الأسواق العالمية تمثل تحديا للاقتصاد الإسرائيلي

توقع انخفاض النمو لـ3.2 % خلال العام الحالي والتضخم عند 3%

بدأت نقطة التحول في الاقتصاد باستيعاب المهاجرين من الاتحاد السوفياتي سابقا («خدمة شاتر ستوك»)
TT

هي دولة صغيرة تضم سبعة ملايين نسمة ولا تتمتع بموارد طبيعية تذكر، وتحيط بها دول معادية ومع ذلك فقد تمكنت اسرائيل رغم كل شيء من بناء اقتصاد حقق مكانة عالمية ونموا يبلغ 5 في المائة سنويا منذ عام، 2003 أسرع من اقتصادات بريطانيا، وأميركا، واليابان.

وبحسب وكالة رويترز ساعد التحول الى سياسات السوق الحرة في الأعوام الأخيرة في نجاح الاقتصاد ولكن جزءا كبيرا من نمو إسرائيل يقوم على رجال الأعمال الذين يأسسون شركات تكنولوجيا ثم يبيعونها أو يطرحون أسهما للجمهور في نموذج ربما يكون قد بلغ أقصى حدود إمكاناته الاقتصادية.

وبعد أن قطعت شوطا كبيرا في أول 60 عاما من قيامها تسعى إسرائيل الآن للبحث عن سبل للاستفادة من ثقافة الابتكار من خلال تسويق تفوقها التكنولوجي في الخارج.

يقول شلومو كاليش الشريك المؤسس لشركة جيروزالم جلوبال فنتشرز وهي من أقدم شركات رأس المال المخاطر في اسرائيل «رجال الأعمال الإسرائيليون يجيدون العمل في الاسواق العالمية لأنه ليست هناك سوق محلية تذكر، العولمة تعمل لصالحنا».

وقال زيف هولتزمان رئيس مجلس ادارة مركز أبحاث اسرائيل فنتشر وجيزا فنتشر كابيتال ان الصين والهند اللتين تتنافسان مع اسرائيل في مجال التكنولوجيا المتطورة تصبحان الان سوقا رائجة لصادرات اسرائيل.

وأضاف «آسيا أصبحت بالفعل أكثر أهمية كسوق للتكنولوجيا المتطورة الإسرائيلية. لكن مستوى التكنولوجيا المبتكرة الذي يقتصر على قطاع التكنولوجيا المتطورة الاسرائيلي سيظل العامل الرئيسي الذي يحافظ على تفوق اسرائيل».

وقد تأسس اقتصاد إسرائيل على المبادئ الاشتراكية على أيدي أوائل الزعماء المهاجرين وخاصة من أوروبا الشرقية. واشتهرت الدولة بالكيبوتزات حيث يعمل السكان أساسا في الزراعة وبعض الصناعات الخفيفة ويتقاسمون فيها كل شيء تقريبا.

وطوال عقود ظل قطاع التصدير الإسرائيلي قائما على الزراعة وخاصة زراعة الخضر والموالح مثل برتقال يافا الشهير. وهناك طلب عالمي هائل على مثل هذه المحاصيل التي تزدهر في المناخ الجاف بمساعدة من تكنولوجيا الري بالتنقيط التي ابتكرها علماء اسرائيليون.

وحولت إسرائيل أعباء نفقات الدفاع الهائلة إلى ميزة لصالحها حيث أبقت على تفوقها في مجال الأبحاث وتطوير معدات وبرامج الكمبيوتر العسكرية. والآن تتحول إسرائيل إلى إنتاج المزيد من المنتجات المدنية بعد نجاح قطاعها العسكري عالميا بمنتجات تتراوح من مدفع رشاش عوزي صغير الحجم الى نظم المراقبة الالكترونية وطائرات الاستطلاع التي تطير بدون طيار.

وبعد حرب عام 1973 سقطت اسرائيل في براثن ازمة اقتصادية ووصل التضخم الى 400 بالمائة سنويا بحلول منتصف الثمانينات من القرن الماضي.

لكن خطة تثبيت في عام 1985 نجحت في وضع الاقتصاد على مسار جديد من خلال تعاون نادر بين نقابات العمال والحكومة والقطاع الخاص عمل على تثبيت الأجور وأدى الى خفض الانفاق الحكومي.

وتراجع التضخم نتيجة ذلك الى نحو 18 في المائة.

وفي الأعوام الخمسة الماضية تبنت الحكومة سلسلة من إصلاحات السوق الحرة حيث خفضت الدين العام ونجحت في وضع ميزانية لا عجز فيها في عام 2007 وخفضت الإنفاق العام الى 45 في المائة من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بـ53 في المائة من قبل.

لكن الخبراء يعتقدون أن نقطة التحول في الاقتصاد جاءت في اوائل التسعينيات عندما بدأت اسرائيل استيعاب المهاجرين من الاتحاد السوفياتي سابقا. ووصل عددهم الى مليون مهاجر يتمتع معظمهم بتعليم عال وتسري التجارة في عروقهم مما أعطى دفعة قوية لقطاع التكنولوجيا المتطورة. يقول جاكوب فرنكل وهو محافظ سابق لبنك إسرائيل المركزي ويعمل حاليا نائب لرئيس مجلس ادارة شركة التأمين العملاقة ايه.اي.جي «هذا فعليا مسار الاقتصاد الاسرائيلي والنظام الاقتصادي والسياسي في البلاد».

وفتحت كثير من كبرى الشركات العالمية مثل انتل واي.بي.ام ومايكروسوفت وهيوليت باكارد وياهو وجوجل وصن مايكروسيستمز مراكز تطوير وعمليات أخرى في إسرائيل. ويجري تداول أسهم اكثر من 75 شركة إسرائيلية في بورصة ناسداك الاميركية لتصبح اسرائيل أكثر دولة يجري تداول اسهم شركاتها في ناسداك بعد الولايات المتحدة.

ومن بين هذه الشركات تيفا للصناعات الدوائية اكبر منتج في العالم للادوية التي لم تعد تحميها قوانين براءات الاختراع وشركة تشك بوينت سوفتيوير تكنولوجيز أكبر شركة اسرائيلية واحدى كبرى الشركات العالمية في مجال منتجات تأمين الشبكات وكذلك شركة البيت سيستمز لمقاولات الدفاع. وتركز الشركات الاسرائيلية مؤخرا انظارها على الطلب المتنامي على التكنولوجيا النظيفة الناشئة.

وفي عام 2006 دفع الملياردير الاميركي وارين بافيت 4 مليارات دولار لشراء حصة 80 في المائة في شركة ايسكار للمعادن وذلك في أول استثمار خارج الولايات المتحدة. وضخ العام الماضي المستثمرون أكثر من عشرة مليارات دولار في اقتصاد وصل حجمه الى 200 مليار دولار وهو ما يوازي حجم اقتصاد جمهورية التشيك أو ماليزيا أو كولومبيا.

ونظرا لتباطؤ اقتصاد الولايات المتحدة وهي شريك تجاري رئيسي لإسرائيل فمن المتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصاد الإسرائيلي الى نحو 3.2 في المائة هذ العام مع وصول التضخم الى نحو 3 في المائة.

ويقول بعض الاقتصاديين ان بامكان اسرائيل تحمل التباطؤ المتوقع من خلال تحويل قسم كبير من صادراتها التكنولوجية الى اسيا. ورغم أنه يمثل اكثر من نصف صادرات إسرائيل فان قطاع التكنولوجيا المتطورة يشغل 8 في المائة فقط من إجمالي القوة العاملة. ويقول زعماء قطاع الأعمال مثل ايلي هورفيتز رئيس مجلس ادارة شركة تيفا ان إسرائيل بحاجة لخطة لضمان توفير أجور معقولة لباقي الأيدي العاملة. ومتوسط الأجور في اسرائيل منخفض نسبيا حيث يبلغ نحو 2000 دولار شهريا.