الرأسمالية على الطريقة الصينية

تقلبات أسواق الأسهم «تسحق» صغار المستثمرين وسط حالات انتحار

عجلة «الرأسمالية» السريعة في الصين تسحق معها صغار المستثمرين (خدمة «شاتر ستوك»)
TT

عندما وصل عمال الإسعاف، وجدوا «وانغ» ممددا على الأرض فاقدا الوعي بعد تناوله مبيدا حشريا، وكان ما يزال قابضا بيده على الجهاز الذي كان يستخدمه في متابعة أسعار الأسهم.

مثلما الحال مع عدد من صغار المستثمرين الآخرين في الصين، راهن وانغ داخل سوق الأسهم الصينية بجميع مدخراته التي كونها طيلة حياته وخسرها. ويبلغ إجمالي قيمتها قرابة 15 دولارا. وأشارت تقارير صادرة عن المستشفى التي يتلقى فيها «وانغ»، العامل بأحد المصانع والبالغ من العمر 36 عاما، العلاج أنه كان يستعد للزواج وأنه كان يأمل في استغلال المال في شراء شقة له. وبصورة عامة، تعد محاولة «وانغ» للانتحار وكذلك محاولات المستثمرين الآخرين أحد التداعيات المؤسفة المترتبة على التجربة الصينية الكبرى في التحول إلى الرأسمالية. وفي شهر فبراير (شباط) الماضي، قفز «لي»، مهندس يبلغ من العمر 25 عاما، من الدور السابع بالبناية التي يعمل بها في مدينة «تشنجدو». وأعلنت الشركة التي كان يعمل بها أنه خسر أموالا ضخمة في سوق الأسهم. وبالمثل، في 30 مارس (آذار) قام صاحب محل لبيع المثلجات يدعى «لي» أيضا (ويبلغ 39 عاما) بالقفز من البناية التي يقطن بها في إقليم «تشاندونغ» بعد خسارته ثلث مبلغ 4.500 دولار استثمرها بالبورصة. ومع انهيار أسواق الأسهم الصينية على مدار الشهور الستة الماضية، جاء رد فعل الحكومة الصينية مخالفا لما توقعه غالبية المستثمرين أمثال «وانغ»، حيث اكتفت بموقف المتفرج. ولم تتحرك الحكومة حتى الأسبوع الماضي إزاء انخفاض مؤشر بورصة شنغهاي إلى مستوى قياسي، ما دفع بكين أخيرا للتدخل.

وبالفعل، أعلنت الحكومة خفض الضرائب المفروضة على التعاملات في الأسهم والحد من تقلبات الأسعار من خلال المطالبة بإجراء بعض التداولات الكبرى خارج سوق الأسهم النظامية، الأمر الذي دفع السوق لأعلى بنسبة 14%. بيد أنها عاودت الانخفاض مجددا منذ ذلك الحين. وبالنظر إلى أن الحكومة الصينية تملك من القوة والمال ما يمكنها من فعل ما هو أكبر من ذلك بكثير، يعتقد البعض أن وصول مساعدتها بهذه الصورة المتأخرة والمحدودة يعني أنها تبعث برسالة إلى حاملي الأسهم مفادها أن عليهم عدم توقع حصولهم على مساعدة حكومية كلما تعرضوا لمثل هذه المواقف. من جانبها، قالت شقيقة صاحب المحل المنتحر «لي تشونيان» إنها تدرك أن من يخسرون كل شيء عليهم ألا يلوموا سوى أنفسهم لإقدامهم على مثل هذه المخاطرة الضخمة.

لكن بالنظر إلى حجم الضرر الذي تلحقه البورصة بحياة الأفراد العاديين، فإن على الحكومة اتباع سياسات لتقديم العون لهم. وأضافت أنه حتى الحكومة الأمريكية تقدم مساعدة أكبر لمستثمريها، مشيرة إلى أنه نما إلى علمها خفض الولايات المتحدة لمعدلات الفائدة من أجل إنقاذ السوق. من جانبهم، صب المستثمرون المتعاملون بالتجزئة، والذين على خلاف الحال مع الولايات المتحدة ويشكلون الغالبية العظمى ممن يستثمرون أموالهم في البورصات الصينية، جام غضبهم على الحكومة. وأكد أحدهم أن «سوق الأسهم الصينية مليئة بدموع ودماء المستثمرين». على الجانب الآخر، يبدي المستثمرون ممن يغلب عليهم الطابع المؤسساتي ومديرو الصناديق والمحللون قدرًا أقل من التعاطف، حيث يرون أن معاناة المستهلكين الذين خسروا أموالهم خطوة ضرورية على الطريق نحو الرأسمالية.

وقد تحملت سوق الأسهم في شنغهاي ونظيرتها بمدينة «شنزهين» الجنوبية لطمات قوية للمستثمرين الصينيين الذين ساد لديهم اعتقاد في فترة من الفترات بأن الاتجاه الوحيد لأسعار الأسهم يسير إلى الأعلى. ويعتقد الكثير من المحللين أن وجهة النظر تلك كان ينبغي تقويمها منذ أمد بعيد. يذكر أنه رغم ضعف إيرادات الكثير من الشركات وتفشي الفساد بها، وصل مؤشر بورصة شنغهاي إلى أربعة أضعافه من حيث القيمة ما بين عامي 2002 و2007. جدير بالذكر أنه بحلول نهاية أبريل (نيسان)، تراجعت أسهم «بترو تشينا» لمستوى قياسي للمرة الأولى.

ويعتقد «أندي زي»، أحد كبار الخبراء الاقتصاديين والمحلل المستقل حاليًا أن التحدي أمام الرأي العام الصيني حاليا هو أنه «بصورة عامة، اشترى مستثمرو التجزئة الأسهم عند نقطة مرتفعة، واستمعوا إلى أقاربهم وأصدقائهم وسمعوا دعايات في هذا الصدد. وعندما تراجعت الأسهم، فإنهم لا يبدون الاستعداد لبيع كل ما بحوزتهم من الأسهم ويقفون في انتظار الحكومة كي تنقذ الأسواق. هذا أمر غير منطقي».

على الجانب الآخر، يشير الأطباء النفسيون بمختلف أنحاء البلاد إلى ازدياد أعداد المرضى الساعين للشفاء من إدمان المراهنة والمقامرة خلال الشهور الأخيرة.

وقد أكد «لي نيج»، مدير قسم إعادة التأهيل النفسي في إحدى مستشفيات « تشانجزهو»، أن الاستثمار في سوق الأسهم ينبغي أن يكون مختلفًا عن المقامرة، إلا أن الكثيرين « يفكرون في الأسهم بعقلية مقامرة». وأوضح أن بعض المرضى الذين تولى علاجهم يعانون من عدم استقرار نفسي فيما يتعلق بسوق الأسهم.

وقال: «ليس بمقدورهم التوقف عن التفكير في تعويض خسائرهم. إنهم يلقون بكل أموالهم في سوق الأسهم ويتابعونها بلا كلل أمام شاشات الحاسب الآلي. ويأملون في العثور على بعض الأنباء أو السياسات الإيجابية، لكن دون جدوى».

أما أكثر المستثمرين المتضررين من تقلبات السوق فهم أمثال «وانغ» الذين دخلوا السوق أثناء أو قريبًا من فترة ذروته في أكتوبر (تشرين الأول). يذكر أن «وانغ» الذي عمل بمصانع مدينة «دونغوان» الصناعية الجنوبية لفترة تجاوزت العقد، بدأ الاستثمار في البورصة في سبتمبر (أيلول). وخلال الأسابيع الأولى، بدا أن الحظ يحالفه، وبحلول أكتوبر (تشرين الأول) قفز مؤشر شنغهاي بنسبة 14.5%. وفي الشهر التالي، بدأ المؤشر في التراجع. وبدا أن جميع الأسهم التي اشتراها «وانغ» بدأت في الانهيار، وبحلول نهاية فبراير (شباط) أصبحت قيمة الأسهم التي في حوزته منعدمة تقريبا. ووصف «لي هوافو»، الطبيب المعالج لـ« وانغ» بمستشفى «ووجنغ زونجدوي»بإقليم «جوانجدونج»، حالته بأنه كان في حالة «صدمة»، وأكد « كان صامتا للغاية، ولم يتحدث كثيرًا مع الآخرين».

وأضاف «لي» أن «وانغ» عاد مع شقيقه ووالدته إلى مدينتهم الأصلية بإقليم «شانجدونغ». من ناحية أخرى، أعلن بعض المستثمرين، مثل «ما جوتشنج«، 26 عامًا، أنهم تعلموا الدروس المستفادة من الصدمة الأخيرة التي شهدتها الأسواق.

وفي شهري إبريل (نيسان) ومايو (أيار) 2007، قام «ما» باستثمار ما يزيد على 270.000 ين ـ أي نحو 38.600 دولار – في الأسهم. وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) أصبحت قيمة هذه الأسهم 440.000 ين. وفي ذلك الوقت، فكر في البيع، لكنه اعتقد أن الأسعار ستعاود الارتفاع مجددا. أما الآن، فتبلغ قيمة مدخراته 50.000 ين فقط، أي نحو 7 آلاف دولار. وفي ذلك يقول «ما»: «لقد كنت أنانيا. وقد فقدت أكثر من 80 في المائة من إجمالي استثماراتي».

* خدمة واشنطن بوست ـ خاص بـ«الشرق الأوسط» شارك الباحثان وي مينغ وكريسي دينغ في هذا التقرير