بريطانيا: مشروع المليارين «القطري» في تشيلسي يواجه المتاعب

بسبب أزمة الائتمان.. بيع الوحدات الفاخرة قد يستغرق 300 شهر

قطاع الشقق الفاخرة في قلب المدن تأثر اكثر من غيره بأزمة التمويل العقاري («الشرق الاوسط»)
TT

يواجه اكبر مشروع عقاري في لندن يقام على اراضي معسكر سابق في حي تشيلسي الراقي متاعب بسبب ازمة الائتمان السائدة حاليا على رغم تأكيدات القائمين على المشروع ان القطاع الفاخر لن يتأثر كثيرا بالأزمة. ويعد المشروع من اكثر المشروعات العقارية طموحا في العاصمة البريطانية، ويشرف عليه اشهر العقاريين في القطاع الفاخر حاليا وهما الاخوان كاندي بتمويل من جهات خليجية قطرية عبر صندوق «ديار». ويطلق العقاريون في لندن على المشروع اسم «المشروع الازرق» لان هذا هو الاسم الذي كان يحمله المشروع اثناء فترة التصميم.

ولا يقل حجم الاستثمار في اراضي المشروع فقط عن959 مليون استرليني (نحو ملياري دولار) دفعها الاخوان كاندي بتمويل مباشر من صندوق «ديار»، على رغم ان المستشار العقاري لوزارة الدفاع البريطانية نصح الوزارة بألا تتوقع اكثر من 750 مليون استرليني كحد اقصى لثمن الارض، وذلك خلال ذروة الفقاعة العقارية في العام الماضي. ومنذ اسابيع تقدمت شركة كاندي للحصول على تراخيص البناء في المشروع الذي يضم 319 شقة فاخرة. ووفقا لشروط البلدية سوف يتعين على الشركة تقديم عدد مماثل من الشقق الرخيصة لسكان لندن تشرف على بيعها او تأجيرها هيئة عقارية اجتماعية. وبالطبع لن يحقق هذا الجانب الاجتماعي من الاستثمار اي هوامش ارباح مجدية، ويتم التركيز بالتالي على الشقق الفاخرة لكي تحقق اهداف الارباح من المشروع.

ولكن شركات عقار لندنية شككت اخيرا في امكانية نجاح المشروع من حيث الربحية في المناخ الحالي، حيث اشارت عدة شركات في قطاع النخبة العقاري انها لا تستطيع ان تبيع اكثر من عقار واحد شهريا في فئة القمة التي تفوق العشرة ملايين استرليني، وانه حتى لو نجحت شركة كاندي في بيع كل وحداتها العقارية فالامر قد يستغرق منها نحو 300 شهر! ويتوقع الاخوان كاندى تحقيق هوامش ربح قدرها حوالي ثلاثة ملايين استرليني على كل شقة في المشروع، ويعني هذا ان اجمالي الارباح المتوقعة من 319 شقة يماثل كثيرا سعر الارض ويقترب من المليار جنيه استرليني.

ووفقا لحسابات مطوري العقار، فإن المعتاد هو تقسيم الاستثمار في المشروعات العقارية الى ثلاثة اجزاء متساوية هي قيمة الارض ولها حصة الثلث، وتكاليف البناء ولها الثلث الثاني ثم نسبة الارباح ولها الشق الثالث. ويدفع ممولو المشروع حاليا اقساط الارض على خمسة اقساط سنوية، كما ان من المتوقع ان تبدأ قريبا اعمال البناء في المشروع وتصل تكلفتها الى نحو المليار استرليني ايضا. ولكن المشكلة التي تتحدث عنها اوساط العقار في لندن حاليا تتعلق بالشق الثالث وهو تحقيق الارباح المتوقعة، وقيمتها مليار دولار.

ومما يذكر ان الاخوان كاندي وشركاءهما في صندوق «ديار» يشرفان ايضا على اغلى مشروع في لندن وهو مشروع «وان هايد بارك» الذي يتفوق في قيمته على قيمة مشروع تشيلسي. وتباع وحدات مشروع هايد بارك بأسعار اغلى من مشروع تشيلسي. ومازال المشروع الاول قيد البناء ولم يتم بيع كل وحداته العقارية بعد. ويضيف هذا من اعباء بيع المشروع الثاني. وتعاني لندن حاليا من تخمة الشقق الفاخرة مع ندرة التمويل، واذا كان القطاع السوبر فاخر لم يتأثر بعد بالأزمة فإن هذا الوضع قد يتغير في المستقبل اذا طال امد الازمة الحالية، وهو المتوقع، خصوصا اذا تأثر مستوى الاسعار العام في السوق هبوطا، وهو ما يحدث بالفعل. وبالتالي قد يكون من الصعب اقناع مستثمر بشراء شقة بعشرة ملايين استرليني في سوق متراجع. وقد يعرض المشتري الثري ما يراه سعرا عادلا في مثل هذا العقار في حدود ستة ملايين الى ثمانية ملايين استرليني. ومعنى هذا ان مشروع تشيلسي قد لا يغطي تكاليفه، وقد يجد من الافضل تحجيم الخسائر ببيع اكبر عدد ممكن من الوحدات بسعر السوق حتى يغطي المشروع اكبر نسبة من اصل الاستثمار.

ويعاني استثمار الاخوين كاندي من سوء التوقيت، حيث وقعت ازمة الرهن العقاري ومشكلة الائتمان في الوقت الحرج بعد شراء الارض بثمن باهظ وغير مبرر وقبل بداية انشاءات المشروع. فلو كانت ارض معسكر تشيلسي تعرض الان للبيع لما تخطى ثمنها 400 مليون استرليني في اقصى تقدير، وفقا لمصادر السوق. وحتى لو دفع فيها المستثمر المصمم على حيازتها 500 مليون استرليني لكان في استطاعته اكمال المشروع وبيع الوحدات العقارية الفاخرة بنصف الثمن مع تحقيق بعض الارباح. اما الان فان امل تغطية التكاليف يبدو بعيدا كلما طال امد الازمة الحالية.

وقد كتب العديد من المحللين الاقتصاديين ان توفير البنوك المركزية لبعض السيولة في الاسواق ليس معناه نهاية الازمة الحالية، بل يذهب البعض الى القول ان عصر التمويل الرخيص قد انتهى الى غير رجعة. ويعتقد هؤلاء ان الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة تحول جذرية قد يكون وصل معها الى حدود النمو الممكن بالموارد المتاحة. وهذا يفسر ارتفاع اسعار المواد الاولية والطاقة والغذاء الى افاق غير مسبوقة. والحل هو في زيادة انتاج المواد الاولية، وهذا غير ممكن في الغالب، او رفع اسعارها لتحديد استهلاكها وهذا هو ما يحدث.

وفي المجال العقاري تزداد مشكلة التمويل تعقيدا لرفض البنوك الاقراض العقاري لعدم رغبتها التعرض لمخاطر قطاع تعتقد انه متراجع في القيمة. وقد يجد الاخوان كاندي ان الاثرياء الذين تتوجه اليهم مشاريع تشيلسي وهايد بارك لا يحتاجون الى الاقتراض ولكنهم يعرفون ايضا ان الفرص الجيدة هي تلك التي توفر فرص الربح بعد حين، وفي المناخ الحالي قد يكون من الصعب استعادة ما يدفعه المستثمر في عقارات مقومة بأكثر من قيمة السوق. ويقامر المستثمران كاندي على ان مزاج الاثرياء يتغير من الرغبة في شراء العقارات التاريخية العريقة الى الرغبة في الحداثة. ويقول نيكولاس كاندي ان العقارات العتيقة بها العديد من المشاكل، فهي لا توفر اماكن لصف السيارات تحت الارض ولا يمكن تركيب تكييف مؤثر فيها وهي مثل سيارات الفيراري القديمة: جميلة الشكل ولكن بها الكثير من المشاكل. وهو يأمل ان تكون الفكرة الاساسية في تصميم حي كامل للاثرياء جاذبة للعملاء خصوصا وان موقع تشيلسي هو الاخير بهذه المساحة في كل انحاء لندن.

وسيتم التركيز ايضا على توسيع مساحات الشقق على مستوى الطابق الواحد، كما لن ترتفع طوابق المباني اكثر من عشرة طوابق. وقد تعتلي هذه المباني طواحين هوائية للتركيز على جانب المحافظة على البيئة وتوليد بعض الطاقة المستخدمة في المبنى. ومن اللمسات التي سبق وادخلها الاخوان كاندي في مشروعات نفذاها وستكون بالتأكيد في مشروع تشيلسي برادات لمعاطف الفراء الثمينة، وارضية دافئة لمواقف السيارات ومرايا بذاكرة بحيث يمكن لمستخدمها النظر الى صورته التي تظهر في المرآة بعد نصف دقيقة بحيث يمكن ان يرى خلفية رأسه وجسمه في المرآة قبل الخروج.

ويشمل المشروع الذي قدمه الاخوان كاندي لمجلس حي المنطقة في الشهر الماضي للموافقة عليه مساحات خضراء تفوق في مساحاتها مساحات البناء ويمكن للعامة ارتيادها. وهي تقع بمحاذاة النهر ستتم زراعة 300 شجرة فيها. كما يضم المشروع ايضا فندقا راقيا ومنافذ تجارية ومركزا رياضيا به حمام سباحة طوله 25 مترا. ويتم تسويق المشروع على انه «موطئ قدم» للاثرياء في لندن خصوصا هؤلاء الذين ينتقلون من مدينة لاخرى ويريدون موقعا دائما داخل لندن بالمواصفات الفاخرة. وسيتم هدم برجين سكنيين ضمن المعسكر القديم قبل البدء في اعمال البناء في الموقع الجديد.

ولكن السلبيات في المشروع هو انه يجاور منطقة سكن رخيص تدخل ضمن نطاق المشروع، بها عدد مماثل من الوحدات السكنية، يشترطها المجلس المحلي للاسكان الشعبي، وقد يجد الاثرياء انفسهم جيرانا الى جوار سائقي الباصات والممرضات ورجال الاطفاء. وفي العادة يلبي المقاولون هذه الرغبة ببناء المساكن الشعبية في مواقع اخرى بعيدة عن المشاريع الفاخرة، ولكن في حالة مشروع تشيلسي يصر مجلس حي ويستمنسر الذي يتبعه المشروع على ان تكون الوحدات الرخيصة داخل اطار المشروع نفسه. من الشروط الاخرى التي يفرضها المجلس المحلي هو ان تكون الشوارع التي تتخلل المشروع مفتوحة وليست مغلقة ببوابات امنية. وقد يؤثر هذا على الرغبة في الشراء من كبار الاثرياء، حيث ما زالت ماثلة في الاذهان جريمة مقتل ثري مصرفي اسمه جون مونكتون في منزله بحي تشيلسي، الامر الذي يجعل مسألة الامن حيوية.

ايضا يعيب البعض على المشروع كثافة العمارات السكنية فيه وقربها من بعضها البعض بحيث تشبه الى حد كبير مشروعات الاسكان الشعبي في الستينيات. ويلاحظ البعض ان المشروع يجاور مستشفى تاريخي يوفر شكلا معماريا اقل كثافة واجمل شكلا من المشروع الجديد. وقد يعتمد الامر في النهاية على رغبة من يمتلك ثمن عقار فاخر في الاختيار بين الشراء في تشيلسي او في موقع اخر بالثمن نفسه.

هذا ويتم تمويل المشروع بقرض يبلغ حجمه 2.5 مليار دولار من صندوق «ديار». وقد اثار بيع معسكر الجيش للاستثمار الخاص غضب بعض اللندنيين ومن بينهم جيران المعسكر الذين يعترضون على «التصميم الزجاجي» الحديث ويترحمون عى المعسكر الذي ظل في موقعه لمدة قرن ونصف قرن من الزمان. ويعتبر البعض ان بيع الحكومة للمعسكر هو تفريط في جزء من تاريخ المدينة لكسب حفنة من الدولارات. وتساءل احدهم عما اذا كان قصر باكنغهام سوف يباع في المستقبل القريب لتحويله الى فندق فاخر للاثرياء ايضا! كما عبر احدهم عن خوفه من خروج ثكنات الجنود الى خارج لندن حيث لن تجد المدينة حماية كافية في حالات الطوارئ.

ولن تكتمل اعمال البناء في المشروع قبل عام 2014 وقد تكون احوال سوق العقار البريطاني قد تحسنت قليلا في ذلك الحين لان آخر الاحصاءات تشير الى انخفاض في معدل اسعار العقار في العام الاخير بنسبة واحد في المائة للمرة الاولى منذ عشر سنوات. ويقال ان الاخوين كاندي يريدان نقل تجربتهما العقارية الى الولايات المتحدة حيث يتفاوضان الان على شراء موقع عقاري في منطقة بيفرلي هيلز في ولاية كاليفورنيا بمبلغ نصف مليار دولار. ويقال ان الاخوين كاندي دخلا مجال العقار منذ عشر سنوات فقط بقرض من جدتهما لا يزيد عن ستة الاف استرليني.