحة، يجب ان «تمكن الدول المتضررة من التغلب على القيود الناجمة عن ارتفاع الاسعار في الاسواق».

وقال برنامج الاغذية العالمي ومقرة روما والذي يسعى لإطعام 73 مليون شخص في 80 دولة هذا العام، ان تكلفة اطعام الجياع في العالم قفزت بنسبة نحو 55 في المائة منذ ان وضع البرنامج ميزانيته لعام 2008 في منتصف العام الماضي.

وقد اجتمع وزراء التجارة من دول جنوب شرقي آسيا أمس لبحث كيفية الاستجابة لارتفاع أسعار الأرز بعد أن اقترح الرئيس الاميركي جورج بوش مساعدات غذاء جديدة بقيمة 770 مليون دولار لإبعاد شبح أزمة غذاء عالمية.

وبحث اجتماع وزراء دول رابطة جنوب شرقي آسيا (آسيان) العشر في جزيرة بالي الاندونيسية التي تشتهر بمزارع الأرز جهود إعطاء دفعة لمحادثات التجارة العالمية المتعثرة منذ فترة طويلة.

وزادت أسعار الأرز في آسيا الى نحو ثلاثة أمثالها هذا العام وزادت الاسعار في بورصة مجلس شيكاغو للتجارة بأكثر من 80 في المائة.

ونقلت وسائل الاعلام عن وزير التجارة الهندي كمال ناث المقرر ان يحضر الاجتماع كذلك، قوله ان مصدري الأرز مثل الهند وتايلند وفيتنام عليهم القيام بدور رئيس وسيدعمون بانكوك في عقد «قمة الأرز» ولم يورد مزيدا من التفاصيل. وأكد مسؤول هندي في بالي أن نيودلهي اثارت الفكرة لكنه شكك في احتمال بحثها في هذا الاجتماع.

وقالت ممثلة التجارة الاميركية سوزان شواب في بيان، انه الى جانب بحث اطار العمل التجاري مع دول آسيا «نبحث كذلك أفضل وسيلة لتعظيم فرص تحقيق انفراجة قريبة في جولة الدوحة».

وبلغت قيمة الصادرات الاميركية لدول آسيان 61 مليار دولار العام الماضي مما يجعلها خامس أكبر سوق تصديرية لواشنطن.

وقالت شواب في منتصف الشهر الماضي إن المفاوضين يجب ان يحققوا انفراجة في محادثات التجارة العالمية خلال الاسابيع القليلة المقبلة من أجل التوصل الى اتفاق نهائي بحلول نهاية العام.

وتأتي كافة هذه التطورات في وقت يعاني المستهلكون الاميركيون من ارتفاع اسعار الوقود والاغذية التي وصلت الى اعلى مستوياتها منذ 17 عاما، مما يدفعهم الى اتباع «حمية الانكماش» ويجبر العديد منهم الى اللجوء الى بنك الغذاء، حسب ما افادت لجنة في الكونغرس أول من أمس الخميس.

وتوجه عدد من الخبراء الى الكونغرس لمناقشة مخاوف حول الطريقة التي ستتصرف بها الولايات المتحدة للتعامل مع أزمة الغذاء العالمية التي وصل تأثيرها الى الولايات المتحدة وتهدد ملايين الاميركيين.

وذكر السناتور تشارلز شومر رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية المشتركة، انه «فيما نشعر بالاستياء عند محطات الوقود بعد ارتفاع سعر البنزين الى اكثر من الضعف منذ عام 2001، تضاعفت المشاكل الآن (...) حيث أصبحنا ندفع المزيد من المال للوصول الى السوبرماركت، لنفاجأ بارتفاع الاسعار عندما نصل الى هناك».

ونددت عضو الكونغرس كارولين مالوني بالارباح القياسية التي سجلتها كبرى شركات النفط في الوقت الذي تعاني العائلات الاميركية من غلاء المعيشة. وأضافت «في بعض مناطق البلاد، يدفع الناس أربعة دولارات ثمنا لغالون الحليب والمبلغ نفسه لغالون البنزين» مما يجبر العائلات على استبدال أغذية رئيسة مثل اللحوم والأسماك والخضروات بأنواع أقل كلفة مثل المعكرونة والأغذية المعلبة»، وأشارت الى ان البعض يطلقون على ذلك اسم «حمية الانكماش».

وذكرت وزارة الزراعة الاميركية أن مؤشر اسعار الاغذية زاد بنسبة اربعة في المائة في عام 2007، وهي اكبر زيادة منذ عام 1990، ويتوقع ان ترتفع عام 2008 اربع او خمس نقاط مئوية، حسب كبير الاقتصاديين في الوزارة جوزيف غلوبر. وأضاف ان «العديد من العوامل الرئيسة تحدد شكل الوضع الحالي بما في ذلك النمو الاقتصادي الداخلي والعالمي وارتفاع تكاليف الطاقة والقيود على الصادرات الدولية وأسواق المنتجات الجديدة خاصة الوقود الحيوي».

وقال لرويترز ممثل عن شبكة بنك الغذاء في الولايات المتحدة ان «الأزمة الحقيقية» ظهرت عندما سجلت الشبكة زيادة بنسبة 17 في المائة في الخدمات التي تقدمها خلال الاشهر الثلاثة الماضية، وانضمام 1.3 مليون شخص الى برنامج طوابع الغذاء خلال العام الماضي.