عمليات الدمج المصرفي في لبنان بين تقنية القطاع و«تكبير الأحجام»

أبرز مشاكل القطاع تتجلى في الديون المتعثرة والشيكات المرتجعة والإفلاسات المفاجئة

TT

فيما تترقب الاوساط المالية والمصرفية الاعلان عن صفقات شراء ودمج جديدة في القطاع المصرفي، بعد الاعلان عن اتمام صفقة شراء بنك «ويدج الشرق الاوسط» من قبل «بنك بيبلوس»، تتداول الاوساط ذاتها معلومات عن تحفظات محددة جرى تداولها في حاكمية مصرف لبنان المركزي وتم ابلاغها الى المعنيين، وفحواها الاهم ما يتعلق بامكانية عدم ملاءمة بعض الصفقات لشروط قانون الدمج الساري المفعول.

ويؤكد مسؤولون كبار في البنك المركزي ان تشجيع وحفز عمليات التملك والدمج في القطاع المصرفي عبر اعطاء قروض ميسرة للمصرف الشاري او الدامج ومنحه تسهيلات اضافية بموجب القانون الخاص الذي حرص مصرف لبنان على تسهيل تمديده لمدة خمس سنوات جديدة تنتهي بعد 3 سنوات ونيف، استهدف في الدرجة الاولى الاسهام بشكل فعال في تنقية القطاع المصرفي اللبناني وتأمين الخروج اللائق للمخالفين وغير القادرين على الاستمرار والمنافسة سواء بالنسبة للاشخاص او للمؤسسات، كما استهدف تالياً الاسهام في انشاء وحدات مصرفية ذات رساميل اكبر وتوسيع قاعدة المساهمين والتوسع الناجح في مجال الخدمات والمنتجات. وهي اهداف تلتقي مع الخطة المتكاملة التي وضعها المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف، بالتعاون مع جمعية المصارف، لتأمين صمود واستمرارية عمل المصارف وجعلها اكثر جاذبية للاستثمارات الخارجية.

لكن الحاصل، يضيف المسؤولون المعنيون، ان الحوافز والتسهيلات التي يوفرها قانون الدمج باتت هدفاً بحد ذاته يسعى البعض لاستغلاله عبر الشراء والدمج من دون تحقيق اي قيمة مضافة، مما يسهم بدخول بعض المصارف في خيار «تكبير الاحجام» على حساب تنقية القطاع وتأمين سلامته. وهو خيار حافل بالمخاطر خصوصاً في ظل ظروف اقتصادية صعبة ومعقدة كالظروف التي يعاني منها لبنان والتي تنعكس مباشرة على القطاع المصرفي. وابرز تجلياتها التنامي المطرد في حجم الديون المتعثرة والشيكات المرتجعة، ناهيك من مشكلات مفاجئة على غرار افلاسات جامعي اموال وصيارفة وهروب بعضهم الى الخارج، وكل ذلك يستدعي حجز احتياطات مقابلة تصل في الكثير من الحالات الى نسبة 100 في المائة. وبدا تأثير ذلك واضحاً في النتائج المجمعة للقطاع المصرفي نهاية العام الماضي التي اظهرت تراجع او انعدام ارباح معظم المصارف العاملة. وستظهر في شكل اكثر حدة في نتائج العام الجاري، بعدما اظهرت المؤشرات الاولية حتى منتصف العام، تراجع معدلات النمو والربحية بنسب تزيد على 15 في المائة قياساً بالفترة ذاتها من العام الماضي.

وتؤكد مصادر مصرفية ومالية رفيعة المستوى ان المصرف المركزي رفض الكثير من استطلاعات التملك والدمج حفاظاً على روحية القانون والمواصفات المطلوبة. وابدى حرصاً خاصاً على التدقيق في مضمون وآفاق اي استطلاع يرد اليه قبل اعطاء اشارة الموافقة المبدئية التي تكون شفوية وغير ملزمة له لتطويرها الى موافقة نهائية، قبل الحصول على الملف المتكامل للصفقة سواء أكانت كاملة او جزئية (عملية بيع جزء من الاسهم). لكن ذلك لم يمنع حصول مفاوضات لعمليات غير مطابقة تماماً لتوجهاته ومنها ما اعتبرتها الجهات المعنية بها مسيئة لها، فحصل بشأنها لغط وتسريبات اعلامية تؤكد وبيانات للمؤسسات تنفي.

واذ يؤكد مسؤول كبير في المصرف المركزي ان القروض الميسرة التي تحصل عليها المصارف الدامجة، بموجب قانون الدمج، هي اموال عامة ينبغي عدم صرفها الا في الاطار المحدد الذي يتجه للقانون وروحيته، ترى المصادر المصرفية والمالية ان فوائد هذه القروض التي تمنح لفترات طويلة نسبياً والتي توازي نسبة 60 في المائة من معدلات فوائد سندات الخزينة الحكومية لمدة سنتين، وهي المجال الاكثر استقطاباً لتوظيفات المصارف، تثير شهية بعض المتمولين والمستثمرين من زاوية تحقيق صفقة رابحة في حال التوصل الى تسعير مناسب للبنك المدموج، وذلك ما يوجب التنبه والحرص على حصر موافقات الدمج ضمن المعايير والمواصفات التي يفرضها القانون وتوجهات المصرف المركزي.

وتلفت المصادر الى ان المجلس المركزي لمصرف لبنان الذي يرأسه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ويضم نوابه ورئيس لجنة الرقابة او من يمثله من الاعضاء على المصارف، هو الهيئة الوحيدة المعنية بمنح الموافقة النهائية للدمج وتحديد حجم القرض الميسر والتسهيلات الاضافية. ولذا فان الاعلان المبكر لعمليات الدمج واستباق الحصول على الموافقة النهائية يكون بمنزلة المخالفة الصريحة لروحية القانون وتجاوزاً للسلطة النقدية. ومن الممكن ان يتسبب باضرار مباشرة على طرفي الدمج او احدهما في حال رفض المجلس المركزي منح موافقته النهائية لاسباب يراها مناسبة، وذلك بغض النظر عن الموافقة الاولية التي لا ترتب عليها اي التزامات لاحقة.

=