دول الخليج لن تستطيع مواصلة نموها من دون سند قوي من السعودية

خالد جناحي: يجب على الحكومات الخليجية فك الارتباط بالدولار أو إعادة التقييم

خالد جناحي
TT

ينقسم خبراء الاقتصاد الى نوعين لا ثالث لهما، إما مستقل لا يتقلد مناصب حساسة، وهذا يطرح آراءه بكل جرأة ولا يخشى أي عاقبة. والنوع الثاني من كبار المسؤولين في المؤسسات الاقتصادية والمصارف الكبرى، وهذا النوع متحفظ بدرجة تدعو الصحافي الى الملل، خاصة في ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية العامة، وبالتالي لا يستفيد الاقتصاد في بلادهم من طروحاتهم التي لا يصرحون بها إطلاقا. أما ضيفنا اليوم خالد جناحي رئيس دار المال الإسلامي ورئيس مجلس إدارة بنك الإثمار، فيبدو أنه آثر أن يغير من الصورة النمطية التي عرفت عن أقرانه من مسؤولي البنوك الكبار، فأطلق وجهات نظره الجريئة في كل حدب وصوب، ولم يخش أن يوصف بالتشاؤم. ووجه جملة من الانتقادات ضد السياسات الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي. ويعبر عن رأيه بالقول «باعتباري مواطنا خليجيا وحكوماتي لها حق علي بالرأي والمشورة».

ويطالب خالد جناحي دول مجلس التعاون الخليجي «بسرعة فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار الأميركي». ويقول جناحي وهو أيضا رئيس مشارك للمنتدى الاقتصادي العالمي لمنطقة الشرق الأوسط 2008، الذي يعقد هذا العام في منتجع شرم الشيخ في الاسبوع المقبل، إن أمام الحكومات الخليجية الاختيار بين اميرن أحلاهما مر، إما فك الارتباط، أو على الأقل تعديل صرف العملات الخليجية مقابل الدولار.

وحذر جناحي من أزمة غذاء عالمية «تتضرر منها دول الخليج بشكل خاص»، مشيرا إلى ان دول الخليج «ستضرب من جهتين، فهي تستورد غذاءها من دول لا تصدر بالدولار، بالإضافة إلى زيادة الطلب على العناصر الغذائية الرئيسية». معتبرا أن على دول الخليج أن تعي أنها أكثر المتضررين من أزمة الغذاء العالمية وأن «القادم أسوأ».

وحول توقعاته بالنسبة المشاركة العربية في المنتدى الاقتصادي العالمي المقبل، أكد جناحي وجود مشكلة رئيسية في العالم العربي «تتمثل في عدم تكافؤ الفرص، وهو ما لا يمنح العرب إمكانية الاستفادة من الطفرة الاقتصادية الهائلة التي تعم العالم أجمع».

ولفت النظر إلى مشكلة بدأت تظهر في دول مجلس التعاون الخليجي، وهي اتساع الفجوة بين الطبقة الغنية والفقيرة، معتبرا أن على الحكومات الخليجية العمل على الاستفادة من الطفرة بخلق طبقة متوسطة تمثل شريحة كبرى من المجتمع، وذكر بالتجربة التركية التي نجحت بدرجة امتياز في الاستفادة من نموها الاقتصادي بخلق طبقة وسطى، وتقليل الفارق بين طبقات المجتمع.

> لنبدأ من الموضوع الأكثر تداولا في المنطقة.. وهو الارتباط الكاثوليكي للعملات الخليجية بالدولار الأميركي، الذي يواصل الانخفاض باستمرار. كرجل مصرفي واقتصادي ما هو الحل الامثل لدول الخليج؟

ـ ليس جديدا أن الارتباط الخليجي بالدولار الاميركي هو أمر تحتمه عوامل اقتصادية أساسية، لعل أكثرها أهمية هو اعتماد دول الخليج على تصدير البترول المسعر بالعملة الخضراء، إلا أن كل هذه العوامل بدأت تفقد كل أهميتها، باعتبار أن الانخفاض في العملة الاميركية فاق كل التوقعات المتشائمة، بل ان هناك من يرى أن الانخفاض لن يتوقف إلى هذا الحد، وهو ما تسبب في تعريض الاقتصاد الخليجي لخسائر بالجملة. أترك عنك الفوائض الهائلة التي تجنيها الحكومات الخليجية من فورة أسعار النفط، فالأرقام القياسية للذهب الأسود لا تعطي صورة حقيقية لما يجب أن يدخل ميزانيات دول الخليج، وهذا أمر يفاقم ما تعانيه هذه الدول من ارتباط عملاتها بالدولار الاميركي، لذا يجب على دول الخليج أن تتخذ، جماعيا، موقفا حاسما وفك الارتباط بالدولار. وليس صحيحا ما يشاع من أن فك الارتباط سيتسبب في خسائر إضافية، فخسائر الانخفاض المتتالي للدولار، لم تعرف لها حدا يمكن الوقوف عنده. باختصار دول الخليج إما أن تفك ارتباطها بالدولار أو على الأقل، تعيد تقييم عملاتها أمام العملة الاميركية.

> لكن هناك من يشير إلى أن الاقتصاديات الخليجية قد تتعرض للضغط والنمو السلبي في حال ما تم المساس بالارتباط بالدولار أو إعادة تقييم عملاتها أمامه؟

ـ بالتأكيد الحكومات الخليجية أمام قرار صعب ليس من السهل عليها اتخاذه. ونحن الاقتصاديين نقدر الدور المناط بالحكومات، وأن أمامها مشكلة ليست بالبسيطة. لكن ما يجب اتخاذه حاليا وعلى وجه السرعة، هو إعادة تقييم العملات الخليجية، بشرط أن يتم ذلك تدريجيا.

> وماذا عن خطط مجلس التعاون لإطلاق عملة خليجية مشتركة؟ هل تعتقد أن ذلك سيكون ممكنا بحلول 2010؟

ـ دول الخليج تقول إنها ماضية في إطلاق العملة المشتركة في موعدها المحدد، أنا أتمنى أن تصدق هذه التوقعات. لكني بصراحة لا أتوقع أن ترى العملة المنتظرة النور في موعدها المقرر مسبقا.

> في الوقت الذي تتزايد فيه أسعار النفط، وبالتالي زيادة الميزانيات الخليجية، ظهرت لنا مشكلة جديدة، هي أزمة الغذاء العالمي، أين الدور الخليجي من هذه الأزمة وما هو موقعنا تحديدا؟

ـ لا أود أن أكون متشائما، لكني أرى دول الخليج من الدول الأكثر تضررا في العالم. وقبل أن تسألني لماذا؟ اوضح لك ذلك، نحن مجتمع استهلاكي من الدرجة الأولى. ولا نزرع غذاءنا ولا نصنع احتياجاتنا الأساسية. وهذا ما ينفرد به المجتمع الخليجي عن بقية دول العالم. هذا من ناحية اجتماعية، أما من الناحية الاقتصادية فنحن دول مستوردة لكننا لم نحسب حسابا لزيادة الطلب العالمي في يوم من الأيام، وهذا ما يحدث حاليا. المسألة تتعلق بكونها عرضا وطلبا، فزيادة الطلب في روسيا والهند ألقى ظلاله على احتمال حدوث أزمة غذاء عالمية، نحن المتضررون منها بالدرجة الأولى، ناهيك من ان استيرادنا يتم بعملة غير الدولار، وهذا يعني أن دول الخليج تضرب من جهتين، فهي تستورد غذاءها من دول لا تصدر بالدولار، بالإضافة إلى زيادة الطلب على العناصر الغذائية الرئيسية. وهو ما يضع دول المنطقة في أزمة، ويعيد النظر في استراتيجيات دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بمخزون غذائي استراتيجي، وإن كانت أي خطط حالية لن تنفع بتاتا، باعتبار أنك لن تستطيع تنفيذ خططك في الوقت الذي تسجل أسعار الغذاء أسعارا قياسية.

> تبدو متشائما في كثير من القضايا الاقتصادية. لكن دعنا نرى إن كان لديك قليل من التفاؤل.. كيف تنظر لدول الخليج بعد خمس سنوات من الآن. هل ستنعكس هذه الطفرة على حياة المواطن الخليجي نفسه؟

ـ سمني متشائما أو ما تشاء، لكن نحن أبناء هذه المنطقة ولها حق علينا على الأقل بعرض ما نراه صحيحا من الناحية الاقتصادية، دعني أقول لك نعم لدينا طفرة وأسعار بترول فاقت المائة دولار وميزانيات ضخمة وحكومات تسعى لرفاهية شعوبها. لكن أمام هذه الأخبار السارة هناك أخبار سيئة، ويجب أن نسمعها، فانخفاض الدولار وأزمة الغذاء العالمية وارتفاع الأسعار على مستوى دول العالم أجمع، سببت مشكلة عويصة لم تكن على البال، ألا وهي اتساع الفجوة بين الطبقة الغنية والفقيرة، وايجاد طبقة فقيرة ومعدومة إلى حد كبير، وهذا سيفتح للحكومات الخليجية بابا لا يمكن إغلاقه بسهولة، وهنا أتذكر التجربة التركية التي استفادت من النمو الاقتصادي الذي سجلته بخلق طبقة وسطى كبرى، وردم الهوة بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة.

> لكن هناك من يرى أن الكثير من الخليجيين استفادوا من الطفرة التي تهب على دول المنطقة؟

ـ لا أرى استفادة للطبقة الفقيرة من هذه الطفرة، إلا إن كنت تقصد فورة أسواق الأسهم الخليجية. فأنا معك لكنك تنسى في الوقت ذاته أن الطبقة الفقيرة هي أكثر من تضرر من انهيار الأسواق المالية، بل إن هذه الانهيارات فاقمت المشاكل التي تعاني منها هذه الطبقة. أنا هنا أتحدث عن دور للحكومات في تنمية المجتمع بصورة متكاملة ورفع المستوى المعيشي، بدلا من زيادة الرواتب التي لا تجني منها الشعوب إلا فقدان قيمة رواتبها بعد فترة بسيطة من الزمن.

> أنت تدير بنكا من أكبر البنوك الإسلامية، وأعني بنك الإثمار، الذي تملكه مجموعة من المستثمرين الخليجيين، ومنهم مواطنون من ذوي الدخل المحدود.. أليس في هذا صورة للتكامل الخليجي والمنعكس على الطبقات الفقيرة؟

ـ أي تكامل خليجي تتحدث عنه؟ فما لدينا لا يتعدى تجارب فردية إلى حد كبير. فأنا في بنك الإثمار أخسر من عدم وجود التكامل الخليجي. فالمؤسسات والبنوك الخليجية بكاملها لا تساوي بنكا مثل سيتي بنك، طالما لا توجد القوانين الفعالة التي تساهم في عملنا، كمؤسسات اقتصادية، بشكل جماعي فإن مثل هذا التكامل لا يغني ولا يسمن من جوع.

> كيف تنظر إلى الضجة المثارة ضد الصناديق السيادية الخليجية في الخارج؟

ـ هذه مشكلة أخرى خلقتها لنا الطفرة التي نعيشها. فبدلا من الترحيب بهذه الاستثمارات التي جاءت في الوقت المناسب لتنعش الاقتصاد الاميركي على وجه الخصوص، وجدنا اتهامات وعدم ترحيب بالاستثمار في مؤسساتهم التي تعاني من خسائر بالمليارات، على الرغم من أن القاعدة الاقتصادية تقول إن المستثمر مرحب به أينما حل، طالما التزم بالقوانين المنظمة لهذه الاستثمارات، وهذا لم يحصل في اوروبا والولايات المتحدة، اللتين أبديتا صراحة قلقهما من الصناديق السيادية الخليجية، لكن هل من الضروري أن نتجه إلى هذه الأسواق طالما كانت استثماراتنا غير مرحب بها؟

> وماذا عن التوتر الأقليمي بين إيران والولايات المتحدة، ألا ترى أن مثل هذا التوتر من الممكن أن يؤثر على جاذبية المنطقة للاستثمارات الأجنبية؟

ـ هنا ستجد مني شيئا من التفاؤل. فالمنطقة خلال الثلاثين عاما الماضية عاشت من المشاكل بل والحروب، ما لم تعشه مناطق أخرى، ومع هذا استمرت نسب الاستثمار في التصاعد فيها. لكن دعني أقول لك إن معظم الاستثمارات هنا هي أصلا خليجية داخلية. والاستثمارات الأجنبية ما زالت قليلة مقارنة بما يأتي من الخارج، ولو افترضنا جدلا أنها خرجت فإنها لن تؤثر إطلاقا على الاقتصاد الخليجي. وهذا لا يمنع من القول إن التنمية المستدامة في المنطقة، التي عمادها السعودية وإيران، بحاجة للاستقرار السياسي.

> المنطقة بكاملها أضحت بؤرة للمشاكل من كل اتجاه، كيف تستطيع الاقتصاديات الخليجية الصمود أمام هذه المشاكل؟

ـ لنكن صريحين، دول الخليج العربية لن تستطيع أن تواصل نموها من دون سند قوي من السعودية، فهي العمود الفقري لدول الخليج، ولن تستطيع أي دولة أن تواصل نموها بغياب الشقيقة الكبرى السعودية. ونحن كأقتصاديين نرى في أي تطور يشهده الاقتصاد السعودي قوة إيجابية تساهم في نشوء اقتصاديات خليجية قوية.

> ذكرت تقارير صحافية غربية أن الدين العام الخارجي لدبي أعلى من المعدلات الاعتيادية. كيف تنظر لمثل هذا الأمر؟

ـ لدينا في القطاع المصرفي قاعدة أساسية تقول إن البنك يملك المقترض إذا كان صغيرا، أما إذا كان المقترض كبيرا فإنه هو من يملك البنك. هذا يلخص لك النظرية التي تتعامل بها المصارف ومؤسسات الإقراض مع اقتصاد مثل دبي. فهذه الإمارة تمكنت من النجاح في تنويع اقتصادها وترسيخ مكانتها عاليا في سماء الأسماء العالمية، أما ما يصدر من تقارير تصدر وتريد النيل من دبي، فإننا كخليجيين تعودنا على مثل هذا التعامل من قبل الحكومات قبل المؤسسات الاقتصادية الغربية، ولنا في قضية موانئ دبي أكبر مثال على ذلك.

> أخيرا.. تشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي المقبل في شرم الشيخ رئيسا لأحد جلسات المنتدى.. ما الذي سيستفيده المواطن العربي من مؤتمر اقتصادي كبير كهذا؟

- بالتأكيد مثل هذه المنتديات لا تنعكس بصورة مباشرة على المواطن العربي. لكنها أيضا تسهم في فتح آفاق جديدة لكافة القطاعات الرئيسية في المجتمع، وبخاصة السياسيين والاقتصاديين. ومن المهم أن نتطلع لما يمكن لنا أن نستفيده من تجارب الآخرين. ولكني أعتقد أن مشكلة العالم العربي هي في عدم تكافؤ الفرص بين أبنائه، ففيما نجد البعض يستأثر بكامل الثروة، نجد أن الغالبية تسمع بالطفرة، في حين أن هناك أيضا من لم يستفد ولم يسمع بأن هناك طفرة تاريخية تمر على المنطقة.