خريطة جديدة للمواقع والأسعار العقارية في مصر

بعد استحداث محافظتي تطوير نوعية الحياة في القاهرة

TT

أكد خبراء العمران المصريون أن الجدل الدائر حول القرار الرئاسي بإنشاء محافظتين جديدتين في نطاق إقليم القاهرة الكبرى سيستمر لفترة طويلة، خاصة في ظل عدم وضوح الأهداف الحقيقية للتقسيم الاداري الجديد للمحافظات والذي جاء مفاجئا للأوساط السياسية والاستثمارية بالإضافة إلى المواطنين أنفسهم.

وأشاروا الى ان القرار الذي استحدث محافظة باسم حلوان وتضم مدن الشروق والعبور والرحاب والسلام والقاهرة الجديدة والمعادي وحي حلوان و15 مايو وبدر وكلها من توابع القاهرة، كما استحدث محافظة باسم 6 أكتوبر وتضم مدينة السادات الصناعية ومدن 6 أكتوبر والشيخ زايد والواحات واوسيم (منطقة ريفية)، سيؤثر من زوايا عديدة على الاستثمار العقاري. وكان نواب في البرلمان المصري قد اتهموا منذ أيام وزير الإسكان المهندس احمد المغربي بأنه وراء التقسيم، وانه صممه لخدمة بعض رجال الأعمال والمستثمرين العقاريين وذلك على خلفية أن المغربي رجل أعمال ومستثمر سياحي سابق. المعروف أن الهدف من التقسيم الجديد كما ذكر الرئيس مبارك هو «تطوير نوعية الحياة في القاهرة، بعد أن ثبت أن المدن الضخمة لا يمكن إقامة نظام حياة جيد بها، مقترحا إنشاء محافظة تحت اسم «توشكي».

بينما أوضح الوزير المغربي أن تسارع معدلات التنمية في شرق وغرب القاهرة – حيث تمركز المدن الجديدة - نتيجة للطفرة العقارية والصناعية أدى إلى زيادة كبيرة في السكان، مع ما تبع ذلك من صعوبات إدارية، مما جعلنا نفكر في إنشاء محافظتي حلوان و6 أكتوبر. يشير الخبراء الى أن القرار الذي صدر قبل عدة أسابيع سيدفع إلى إعادة تقييم الاراضي التي بحوزة الشركات مرة أخرى، حيث سترتفع قيم أراض وتنخفض أخرى، ما يزيد من تعقيد المنافسة في سوق تتهافت عليه الأموال العربية حيث ما زالت الاراضي هي الأرخص من باقي الدول المجاورة بالرغم من اتجاه الأسعار إلى الارتفاع، مما يزيد من صعوبات الموقف. وأشارت تصريحات من مصادر مسؤولة في وزارة الإسكان الى نفاد الاراضي المتاحة في المدن الجديدة التي يتزايد عليها الطلب بشدة، خاصة في القاهرة الجديدة و6 أكتوبر والشيخ زايد، ومعنى ذلك أن بعض التجمعات الحالية التي تريد التوسع قد يجد بعضها أرضا طبقا للتقسيم إذا كان قد أضيف الى المحافظة التي سيتبعها مساحات أخرى وقد لا يجد بعضها الأرض التي يتوسع عليها أو يقيم عليها مشروعه من الأساس.

وبالرغم من قول الخبراء بأن القرار صدر عشوائيا دون دراسة حقيقية أو طرح للمناقشة الجادة بين المختصين، فإن التصريحات الرسمية أكدت وجود دراسات مسبقة عديدة، غير أن إصدار قرار وزاري بتعديل القرار الرئاسي في اليوم التالي مباشرة لنشره، متضمنا إعادة تشكيل المحافظتين الجديدتين وتعديلات أخرى، ترك انطباعا بعدم نضج القرار، غير ان ما يعني أهل العقارات الآن هو أسئلة من نوع هل ستنخفض قيمة الاراضي في القاهرة الجديدة التي تجاوز سعر المتر فيها 3500 جنيه في المتوسط، بعد تبعيتها إلى محافظة حلوان؟ وهل سترتفع الاراضي والعقارات في 6 أكتوبر بعد تحويلها الى محافظة مستقلة؟

اختلفت التقديرات، فتوقع رئيس شركة ماسبيرو للتنمية العمرانية شريف حافظ، أن يجني الاستثمار العقاري ثمار تنمية أفضل خلال الفترة المقبلة، مشيرا الى أن هذا مرتبط بالسياسات التي ستقوم بها كل محافظة على حدة، ومدى تناسبها مع طبيعتها والمناطق الصناعية والخدمية المختلفة في نطاقها. وأشار حافظ إلى أن قيمة الأرض تخضع عادة إلى آليات العرض والطلب، مضيفا أنها سترتبط بالمجتمع المحيط والقيمة الاقتصادية ونوعيات الصناعات والحرف والفئات الاجتماعية في هذه المجتمعات وطريقة طرح الاراضي، بالتملك أو بحق الانتفاع لمدد طويلة؟ وعن توقعاته عن اتجاهات الأسعار في المدن الجديدة، أشار حافظ إلى انه في القاهرة الجديدة مثلا، ستنخفض الأسعار على المدى القصير، منوها على أن «البرستيج» سيلعب دورا مهما بعد أن أصبحت تتبع محافظة حلوان التي هي في الأصل مدينة عمالية صناعية، بعد أن كانت تتبع العاصمة وهي القاهرة، والمعروف أن غير القاهريين عادة ما يطلق عليهم سكان الأقاليم، مشيرا إلى أن تقييم الاراضي كان يختلف دائما بين محافظتي القاهرة والجيزة.

حيث ارتفع في الأولى طوال الوقت مهما كانت الاراضي متشابهة، وقال إن المسائل الشكلية ستنتهي لو اقترن التقسيم بالتنمية الحقيقية على المدى الطويل، مما يؤدى إلى ارتفاع سمعة مدن المحافظة – اي محافظة من الجدد - بمرور الوقت.

من جانبه أضاف أستاذ التخطيط العمراني بجامعة القاهرة عباس الزعفراني أن هناك توقعات بانخفاض قيمة الاراضي في بعض المناطق، التي ستتغير تبعيتها من محافظة إلى أخرى، موضحا أن المدن التي أصبحت تتبع إداريا، الفيوم مثلا بدلا من الجيزة ستقل أسعار أراضيها ووحداتها وقيمتها، على الأقل بمقدار ما ستزيد قيمة الإجراءات الإدارية والتراخيص.

وبالرغم من أن الزعفراني يرى أن القرار بشكل عام لن تكون له تأثيرات سلبية في الاستثمار العقاري والمستثمرين، وستصيب سوءاته المواطنين العاديين أكثر، فإنه يفضل لو كان قد تم إنشاء محافظة جديدة شرق القاهرة تضم المدن الجديدة الواقعة هناك، بدلا من حلوان التي ضمت تلك المدن الى حزام تقليدي طويل، سيربك التجانس الاقتصادي والمجتمعي فيها.

وأفاد الزعفراني في هذا السياق أن قرارات إنشاء محافظات جديدة لا بد أن يطرح للمناقشة العامة، خلافا لمسارات الطرق الجديدة التي لا بد أن تشملها السرية والكتمان حتى لا تحدث مضاربات على الاراضي حولها ومن ثم تشتعل أسعارها.

من جانبه أضاف رئيس مركز بحوث الإسكان والبناء الأسبق أبو زيد راجح أن الرؤية الكلية لم تتبلور بعد، موضحا ان قرار إنشاء محافظات بلا منطق مفهوم حتى الآن وغير واضح تأثيره في التنمية والاستثمار، وقال «كان الأجدى إنشاء أقاليم تخطيطية جديدة ومن ثم تتبعها محافظات تنسجم مع طبيعتها، وأضاف راجح أن نقل المدن الجديدة مثل 6 أكتوبر والقاهرة الجديدة من هيئة المجتمعات العمرانية إلى محافظات قائمة بذاتها قفزة كبيرة لكنها ذات عواقب غير مأمونة واختلف مع راجح الدكتور شريف حافظ، فرأى أن تبعية المدن الجديدة في السابق لهيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان، كان استثناء من القاعدة، مشيرا الى أن الأصل هو الخضوع للحكم المحلي. وتوقع خبير التسويق العقاري محمد انعم، أن ترتفع أسعار الاراضي والوحدات السكنية في 6 أكتوبر بعد أن تحولت إلى محافظة، بنسبة قد تصل إلى 20 في المائة.

واستدرك أن هذه الزيادة مرهونة بزيادة الإنفاق على البنية التحتية والطرق والخدمات بالمحافظة، بالإضافة الى إنهاء تسقيع الاراضي، وأوضح أنعم أن هناك تخوفا من هذا الارتفاع المتوقع، مشيرا الى أن الزيادة التي حدثت حتى الآن، متذبذبة ولم تتعد 50 جنيها للمتر المربع الواحد.

وأكد اللواء مصطفى عبد القادر وزير الحكم المحلي السابق أن القراءة المتعجلة للتقسيم قد تؤدي الى نتائج خاطئة، مؤكدا أن التقسيم هدفه تنموي وحضاري في المقام الأول ولا يتعارض ذلك مع وجود حي فقير أو صناعي مع آخر غني أو خدمي، فتلك طبيعة المدن المعاصرة بشكل عام، والشاطر حسب قوله هو من يزيد من الروابط بين الخليط السكاني ويجعله سبيكة مجتمعية واحدة. معروف أن أعدادا كبيرة من العراقيين تعيش في 6 أكتوبر كما يمتلك عدد كبير من العرب وحدات في الشيخ زايد والشروق والرحاب والعبور والقاهرة الجديدة.