لمواجهة أزمة الغذاء.. السعودية ومصر تتجهان لتأسيس مشاريع مشتركة في السودان

وزير التجارة المصري لـ «الشرق الأوسط»: نعمل مع السعوديين على تكوين أرصدة تموينية للأرز والقمح.. وسنبدأ بالربط الكهربائي قريبا

TT

أعلن المهندس رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة المصري، عن توجه بلاده والسعودية لتأسيس مشروعات زراعية مشتركة على الأراضي السودانية في خطوة ترمي لمواجهة أزمة الغذاء التي أصبحت على المستوى العالمي. وتأتي هذه الخطوة متزامنة مع حزمة من القرارات اتخذتها الحكومة السعودية منتصف الأسبوع الجاري، دعت في إحداها وزارتي الزراعة، والتجارة والصناعة، إلى سرعة رفع نتائج إجراء المسح الشامل للدول التي تتوافر لديها إمكانات وفرص للاستثمار في القطاع الزراعي والثروة الحيوانية والسمكية.

وتفكر القاهرة والرياض، وفقا للوزير رشيد، الذي بحث مع المسؤولين السعوديين تداعيات هذه الأزمة على هامش مشاركته في اجتماعات اللجنة السعودية المصرية المشتركة، لتكوين أرصدة تموينية مشتركة بين الدولتين من الأرز والقمح، وهو ما اعتبره الوزير المصري من الأمور التي ستساعد في تخطي أزمة ارتفاع أسعار الأغذية.

وقبل هذا كله، شدد وزير التجارة المصري، في حواره لـ«الشرق الأوسط» أثناء زيارته للعاصمة الرياض، على ضرورة صياغة موقف سعودي ـ مصري مشترك، من استخدام الغذاء كبديل للوقود، والخلل الذي يعتري القرارات الاقتصادية الخاصة بالغذاء.

وتستعد مدينة شرم الشيخ في 18 مايو (آيار) الجاري، لاستضافة مؤتمر دافوس الدولي، الذي سيحضره 18 ملكا ورئيس دولة، من بينهم الرئيس الأميركي جورج بوش، بحسب تأكيدات الوزير المصري، والذي قال إن المؤتمر سيحظى بمشاركة واسعة من رؤساء المؤسسات الدولية ورجال الأعمال.. وإلى تفاصيل الحوار:

> البداية ستكون من الملف الأكثر سخونة، وهي أزمة الغذاء العالمي، كيف بالإمكان تفعيل الدور السعودي ـ المصري، لتجاوز الأزمة، بحكم ما لدى الرياض من رؤوس أموال، وما لدى مصر من الخبرات الزراعية.. ما هي آفاق التعاون في ظل هذه المعطيات وهل نستطيع التنبؤ بإقامة مشاريع زراعية مشتركة داخل الأراضي المصرية، أو حتى خارج أراضي الدولتين؟

ـ أولا، دعني أتحدث عن موضوع أزمة الغذاء العالمية. طبعا هي أزمة للأسف حقيقية وخطيرة ولن تنتهي في مدى قصير. هذه الأزمة لا مفر منها لأي دولة في العالم. نحن في وضع هناك من أطلق عليه التضخم الثلاثي في أسعار (الطاقة، الخامات، والغذاء)، كلها أتت في وقت واحد. النتيجة كانت أن أسعار الغذاء العالمي اليوم ارتفعت بمعدلات وصلت لنسب فظيعة. وهذه الارتفاعات لا مفر منها لأي مجتمع أيا كان.

وقد واجهت الدول (السعودية، مصر، وغيرهما)، هذه الأزمة منفردة. كل دولة بدأت بسياستها، بدأت تتدخل بعمليات دعم، وعمليات منع استيراد أو منع تصدير، وتخفيض أو رفع رسوم جمركية، تخفيض أو رفع رواتب العاملين في الحكومة. يعني أن كل دولة بدأت تتعامل مع هذه المشكلة منفردة، وعلى المدى القصير. لأن الناس الآن في أزمة حقيقية، وتريد أن تشعر بتحسن «من بكرا الصبح».

كلنا نعلم أن هذه الحلول لا يمكن أن تحل هذه المشكلة على المدى المتوسط أو الطويل. وبالتالي يجب أن نبدأ بالنظر في حلول جماعية. لأنه ليس باستطاعة الدول منفردة أن تحل هذه المشكلة. ويجب أن يكون هناك تعامل مع دول أخرى.

المطلوب أولا ـ وهذا كله تم الحديث فيه مع المسؤولين السعوديين وزراء (التجارة والصناعة، والمالية، والزراعة).. والأخير سألتقي به أيضا قبل مغادرتي ـ أن يكون هناك موقف موحد بين السعودية ومصر فيما يخص هذه الأزمة على الساحة العالمية، وموقفنا من استخدام الغذاء كبديل للوقود، والدعم الذي يمنح من أوروبا وأميركا وبعض الدول الأخرى، والذي يسبب خللا في عملية القرارات الاقتصادية الخاصة بالغذاء. وكل ما هو مطروح على الساحة العالمية يجب أن يكون لنا موقف مشترك منه.

الجزء الثاني يتعلق بكيفية خلق مناخ من الدول للشركات الخاصة الموجودة في السعودية ومصر، لدفعها للتعاون المشترك سواء في مشروعات داخل مصر أو السعودية، أو داخل دولة ثالثة، ممكن نذهب إلى السودان أو تركيا أو آسيا، للتعاون في إنتاج أو تداول الغذاء.

الطرف الثالث من المعالجة، هو رؤية الأشياء المشتركة التي تخفف العبء على الدولتين. قد تكون هناك فائدة من إيجاد أرصدة استراتيجية مشتركة سعودية ـ مصرية. من الممكن أن القاهرة تتولى تخزين الأرز، بحيث يكون فيها رصيد للرياض، والأخيرة لديها قدرة لتخزين القمح، بحيث يكون هناك جزء منه لمصر، وأساليب أخرى.. المناخ الخاص بعمليات الاستثمارات المباشرة في مجالات الإنتاج الغذائي والزراعة. كما ذكرت السعودية لديها رؤوس أموال، ومصر لديها خبرة زراعية، بحثنا في كيفية التعاون، وكيفية فتح المزيد من الأراضي المصرية للدخول في هذه المشروعات. لقد تحدثنا بكثافة عن هذه النقاط، وأخذت حيزا هاما من المناقشات مع المسؤولين السعوديين، وقد كانت هذه الأمور في صلب المباحثات التي جرت بين خادم الحرمين والرئيس المصري خلال الزيارة التي قام بها الملك عبد الله للأراضي المصرية أخيرا.

> إلى أين وصلت المباحثات الخاصة بفتح مشاريع زراعية سعودية ـ مصرية مشتركة، في ظل الأزمة العالمية الخانقة التي تعصف بغالبية دول العالم؟

ـ هناك شركات سعودية تستثمر في مصر عبر أراض زراعية تقدر مساحتها بمئات الآلاف من الفدانات.. تلك المشروعات ضخمة، ولها تأثير ضخم داخل الدولتين، الغرض منها الإنتاج للأسواق السعودية. ولكن الأكبر من ذلك نحن كحكومات ننظر في مشروعات البنية التحتية للزراعة، هل يمكن أن تكون هناك مشروعات من هذا النوع، قد تساهم فيها السعودية داخل مصر، مما يرفع قدرة الأخيرة في الإنتاج وتستفيد منها الدولتان.. إمكانية إقامة مشروعات مشتركة في السودان، هناك مزيد من الشركات السعودية على حجم أصغر موجودة في مصر ضمن مشروعات مرتبطة بالغذاء والدواجن. كل هذه الأمور نتناقش فيها وموجودة وتحركت، البعض منها نفذ، والبعض الآخر تحت الدراسة.

> ما مدى استفادة الدولة التي ستحتضن المشاريع السعودية ـ المصرية المشتركة؟

ـ لا يمكن إقامة أي مشروع تجاري إلا وأن تكون جميع الأطراف المشتركة فيه مستفيدة. ويجب أن يكون مبنيا على أسس اقتصادية تجارية سليمة. ونحن ضد مبدأ أن تقوم المشروعات على أسس سياسية لأنها لا تضمن الاستمرار فيها. نحن جربناها في المنطقة العربية وكانت فاشلة. السياسة تختلف يوما بعد يوم، إنما المصالح تبقى دائما موجودة. لذلك يجب أن نضمن أن أي طرف سيشترك في هذه المشروعات سيكون له سبب تجاري واقتصادي يعود عليه بالنفع.

> حديثك عن التجربة العربية في إقامة المشروعات الاقتصادية يدفعنا للتساؤل حول القمة الاقتصادية المزمع عقدها في الكويت، كيف تعمل السعودية ومصر في سبيل إنجاح هذه القمة، وما هو أبرز الموضوعات المطروحة على طاولة المجتمعين؟

ـ أولا، مصر والكويت كانتا من الدول التي نادت بهذه القمة الاقتصادية، وهذه القمة اعتمدت وتمت الموافقة عليها في الرياض في القمة العربية العام الماضي، وبالتالي كان هناك دعم سعودي قوي لهذه القمة. هناك اتفاق بين السعودية ومصر بأهمية هذه القمة، وهما من الدول الموجودة في لجنة الإعداد لهذه القمة. ونحن نرى أن هناك فائدة كبرى لإقامة القمة الاقتصادية، خاصة لو أعد لها الإعداد السليم. المبدأ الذي ستأتي إليه مصر والسعودية في إطار هذه القمة هو عدم الحديث عن مشروعات حكومية وأساليب الفكر القديم في عمليات القمم والتي تأخذ بعض القرارات وتنتهي. الواقع الذي نتحدث عنه اليوم هو أن الشركات الخاصة هي أساس التنمية في المنطقة، سواء كانت سعودية أو مصرية أو عربية. المبدأ الثاني، أن هذه الشركات الخاصة تعدت في أدائها مواقف الحكومات. ما أقصده أن هناك شركات سعودية مصرية إماراتية أردنية لبنانية، تعمل اليوم في إطار عربي حقيقي، لديها وجود في غالبية الدول العربية، وتعمل على المحورين التجاري والاستثماري، وهذه الشركات أداؤها اليوم أصبح أكثر تقدما من الدول. الهدف من القمة، أنه نحن كدول عربية ماذا نستطيع أن نعطي كتصور وطرح لهذه الشركات في المستقبل القادم. كنا نتكلم في الماضي عن سوق عربية مشتركة، لقد تعدينا هذا الموضوع. ولكن هل نستطيع أن نتخذ قرارات اليوم تعطي آفاقا جديدة للشركات العربية، نتحدث عن فضاءات مفتوحة، نتحدث عن ربط سكك حديد بين الدول العربية، عن وسائل انتقال جديدة للبضائع والأفراد، عن مزايا للشركات في كل هذه الدول بلا قيود وبلا نوع من التحيز، إضافة لحرية الخدمات، والدفع بالأفراد للعمل، ويجب أن نعطي الشركات العربية حلما جديدا، لتستفيد من تجمع عربي اقتصادي قوي.

> إلى أين وصلت تحضيراتكم لمؤتمر دافوس المزمع عقده في شرم الشيخ 18 الشهر الجاري، وهل سيحضر الرئيس الأميركي المؤتمر، وما هي المحاور والموضوعات المطروحة على طاولة المؤتمرين؟

ـ التحضيرات قـــائمة وعدد المشتركين وصل لـ1500 مشترك، هناك 13 ملكا ورئيس دولة سيحضرون، و8 رؤساء وزراء. كل رؤساء المؤسسات الدولية في العالم سيكونون حاضرين، فهناك تمثيل قوي من السعودية، بتفويض خادم الحرمين لوزير التجارة والصناعة أن يمثله في هذا المؤتمر، وهناك عدد آخر من الوزراء، وأعداد ضخمة من رجال الأعمال من كل دول العالم، سيحضرون المؤتمر.. الموضوعات كثيرة، على مستويين سياسي واقتصادي. اقتصاديا، هناك مشاكل كثيرة ستناقش، منها الاقتصاد العالمي، والبنوك، والغذاء، والأسعار، والطاقة، إنما هناك فرص كثيرة في المنطقة، مثل الفوائض البترولية، والإصلاحات الاقتصادية التي تمت في السعودية ومصر ودول كثيرة، النمو الذي يحرز تقدما في الدول، هناك موضوعات كثيرة، بجانب الموضوعات السياسية الخاصة بأمن المنطقة ومشاكل المنطقة التقليدية، وسيحضر مجموعة كبيرة من الرؤساء منهم الرئيس الأميركي جورج بوش، ورئيس البنك الدولي، رئيس منظمة التجارة العالمية، ورئيس منظمتي العمل والغذاء.

> شهد الشارع المصري إضرابات واحتجاجات خلال الأيام الماضية، لارتفاع الأسعار، إلا أن الحكومة المصرية وبالرغم من هذا الامتعاض الذي سيطر على الشارع قامت برفع أسعار الوقود، إلى ماذا استندت الحكومة في اتخاذ مثل هكذا قرار؟

ـ ما فيش اضرابات في مصر. ما حدث أن هناك دعوة للاضراب لم تنجح، إنما ما حدث أن مصر مثلها مثل أي دولة في العالم تتعرض لأزمة اقتصادية حقيقية بسبب الأسعار. ومن ثم كانت هناك مبادرة من الرئيس المصري برفع الرواتب 30 في المائة، ولكن هذه الزيادات في الرواتب لا بد أن تكون من موارد حقيقية، وبادرت الحكومة المصرية مع البرلمان باتخاذ 8 قرارات، من بينها قرار واحد يقضي برفع سعر البنزين والسولار. ولكن بقية القرارات اتجهت لأسلوب العدالة الاجتماعية، وهي الأخذ من القادرين لإعطاء غير القادرين، فرفعت بعض الرسوم الخاصة بالسيارات الفارهة والسجائر وبعض الأمور الخاصة بالضرائب على الشركات التي زادت أرباحها لأسباب معينة، وفي نفس الوقت رفعت الرواتب بـ30 في المائة، ومعاشات المتقاعدين 20 في المائة، ورفعت من الحصص التموينية الموجودة في أسعار مخفضة. ليس هناك شك في أن القرارات جاءت جزءا من محاولة مكافحة ارتفاع الأسعار الضخم الذي يشهده العالم هذه الأيام.

> شهدت اجتماعات اللجنة السعودية ـ المصرية المشتركة، مباحثات حول الربط الكهربائي بين السعودية ومصر، هل لك أن تطلعنا على أبرز ما تم اتخاذه في هذه النقاشات؟

ـ تم الاتفاق على آليات الربط والتفاصيل، لأن عملية الربط الكهربائي بين البلدين تعتبر من المشروعات المهمة والناجحة نجاحا كبيرا، لأن هناك مزايا للطرفين، فأوقات الذروة في مصر والسعودية مختلفة. أوقات الذروة في السعودية خلال النهار، وأوقات الذروة في مصر في المساء، وبالتالي الربط الكهربائي يعتبر مفيد جدا للطرفين، لأنه ليس ربط كهربائي بغرض الاحتياط، ولكن بغرض التعامل مع أوقات الذروة بين الطرفين.

> متى ستبدأ عمليات الربط الكهربائي بين الجانبين؟

ـ في غضون الأشهر المقبلة، ولكننا اتفقنا مع الجانب السعودي الآن، على كافة التفاصيل وآليات التنفيذ.

> هل ستراجع الحكومة المصرية القرارات الخاصة بوقف تصدير الأرز المصري والإسمنت؟

ـ لن نراجع أي قرار، فالقرار محدد لـ 6 أشهر فقط، سينتهي في أكتوبر، وسنعاود عمليات التصدير مع صدور المحصول الجديد.