عندما يتحكم جشع المضاربين في الحياة الاقتصادية

أحمد الحديد

TT

نسمع بشكل يومي «ارتفاع أسعار النفط لمستوى قياسي جديد» أو «توقعات بارتفاع أسعار الأرز بنسب مخيفة بفترات بسيطه» أو حتى ارتفاع المعادن الأساسية كالنحاس أو الحديد أو الألومنيوم. لكن عندما تبدأ بعد ذلك بالبحث عن الأسباب والمبررات من وراء هذه الارتفاعات أو حتى التوقعات لذلك (كتوقعات بنك عالمي بارتفاع سعر النفط إلى 200 دولار للبرميل). فتنصدم بالتناقض ولا تجد المبرر المقنع لكل هذا التشاؤم.

فمثلا لماذا هذه الارتفاعات الماراثونية في أسعار النفط هل هنالك نقص في الإمدادات؟ أو هل هنالك توقعات في نقص المخزون العالمي أو اتجاه لنقص الإنتاج؟ تجد الإجابات الموثقة من منظمة أوبك لكل هذه التساؤلات أن هنالك اتزانا بين العرض والطلب وهنالك قدرة إنتاجية إضافية بحوالي أربعة ملايين يومي. أضف إلى ذلك خطط السعودية (أكبر منتج للنفط في العالم) لرفع القدرة الإنتاجية إلى 12.5 مليون برميل في عام 2015 وإلى 15 مليون برميل يومي في 2025 حتى لو قرأنا التوقعات الخاصة بنمو الطلب العالمي نجدها ضعيفة نسبيا ومنطقيا ـ وحسب العادة ـ ينخفض الطلب الصيني والهندي عندما ترتفع الأسعار لهذه الأرقام.

برأيي الشخصي السبب الرئيسي من وراء ارتفاع النفط إلى أكثر من 135 دولارا للبرميل هو المضاربات في البورصات العالميه (لندن ونيويورك). والمراقب لحجم هذه المضاربات يجده رقما مخيفا والمتابع لحجم الصناديق التي تستثمر في المضاربات على النفط يجدها تزداد بشكل يومي. وليس السبب هو ضعف الدولار. فقد لاحظت في فترة الخمسة أسابيع الماضية تراجعا قويا للعملات الرئيسية أمام الدولار (على سبيل المثال انخفض سعر صرف اليورو من 1.6018 إلى 1.5287) وعلى النقيض استمر النفط بالاتجاه التصاعدي. وحتى انخفاض الدولار كان نتيجه توقعات من انكماش وتراجع حاد في الاقتصاد الاميركي، إذا (تاريخيا) عندما ينكمش أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مستهلك للنفط ينتج عن ذلك تراجع في أسعار النفط وذلك تحسبا لنقصان الطلب. وبرأيي الشخصي يجب أن يعلل انخفاض الدولار بسبب ثان وهو ارتفاع أسعار النفط. والدليل على ذلك تصريحات بعض المسؤولين الأوربيين برضائهم بارتفاع سعر العملة الموحدة (اليورو) لكي تخفض سعر شراء النفط.

لقد كانت الحاجة على وجود البورصات العالمية لتحديد قيمة النفط من وراء الأسباب الاقتصادية البحتة من عرض وطلب أو نقصان في الإمدادات وأيضا تأمين الأسعار المستقبلية لكل فئة من أنواع النفط وليس الغرض منها المضاربة المحمومة لكسب الربح السريع ودفع الأسعار لمستويات تسبب ارتفاعا في نسب التضخم في العالم أجمع (سواء مصدر أو مستهلك) ومن ثم تراجع بنسب النمو الاقتصادي عالميا. لماذا لا تغير القيود على هذه البورصات لماذا لا تكون أشد صرامة وردعية لكل من يسعى بالتحكم في سعر الشريان الرئيسي للطاقة العالمية. فاستغرب من إصرار كل من البلدان المستهلكة (أميركا وألمانيا وفرنسا وأيضا بريطانيا) عن الأسباب الرئيسية التي هم على علم حتمي من وراء ارتفاع الأسعار والسعي لمقاضاة «أوبك» بعدم ضخ المزيد من النفط في الأسواق!. كيف يسمح بكل هذه الفوضى لماذا لا يقيم السعر من قبل المصدر مثلا وليس عن طريق هذه البورصات لماذا يسمح بوجود صناديق للاستثمار في قطاع الطاقة كالنفط والغاز؟ لماذا يسمح بوجود صناديق للاستثمار في الأرز والذرة وغيرهما من مواد غذائية تؤثر في حياة فقراء العالم؟

توجهت بعض البلدان كالهند وتايلند وغيرهما من البلدان المنتجة للأرز بتقليص التصدير للخارج وذلك لبناء مخازن استراتيجية من الأرز لحماية سكانها ممن يعتمدون اعتمادا قويا على هذا المصدر كأساس للغذاء وأيضا لحماية شعوبها من ارتفاع الأسعار بسبب مضاربي الأرز وربما تخوفا من نقص الإمدادات بسبب ارتفاع الطلب المفاجئ فليس هنالك نقص مخيف في المحاصيل. وأدى ذلك لرفع أسعار الأرز في البلدان المستهلكة. أما النفط فإذا كان هنالك تعارض بين منظمة أوبك (البلدان المصدرة) وبين البلدان الاستهلاكية على الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار النفط، إذا لماذا لا تكون لجنة مستقلة تابعة لهيئة الأمم المتحدة للتحقيق في الأسباب الحقيقية في ارتفاعات أسعار النفط؟ ولنقف جانبا وكلي قناعة بأن اللوم سوف يلقى كليا على مضاربات البورصات العالمية.

* متخصص في الأسواق المالية العالمية [email protected]