أميركا: شركات التمويل الإسلامية تسبح ضد التيار وتزدهر

فيما توشك صناعة الرهن العقاري التقليدية على الانهيار

تراجع العقارات في أميركا بسبب أزمة الرهن وضع القطاع على الحافة («الشرق الأوسط»)
TT

ربما تكون صناعة الرهن العقاري قد أوشكت على الانهيار، لكن هناك فئة واحدة على الأقل من بين مؤسسات التمويل يبدو أنها تزدهر: شركات التمويل الإسلامي التي تقدم لمشتري المنازل من المسلمين بدائل يمكن من خلالها تجنب مدفوعات الفوائد التي يعتقد بأنها محرمة من الناحية الدينية. وقد أفاد المسؤولون في «جايدانس رزدنشال» وهي شركة تقوم بتمويل أكثر من 5000 منزل للبيع منذ عام 2002، أن الشركة قد شهدت أفضل سنواتها حيث ارتفعت نسبة المبيعات بنحو 7 بالمائة في الربع الأول من عام 2008 عن الربع الأول من عام 2007. وفي جامعة التمويل الإسلامي التي بدأت عملها في آن آربور في ميشتغن، وتوسعت إلى ميريلاند وفيرجينيا وخمس ولايات أخرى خلال العام الماضي، يقول المسؤولون إن عدد طلبات تمويل شراء المنازل قد تضاعف أربع مرات منذ شهر مارس (آذار) الماضي. وقد أفاد ممثلون من مؤسسات التمويل الإسلامي الأربع الكبار في الولايات المتحدة بأنهم لا يتعقبون أسباب اختيار العملاء لهم بدلا من وكلاء الرهن العقاري الآخرين. وقد توقع العديد منهم أن ذلك يرجع إلى النمو الطبيعي لهذه الصناعة الناشئة، كما أنه يرجع إلى التأثيرات التي خلفتها أزمة الرهن العقاري الجديدة. وقد أتاح انخفاض الأسعار في مناطق عديدة إمكانية الشراء للعديد من الأفراد الذين يمثلون قطاعا هاما من عملاء التمويل الإسلامي. كما ساعد على ذلك ما انتشر من الممارسات السيئة لمقرضي الرهن العقاري بين العديد من المشترين المسلمين. ويقول حسام قطب وهو المتحدث الرسمي باسم جايدنس: «إن علينا مناقشة الوسائل التي كانت تستخدمها شركات الرهن العقاري خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية بناء على ما يحدث اليوم. وأعتقد أن ذلك يجعل العديد من الأفراد يقولون حسنا ماذا عن هذه الصناعة الناشئة للتمويل الإسلامي؟ دعني أعرف المزيد عنها وأرى إن كان من الممكن الاستفادة منها». وقد كان ذلك هو الشعور السائد بين العملاء المحتملين الذي يتناقشون مع ممثلي جايدنس في المعرض الذي عقد بواسطة الجالية الإسلامية في ستيرلنج منذ عدة أسابيع. وقد أرادت نبيلة زرارقة وهي امرأة جزائرية المولد وترتدي غطاء رأس لونه أبيض وأخضر، أن تعرف ما إذا كانت خيارات تمويل المنازل لدى جايدنس أفضل من شركات التمويل التقليدية. وفي ذلك تقول: «أنا لا أشعر في أعماقي بالراحة لدفع فوائد لأن ذلك ضد معتقداتي. ولكنني أشعر أيضا بأن ذلك ضد مصلحتي... وما رأيناه هو أن هذه القروض تتكلف كثيرا... وإذا كانت هناك طريقة للاقتراض بطريقة إسلامية، فلماذا لا نجربها؟» كما أراد منير الحاج وهو سوداني الأصل ويبلغ من العمر 45 عاما أن يعرف المزيد عن عروض جايدنس مع العملاء الذين يخفقون في تسديد ديونهم. وقد تحدث عن سيدة قاموا بإغلاق منزلها لأنها فشلت في تسديد ديونها. وقال لممثل جايدنس: «لقد كانت هذه السيدة تدفع القرض لمدة 17 عاما ومع ذلك فقد أخذ البنك منزلها. ولذلك فإنني أرغب في معرفة ما ستفعلونه إذا فشلت في تسديد ديوني. هل يمكنكم مساعدتي؟» ابتسم ممثل المبيعات عمرو محمد وقال: «نعم نستطيع ذلك». وأضاف إن القانون الإسلامي والذي يعرف باسم الشريعة يحرم الفوائد الربوية بسبب تعثر العميل. ولذلك إذا تأخر العميل في دفع الأقساط، فإن جايدنس تغرمه متاعب إدارية ثابتة لتغطية تكاليف هذه العملية ولكن لا تغرمه نسبة من القرض أو أتعابا إضافية متراكمة مثلما تفعل شركات الرهن العقاري الأخرى.

ويهدف التمويل الإسلامي إلى تقديم فرص متساوية للمشترين المسلمين مثل التي تقدمها شركات التمويل التقليدية ولكن مع التحايل على منع الشريعة لدفع الأقساط الربوية. وبصورة عامة فإن ذلك يعرف بأنه مكسب مبالغ فيه، حيث يصبح الربا وكأنه كسب عن طريق استئجار المال ـ وبعبارة أخرى فإن ذلك هو ما يعرف بالفوائد ـ لأن المقترض يتعرض للخسارة بينما يضمن المقرض المكسب.

ومن بين البدائل التي تطرحها الشركات الإسلامية أن تشتري الشركة منزلا ثم تبيعه إلى مشتري المنزل بأقساط شهرية ثابتة حسب سعر متفق عليه. ويظل هذا السعر منافسا للفوائد التقليدية التي تحصل عليها شركات الرهن العقاري الأخرى. ولذلك فبغض النظر عن تكاليف المعاملات فإن الأقساط الشهرية التي يدفعها المشتري تساوي ما يمكن أن يدفعه مقابل القروض التقليدية.

وهناك خيار آخر يعقد فيه الممول والمشتري اتفاقية تأجير تمليكي يشبه تقسيط السيارات. ومرة أخرى، تكون مدفوعات الاستئجار مماثلة لمدفوعات الاقتراض السائدة. والنموذج الثالث والذي تفضله جايدنس يقوم كذلك على التأجير التمليكي فيما عدا أن المشتري وشركة التمويل يكونان شركة ذات مسؤولية محدودة لامتلاك حصص من العقار. وعلى الرغم من أن مؤسسات التمويل الإسلامي بها هيئة رقابة شرعية للتأكد من توافق الإجراءات مع الشريعة الإسلامية، فإنه ليس كل المفكرين الإسلاميين يرون أنها ضرورية. ويقول محمود أمين الجمل وهو أستاذ متخصص في الاقتصاد الإسلامي إن التمويل الذي يتوافق مع الشريعة الإسلامية لم يتطور في البلاد الإسلامية إلا منذ فترة قريبة أيضا. ويقول إن الإقراض التقليدي طالما أنه مؤمن بواسطة البضاعة المادية وهي المنزل في حالتنا هذه، وهو الأصل الوحيد الذي يمتلكه المقرض في حالة فشل المقترض في تسديد ديونه، فلا يجب اعتباره مساويا لكسب المال عن طريق تأجيره.

ويقول: «إن هذه الصناعة تقوم على عدم معرفة الأفراد بأمور دينهم وبيعهم منتجا يزعمون أنها مختلفة رغم أنها ليست كذلك. إنه إعلان غير حقيقي، وهو نوع من التمويل الذي يخلق الطلب». لكن هيرسي ديري وهو محلل تقنيات صومالي المولد قام أخيرا بالحصول على تمويل لشراء منزل قال إن هذه الاعتراضات لا فائدة منها لأنه بذلك قد أراح ضميره وبذلك أقصى ما في وسعه. ويقول: «أتمنى تجنب كل شيء يحرمه الإسلام ولكنني لا أستطيع. ولذلك فإذا كانت لدي الفرصة والاختيار لتجنب الربا، فإنني سوف أفعل ذلك».

ويقول رضوان جاكا رئيس الجالية المسلمة وهو من بين أول المشترين للمنازل عن طريق التمويل الإسلامي في واشنطن إنه ذلك يمثل حجر زاوية في اندماج المسلمين مع المجتمع الأميركي. ويقول: «إن ذلك يعكس فوائد كثيرة لنا... إن ذلك قليل من كثير لنكون جزءا من هذا البلد مع القدرة على المحافظة على تقاليدنا الإسلامية. إن الحلم الأميركي يتمثل في شراء منزل، وحلم الأميركيين من المسلمين أن نكون قادرين على عمل ذلك بالطريقة الإسلامية».

خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»